العمليات الفدائية في وعي المستوطن: أمن مفقود وتطمينات بلا جدوى
عملية القدس ذكّرت المستوطنين في المدينة بالأمن الشخصي الذي قد يفقدونه في أيّ لحظة، ولعل أخطر ما في الهجوم بنظر المستوطنين تأكيده أنّ الانتفاضة بالقدس مستمرة.
على الرغم من الصورة الورديّة التي روّج لها الاحتلال بعد العدوان الأخير على قطاع غزّة، وادعاءه فيها استعادة الردع وتوجيه ضربة قاصمة لحركة "الجهاد الإسلامي" بشكلٍ خاص، وللمقاومة الفلسطينيّة بشكلٍ عام، جاءت العملية الفدائية التي نفذّها أمير صيداوي (26 عاماً) فجر الأحد في القدس المحتلة لتنسف الرواية الإسرائيلية من أساسها، وتؤكّد مرةً أخرى أنّ العمليات الفردية ومقاومة الاحتلال بشتى الوسائل يؤلم، ويؤثر في مجرى النضال.
فحصيلة 10 رصاصات خلال ثوان تُماثِلها، تسببت بإصابة 8 مستوطنين بينهم اثنان في حالة خطرة، بعدما استهدف المنفّذ فيها 3 وجهات في هجوم خاطف قرب باب المغاربة في البلدة القديمة بالقدس المحتلة.
اقرأ أيضاً: قتلى وجرحى في هجوم على حافلة للمستوطنين في القدس المحتلة
عملية القدس هذه أحدثت صدمةً جديدةً في كيان الاحتلال، وسط مخاوف من تصاعد العمليات فيها وفي الداخل المحتل، فيما أثبتت العملية فشلاً جديداً لجهاز الأمن الإسرائيلي الذي يعمد إلى فرض عقوبات جماعية للتعويض عن هذا الفشل.
"العمليات الفردية" .. تؤرق الأمن الإسرائيلي
عملية القدس ذكّرت المستوطنين في المدينة بالأمن الشخصي الذي قد يفقدونه في أيّ لحظة، ولعل أخطر ما في الهجوم بنظر المستوطنين تأكيده أنّ الانتفاضة بالقدس مستمرة، وأنّ فكرة المهاجم المنفرد تجدّد ثباتها واستمرارها، فيما لم تحمل التطمينات التي تحاول السلطات الاحتلال بثّها في نفوس المستوطنين أيّ جدوى.
فلطالما اشتكت الأجهزة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي من عدم قدرتها على التحرك المسبق لوقف الهجمات باعتبارها هجمات فردية غير منظمة.
المستوطنون يشعرون اليوم برعبٍ مضاعف، فالحديث عن هجوم فردي ربما يكون اعتيادياً في ظل التصعيد القائم أساساً في الأراضي الفلسطينية، لكن أن يكون بطل هذا الهجوم من حملة الهوية الزرقاء، فثمة خطر كبير يدق ناقوس أمنهم وحياتهم، خاصةً وأنهم كانوا يستشعرون التهديد في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنهم تفاجأوا من أنّه جاء من الداخل، بالإضافة إلى تخوفاتهم من نشاط لأشخاص ومجموعات قد تشكل خطراً مستقبلياً أيضاً، مع تأكدهم أنّ سلطات الاحتلال لن تستطيع كبح جماح الفلسطينيين من استمرار هجماتهم.
فمع تزايد العمليات الفدائية الفردية ترى سلطات الاحتلال نفسها في مأزق وسط محاولات مستميته لتهدئة الوضع وإشعار المستوطنين بالأمان، حيث تطرق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد، في مستهل جلسة الحكومة إلى العملية في القدس المحتلة ليلة الأحد، وتحدث عن مخاوف المستوطنين من وقوع هجمات مماثلة.
ويأتي ذلك، فيما يصرّح المحامي كوبي سودري خبير بالقانون الجنائي، لـ"القناة 13" الإسرائيلية، "أي عملية لا يمكنها أن تغير الواقع الصعب جداً الذي نعيش به. مرة أخرى نحن نرى مميزات المهاجم المنفرد". بدوره، يعتبر الوزير السابق حايم رامون، أنّه "من الصعب إلى حد المستحيل، منع هجوم فردي عبر وسائل استخبارية وما شاكل".
الهجمات الفردية على المستوطنين الإسرائيليين تشهد حفاوة شعبية
أشبع المتحدثون والمحللون العسكريون الإسرائيليون جمهورهم باجترار الادعاء القائل إنّ "سياسة الردع" في القدس المحتلة، تثني المنفردين عن تنفيذ هجماتهم، إلا أنّه في كلّ مرة تصعب الهجمات الفردية الفلسطينية على الأمن الإسرائيلي اكتشافها وبالتالي منعها.
خاصةً وأنّ أسلوب منفذي الهجمات تغير بعدما أصبحوا يتحركون بمبادرة وتخطيط فرديين، لا ضمن إطار الفصائل المسلحة المقاومة للاحتلال، فيما تحاول أجهزة الأمن الإسرائيلية تعقب المهاجمين المحتملين من خلال متابعة مواقع التواصل الاجتماعي ولكنها لم تنجح حتى الآن.
في المقابل، تشهد الهجمات الفردية على المستوطنين الإسرائيليين حفاوة شعبية هائلة في الشارع الفلسطيني ووقوف شعبي كبير خلف فصائل المقاومة، وإيماناً بدورها، والنظر لهؤلاء على أنّهم أبطال وأيقونات حرية.
وباركت كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي عملية إطلاق النار في القدس، باعتبارها "رداً طبيعياً على جرائم الاحتلال والمستوطنين ضد الفلسطينيين وتأكيداً لاستمرار مقاومة الاحتلال".
وجاء الهجوم في القدس المحتلة، بعد 10 أيام من شن الاحتلال الإسرائيلي عدواناً ضد قطاع غزة، خلّف عشرات الشهداء والجرحى في صفوف الفلسطينيين.
"رخصة" لقتل الفلسطينيين
استسهال الضغط على الزناد من قبل المستوطنين صوب الفلسطيني، بذريعة "الخطر على الحياة" أو "الدفاع عن النفس"، سياسة تؤشر إلى أي حد بلغت عسكرة المجتمع الإسرائيلي.
فعلى وقع النتائج القاسية التي أفرزتها العمليات الفدائية الفلسطينية، خاصةً في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل الماضيين، ارتفاع عدد طلبات المستوطنين لحمل الأسلحة النارية، فيما تحاول سلطات الاحتلال إعادة الشعور بالأمن الشخصي الذي تضرر كثيراً في الآونة الأخيرة، من خلال تصريحات حمل السلاح التي تقدمها للمستوطنين.
ويُعتبر توظيف "الأمن الشخصي" وتسليح "المجتمع الإسرائيلي" بمثابة رخصة لقتل الفلسطينيين، سواء داخلما يسمى "الخط الأخضر" أو في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وأداة لترويعهم وقمعهم وملاحقتهم وتضييق الخناق عليهم، في حالة تعكس "الترانسفير (الترحيل) المسلح".
اقرأ أيضاً: طلبات المستوطنين لحمل السلاح ترتفع بعد عملية "ألعاد"
واستفردت الحالة الفلسطينية بقدرة عالية على تطويع الأدوات النضالية بما تفرضه ميادين الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، فتوسعت العمليات الفردية واتخذت شكل ظواهر شكَّلت نهجاً وعدوى نضالية لم تتمكن من فرض معادلات ردع وتغيير فحسب، بل أجَّجت شجباً داخلياً في "المجتمع الإسرائيلي" أيضاً.