السودان: المعارك في الخرطوم تحتدم.. والبلاد على حافة "كارثة إنسانية"

الهدنة السادسة المُعلنة في السودان بين طرفي الصراع لم تمنع تجدد الاشتباكات، مع تزايد سوء الأوضاع الإنسانية وأعداد النازحين، والأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى تحذّر من اقتراب البلاد من "كارثةٍ إنسانية".

  • دخان متصاعد بعد قصفٍ جوي، خلال اشتباكات بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع، شمالي العاصمة الخرطوم.
    دخان متصاعد بعد قصفٍ جوي، خلال اشتباكات بين الجيش السوداني و"الدعم السريع"، شمالي العاصمة الخرطوم.

شهدت العاصمة السودانية الخرطوم، اليوم الإثنين، غاراتٍ جوية وعدة انفجارات، على الرغم من هدنة جديدة لمدة 72 ساعة، تمّت الموافقة عليها من جانب الجيش وقوات الدعم السريع، بينما حذّرت الأمم المتحدة من أنّ السودان بات على حافة "كارثةٍ إنسانية"، وأنّ مئات الآلاف قد يفرّون منه. 

وحذّر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، الإثنين، من أنّ "أكثر من 800 ألف شخص" قد يفرّون من السودان.

وقال غراندي، في تغريدةٍ في موقع "تويتر"، إنّ المفوضيّة تستعدّ لمثل هذا الاحتمال، وأمل "ألّا يحدث ذلك، لكن إن لم يتوقف العنف، فسنرى مزيداً من الناس يُجبَرون على الفرار من السودان، بحثاً عن الأمان".

وأفاد سكانٌ في الخرطوم بأنّهم استيقظوا، صباح الإثنين، على هدير الطائرات المقاتلة، في حين تحدّث آخرون عن سماعِ أصوات دويّ انفجاراتٍ وإطلاق رصاصِ في مناطق متعددة من العاصمة، التي يناهز تعداد سكانها خمسة ملايين نسمة.

وبقيت الهدنة الأخيرة هشّةً كسابقاتها من المحاولات لتهدئة الصراع الدائر بين الحليفين السابقين، والذي تفجّر في 15 نيسان/أبريل الجاري، وأغرق السودان في فوضى حصدت مئات القتلى، ودفعت عشرات الآلاف إلى المغادرة أو النزوح.

ويرى خبراء أنّ اتفاقات وقف النار تهدف، بصورة خاصة، إلى ضمان أمن طرق إجلاء الرعايا الأجانب، والسماح بمواصلة بعض الجهود الدبلوماسية التي تقودها أطراف خارجية، وذلك في ظلِّ رفض القائدين العسكريين التواصل بصورة مباشرة.

الأمم المتحدة: الأوضاع في السودان تتجه إلى مأساة إنسانية

وأوضح ستيفان دوجاريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أنّ "الأحداث في السودان تحدث في نطاقٍ وسرعةٍ غير مسبوقين"، مبدياً "قلقه الكبير".

ولفت دوجاريك، في بيانٍ رسميٍ، الأحد، إلى أنّ الأمين العام للمنظمة الدولية قرّر أن يرسل رئيس الوكالة الإنسانية في المنظمة، مارتن غريفيث، بصورةى فورية إلى المنطقة، في ضوء التدهور السريع للأزمة الإنسانية في السودان.

وأكّد غريفيث أنّه في طريقه إلى المنطقة لدراسة كيف يمكن تقديم مساعدة فورية، مؤكداً أنّ "الوضع الإنساني يقترب من نقطة اللاعودة"، ولافتاً إلى أنّ السودان كان يعدّ من الأكثر فقراً في العالم حتى قبل تفجر النزاع الأخير، في إشارةٍ إلى عمق تأثيرات تفجّر النزاع الحالي.

وحذّر المبعوث الأممي من أنّ النهب الذي تعرضت له مكاتب المنظمات الإنسانية ومستودعاتها "استنزف أغلبية مخزوناتها".

ووجّه غريفيث، في تغريدةٍ في موقع "تويتر"، رسالةً إلى أطراف النزاع، مطالباً بحماية المدنيين والبنية التحتية، وبضمان مرورٍ آمن للمدنيين الفارين من مناطق القتال، وباحترام العاملين في المجال الإنساني، وداعياً إلى تسهيل عمليات الإغاثة واحترام الكوادر الطبية ووسائل النقل.

وقرّر برنامج الأغذية العالمي أن يستأنف أنشطته بصورة فورية، بعد تعليقها عقب مقتل ثلاثة من موظفيه خلال الأيام الأولى للنزاع، في بلدٍ كان ثلث سكانه يعانون الجوع قبل اندلاع الحرب.

كارثة صحية تعانيها مناطق الاشتباكات

وتحوّلت الأزمة الصحية التي كان يعانيها السودان قبل اندلاع القتال إلى "كارثةٍ بكل معنى الكلمة"، بحسب تصريح المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في منطقة شرق المتوسط، أحمد المنذري.

وأوضح المنذري أنّ النظام الصحي في السودان "مرّ قبل المعارك الأخيرة، بأعوام من الأزمات المتعددة، الأمر الذي عرّضه لكثير من الهشاشة والضعف الحقيقي، اللذين أصابا البنى التحتية، أي المستشفيات أو مراكز رعاية الصحية الأولية، في مختلف مستوياتها، في عموم السودان".

وأكّد وجود نقصٍ حقيقي في الكادر الطبي، وخصوصاً مع بدء النزاع المسلح، وأشار إلى نقصٍ كبير في "الكادر الطبي المتخصص، وخصوصاً في الجراحة والتخدير".

وصرّح بأنّ "23% من المستشفيات في الخرطوم تعمل بصورة جزئية، في حين تعمل 16% فقط في كامل طاقتها".

وتمكّنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الأحد، مع دخول النزاع أسبوعه الثالث، من إيصال أول شحنة مساعداتٍ إنسانية عن طريق الجو، إلى مدينة "بورتسودان" الواقعة على مسافة 850 كلم إلى الشرق من العاصمة الخرطوم.

وأوضحت اللجنة أنّ الشحنة "ضمّت معدات جراحية لدعم مستشفيات السودان ومتطوعي جمعية الهلال الأحمر السوداني، وهم الذين يقدمون الرعاية الطبية إلى الجرحى الذين أُصيبوا خلال القتال"، لافتةً إلى أنّ الشحنة لن تكفي سوى لمعالجة 1500 جريح.

مخاوف من حركة نزوحٍ واسعة

وأدت المعارك إلى نزوح، داخلياً وخارجياً. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، انتقل أكثر من 75 ألف شخص إلى مناطق أخرى داخل السودان، كما عبر ما يتجاوز 20 ألفاً على الأقل نحو تشاد المجاورة، وستة آلاف نحو جمهورية أفريقيا الوسطى، والآلاف غيرهم إلى إثيوبيا وجنوب السودان.

وسيؤدي الهروب المستمر من مناطق النزاع أيضاً إلى تفاقم النزوح في المنطقة، الأمر الذي من شأنه أنّ يوفر وسيلةً محتملةً لتجنيد مزيد من الفئات السكانية الضعيفة من جانب التنظيمات الإرهابية، التي تسعى لتحويل منطقة الساحل إلى منطقة تمركز لوجودها.

وأعلنت سلطات ولاية النيل الأبيض، جنوبي الخرطوم، وصول 70 ألف نازح خلال الأيام الأخيرة إلى مخيمات أقامتها الولاية، كما أَجْلت عدة دول غربية وعربية رعاياها، على مدى الأيام الماضية، توازياً مع جهود دبلوماسية سعياً للحلّ.

وتطال الاشتباكات الدائرة في البلاد 12 من الولايات السودانية الـ18، في البلد الذي يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة.

اقرأ أيضاً: "فورين بوليسي": حرب السودان قد تتجاوزه إلى منطقة الساحل بأكملها

تفجّر الأوضاع في "دارفور"

وبحسب الأمم المتحدة، قُتل نحو 100 شخص، منذ الإثنين الماضي، في غربي "دارفور"، حيث يُعَد الوضع "خطيراً" وفق المنظمة، كما حذّر أمينها العام من أنّ "القبائل تسعى للتسلح" في المنطقة.

وتتزايد أعمال النهب والتدمير وإضرام الحرائق، بما في ذلك داخل مخيمات النازحين من مناطق الصراع، بحسب منظمة "أطباء بلا حدود".

واضطرت المنظمة إلى "وقف كل أعمالها تقريباً" في منطقة غربي دارفور بسبب العنف، بحسب ما صرّح به نائب مدير المنظمة في السودان، سيلفان بيرون.

اقرأ أيضاً: نقص في الماء والغذاء واستهداف الأطباء.. كيف ترخي الحرب ظلالها على السودانيين؟

منتصف نيسان/أبريل 2023 تندلع مواجهات عنيفة في الخرطوم وعدة مدن سودانية، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وتفشل الوساطات في التوصل لهدنة بين الطرفين.

اخترنا لك