الأسرى الفلسطينيون يواجهون بعد 7 أكتوبر وحشيّة الانتقام بالصمود
تزامناً مع العدوان على قطاع غزة والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، يستعرض هذا المقال وضع الأسرى داخل سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر.
هدمت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، صورة الاستعمار الإسرائيلي وترسانته العسكرية وأذاقته الهزيمة منذ السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر المنصرم، كما وسقطت هيبة "الجيش" وتقنيات العنف الاستعمارية.
أحرزت المقاومة تقدّماً عسكرياً وغيّرت مسار وتاريخ الشعب الفلسطيني وشعوب العالم التي تمرّ بالسيرورة ذاتها المرتبطة بالنظام الرأسمالي والمركزية الأوروبية القمعية.
ذاع السابع من أكتوبر بين أواسط الشعوب المضطهدة وغيّر ويغيّر مسار المنظومة العالمية البيضاء والمنحازة نحو حاملي الأسلحة والمدرّعات على حساب دماء المضطهدين.
إنّ المشهد اليوم، ومع احتفاظ المقاومة على صلابتها وقوتها رغم الحصار، وتمكّنها من اختطاف 250 أسيراً إسرائيلياً، لم يرق للاستعمار هذا المشهد وحقيقة الهزيمة. ليبدأ بحرب لم يشنّها فقط على قطاع غزة بل على الضفة المحتلة وأكثر المساحات التي يسيطر عليها الاحتلال، وهي السجون.
يستعرض هذا المقال وضع الأسرى داخل سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر، تزامناً مع العدوان على قطاع غزة والإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني.
7 أكتوبر حين رأى الأسرى بصيص نور
مع بزوغ شمس السابع من أكتوبر، استيقظ الأسرى الفلسطينيون على خبر اقتحام المقاومة الفلسطينية لمستوطنات غلاف غزة والتوسّع فيها، لتنتشر الأخبار سريعاً وتسمعَ صداها الزنازين المعتمة والسجون، بعد أن شقّت المقاومة الفلسطينية طريقاً نحو تحرير الأرض والإنسان.
باشر الأسرى الفلسطينيون اتصالاتهم مع ذويهم بعد أن تلقّوا خبر أسر المقاومة لعدد من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين ضمن عملية اقتحام مستوطنات الغلاف.
وفي محادثة هاتفية أجراها الأسير وسام راضي والمحكوم بالمؤبّد مدى الحياة، مع ابنته نور جيهان "20 عاماً"، قائلاً لها: "تزعليش يابا، أنا مروّح"، راضي والأسرى المحكومون بالمؤبد مدى الحياة والأسرى المرضى يترقبون وينتظرون صفقةً تعيد لهم الحياة بعد سنوات طالت من الأسر.
كان الأسرى في السابق، يترصدون الإذاعات وقنوات التلفاز المتوفرة لديهم ويسترقون أي تحليل أو خبر يتصل أو يؤشر على صفقة تبادل ليبدأوا بتجهيز وتحضير أنفسهم، وهذا ما بدا واضحاً بشكل كبير في سجن الدامون للأسيرات الفلسطينيات وعدد من السجون التي تضم الأحكام العالية. إلا أنّ اليوم وبعد السابع من أكتوبر أصبحت حرية الأسرى وتبييض السجون أقرب وأوضح.
الاعتقالات طالت جَنيناً ذا 7 أشهر في رحم أمه
منذ السابع من أكتوبر المنصرم، شنّت قوات الاحتلال حملة اعتقالات في الضفة المحتلة، تزامناً مع الحرب على قطاع غزة. حيث بلغت حصيلة الاعتقالات أكثر من 2280 حالة اعتقال، ومن بينهم أصغر المعتقلين وهو جَنين يبلغ عمره 7 أشهر في رحم أمه الأسيرة الصحافية سمية جوابرة.
فيما تشير تقارير صادرة عن مؤسسات الأسرى، إلى أنّ عدد أوامر الاعتقال الإداري خلال شهر تشرين الأوّل/أكتوبر ارتفعت مقارنة بالسنوات الأخيرة، وبلغت 1034 أمر اعتقال إداري، من بينها 904 أمر اعتقال إداري جديد و30 أمراً بالتجديد.
يأتي ذلك في ضوء معركة طوفان الأقصى المستمرة منذ 30 يوماً، والتي تخوض فيها كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وفصائل المقاومة الفلسطينية معركة الحرية، والتي رافقتها حملات اعتقال وتنكيل بحق المعتقلين الفلسطينيين.
وكشفت مقاطع فيديو صوّرها جنود الاحتلال التعذيب الجسدي والنفسي في محاولة لإعادة إحكام السيطرة على أجساد الفلسطينيين كما زمنهم وحيّزهم الخاص.
وفي السياق ذاته، وبحسب تقارير صادرة، فإنّ مخابرات الاحتلال أوعزت باستخدام التعذيب الممنهج خلال الاعتقال، كما جاء في فيديو من معسكر اعتقال لـ"جيش" الاحتلال يظهر فيه المعتقلون مكبليّ الأيدي ومعصوبي الأعين مع سماع موسيقى صاخبة تعود لأغنية أطفال بالعبرية "ميني مامتيرا".
ويتعمّد جنود الاحتلال تكرار الأغنية لساعات طويلة لغاية وضع المعتقل في حالة توتر مستمر ونزع الهدوء وسط صدمة الاعتقال العنيف، ومنع المعتقلين من التواصل فيما بينهم.
إنّ هذا الأسلوب استخدمته مخابرات الاحتلال في السنوات السابقة مع الأسرى الذين يقبعون تحت التحقيق الجسدي والنفسي، للسيطرة على حواس الأسرى ونقل الصدمة عبر أجسادهم حتى بعد التحرّر.
ورصدت مؤسسات الأسرى ووسائل الصحافة والإعلام كما صحافة المواطن التي باتت اليوم أقرب إلى الحدث المباشر، عدداً من الأساليب خلال الاعتقال ومن بينها استخدام المعتقلين كدروع بشرية خلال اقتحام المدن والقرى الفلسطينية، وهو نهج يعيد إلى أذهاننا مشاهد الانتفاضة الثانية.
يحاول الاحتلال عبر هذه الأساليب أثناء الاعتقال، نزع الفرد عن الجماعة وكسر نفسية المعتقل وإعادة تثبيت مشهد القوة التي فقدها الاحتلال بعد انهيار منظومة الأمن والعسكر.
أما بالنسبة إلى مشاهد تعذيب الأسرى التي يصدّرها الاستعمار عبر الجنود أو المواقع الإسرائيلية الرسمية، فإنّها تعيد تفعيل مشهدية التعذيب الجماعي ومحاولة زرع الخوف والردع الفلسطيني عن المقاومة أو تأييد الفعل النضالي.
السجون بعد إعلان "إسرائيل" لحالة الطوارئ
أما على صعيد الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر أعلنت حكومة الاحتلال حالة الطوارئ، وأُغلقت الأقسام على الأسرى الفلسطينيين ومُنعوا من زيارات المحامين والعائلات أو حتى الصليب الأحمر، قُطعت الكهرباء والمياه عنهم وأُغلق مقصف السجن حتى بات الأسرى يشهدون التجويع والعزل في آنٍ واحد.
وبحسب مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، فإنّ إدارة مصلحة السجون تقدّم للأسرى وجبتي طعام وصفت بالسيئة من ناحيتي الكم والنوع، فيما أُغلقت العيادات في السجون ومنع نقل الأسرى المرضى إلى العيادات والمستشفيات الخارجية.
وتؤكد شهادات الأسرى المحررين، الذين اعتقلوا خلال الحرب وأطلق سراحهم بعد فترة وجيزة، بأنّ الأوضاع داخل المعتقلات تتفاقم سوءاً.
وكانت إحدى هذه الشهادات تعود للأسير المحرر عبد القادر الحنتاوي، الذي اعتقل أثناء عبوره أحد شوارع مدينة جنين للضغط على أحد المطلوبين لتسليم نفسه.
ويفيد بأنّ "الاحتلال يتعمّد ضرب الأسرى عند المناطق الحساسة من الجسد أثناء الاعتقال مما يتسبّب بضرر دائم للأسير". وأضاف بأنّه خلال وجوده في سجن مجدو، يمتنع الأسرى عن تناول وجباتهم لأيام حتى يمنحوا حصّتهم من الطعام للأسرى الأشبال "القاصرين".
وقال خلال لقاء صحافي بعد الإفراج عنه: "كنا نخاف من ليل السجن.. الآن نخاف نهار وليل السجن".
وفي السياق ذاته، أفادت الأسيرة والكاتبة لمى خاطر خلال زيارة المحامي حسن العبادي لها في سجن الدامون، بأنّ جنود الاحتلال نقلوها بعد الاعتقال إلى معسكر "كريات أربع"، وهدّدها الضابط الإسرائيلي قائلاً: لدي 20 مجنداً، وأريدهم أن يغتصبوك".
وقال لها إنّها أسيرة حرب ويحق لهم أن يفعلوا بها ما يريدون. إنّ ما تعرّضت له الأسيرة لمى خاطر يؤشر على آلية تعامل جنود الاحتلال مع الأسيرات الفلسطينيات سواء خلال الاعتقال والتحقيق أو حتى بعد نقلهن إلى سجن الدامون، فيما بلغ عددهن 62 أسيرة فلسطينية في سجن الدامون.
وفي سياق متصل، يقول أحد الأسرى الفلسطينيين الذي استبشرَ بصفقة تحرّر بعد أن كان متوقّعاً أن يكون الحكم بالمؤبد مدى الحياة، إنّ الأوضاع في سجن "عوفر" أقل مأساوية مما عليه سجن نفحة الصحراوي حيث هو موجود برفقة أسرى من ذووي الأحكام العالية، وأضاف: "يحتفظ الأسرى بالوسائد في سجن عوفر، أما في سجن نفحة فبعض الأسرى لا يملكون بطانية ويفترشون الأرض العارية".
أعاد الاحتلال الأسرى الفلسطينيين إلى نقطة الصفر بعد انتزاع حقوقهم والإنجازات التي ناضلت من أجلها الحركة الأسيرة منذ السبعينيات، إلا أنّ الأسرى يدركون أنّ هذا القمع والتنكيل المرتبط في بنية الاستعمار سوف ينهار كما انهارت مستوطنات غلاف غزة، على الرغم من أنّ الحركة الأسيرة ودّعت 4 شهداء خلال شهر واحد في سجون الاحتلال، فهي ما زالت تؤمن بحتمية النصر والتحرّر.