"إسرائيل" والاتفاق النووي مع إيران: مقاربتان متناقضتان
يتمدّد صدع المواقف داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بشأن تأييد الاتفاق النووي الإيراني أو عدمه.
تحريك عجلة المفاوضات النووية بين الدول الكُبرى وإيران، سُرعان ما أيقظ المخاوف الإسرائيلية من توقيع اتفاق لا يصبّ في مصلحتها، ويُحبط مساعيها لعرقلة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. وفي ضوء التوقيت الإشكالي لـ"إسرائيل"، من الناحية السياسية - الداخلية، تنقلب المخاوف إلى قلق، بحيث يتزامن الحديث عن عودة مياه التفاوض إلى مجاريها مع دخول "إسرائيل" مُجدَّداً في دوامة حملة انتخابية "ستكون قاسية وطويلة"، وأيضاً مع قرب تولّي وزير الخارجية، يائير لابيد، رئاسة حكومة الاحتلال الانتقالية.
وعلى الرغم من حساسية ما تقدَّمَ من الناحية السياسيّة، فإنّ الأكثر إحراجاً بالنسبة ل "إسرائيل"هو تمدّد صدع المواقف داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية بشأن تأييد الاتفاق النووي أو عدمه، إذ تحدثت تقارير وتسريبات متعدّدة عن اتجاهَين متقابلَين. الأول يؤيّد التوصّل إلى اتفاق، بما يحمله من احتمال كبح "اندفاعة إيران نحو القنبلة النووية"، ريثما "يُكمل الجيش الإسرائيلي استعداداته لخيار عسكري جدي". ويتصدّر هذا الاتجاهَ في جيش الاحتلال شعبةُ الاستخبارات العسكرية (أمان)، وشعبة الاستراتيجيا والدائرة الثالثة التي تُعنى بإيران، وهو خيار مدعوم من وزير الأمن بيني غانتس. أمّا الاتجاه الثاني فيرفض الاتفاق، باعتبار أنه يعزز قوّة إيران ونفوذها في المنطقة، كما أنه "ينقذ الاقتصاد الإيراني". وهذا الاتجاه يتقدّمه رئيس الموساد دافيد برنياع، بينما لا يزال التباين حيال موقف رئيس هيئة الأركان العامة، أفيف كوخافي، بين هذَين الاتجاهَين سيّد الموقف.
مقاربة سياسية غير موحَّدة
في ضوء الواقع السياسي المتأزّم، والذي تمرّ به الساحة الداخلية الإسرائيلية، التي تقف على عتبة انتخابات عامة مبكّرة، وتبديل وشيك في رئاسة الحكومة بين رئيسي الحكومة الأصيل والبديل، نفتالي بينيت ويائير لابيد، يحضر بقوة السؤال الداخلي بشأن تأثير هذا الواقع في الموقف الإسرائيلي الرسمي تجاه العودة إلى الاتفاق النووي، وقدرة رئيس الحكومة (لابيد) على تحمّل ضغوط جيش الاحتلال من أجل تعديل موقفه، من رافض للاتفاق إلى مؤيّد له.
هذه التساؤلات تصبح أكثر إحراجاً، في ضوء ما أشار إليه معلّق الشؤون العسكرية في صحيفة "إسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، ومُفاده أنه سيتعيّن على لابيد بلورة موقفه النهائي حيال الاتفاق النووي خلال أيامٍ معدودة، وحتى قبل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة، منتصف الشهر المقبل.
وفي هذا السياق، قدّر ليمور أنّ رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، طالب بالاحتفاظ بالمسؤولية عن ملف إيران في فترة ولاية لابيد، خشية أن يؤثر ضغط الجيش في موقف الأخير، والذي لم يتبلور نهائياً بعدُ. من جهة ثانية، نقل ليمور قلق المؤسستين الأمنية والعسكرية من تأثير الاعتبارات السياسية والشخصية في قرار استراتيجي بحجم "النووي الإيراني"، في ظلّ معركة انتخابية قاسية قد يُضطر لابيد فيها، خلافاً لموقفه الحقيقي، إلى مداهنة "الجمهور الإسرائيلي" الرافض غرائزيّاً للاتفاق.
وفي السياق عينه، أشار معلّق الشؤون العسكرية في موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، إلى أنّ أجواء التوتر داخل المؤسّستين الأمنية والعسكرية ستنعكس ضغوطاً تُمارَس على لابيد، تهدف إلى تغيير السياسة تجاه إيران، مع العلم بأنّ بينيت سيكون الوزير المسؤول عن "القضية الإيرانية" في فترة ولاية لابيد.
بوادر التوتر الإسرائيلي من قرب استئناف مفاوضات فيينا تجلّت، بحسب موقع "يديعوت أحرونوت"، في المُشادّة الحادة بين لابيد ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بشأن زيارة الأخير لطهران، والحديث عن أنّ استئناف المفاوضات جاء بمبادرة من الاتحاد الأوروبي. وأضاف الموقع أنّ لابيد كتب إلى بوريل عن الاتفاق النووي: "هذا خطأ استراتيجي، ويمثل عدم اكتراث لحياة مواطني إسرائيل".
انقسام داخل المؤسّسة الأمنية
في المستويين العسكري والأمني، كانت التباينات والخلافات أكثر حدّة ووضوحاً، وانعكست فيما يشبه السجال بالواسطة بين مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية، المعنية بالمواجهة مع إيران، الأمر الذي دفع وزير أمن الاحتلال، بيني غانتس، إلى التدخّل لتوضيح الموقف، والتحذير من تبعات هذا السجال على موقف "إسرائيل" الرسمي.
وخلافاً للموقف المُعلن، تراكمت أخيراً إشارات الخلاف والتباين بين المسؤولين الرفيعي المستوى في المؤسّستين الأمنية والعسكرية؛ بين من يؤيدون العودة إلى الاتفاق النووي الحالي مع إيران، أو يعارضونها.
ويشير معلّق الشؤون العسكرية في "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، إلى أنّ فجوة المواقف داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية تتوسّع، في ضوء الحديث عن أنّ قائمة مؤيدي العودة إلى الاتفاق - بما هو اتفاق - باتت تضمّ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) أهارون حاليفا، ورئيس لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات، عميت ساعر، ورئيس اللواء الاستراتيجي أورن ستر، ورئيس شعبة الاستراتيجيا والدائرة الثالثة، طال كلمان، الذي هو أيضاً بدّل رأيه أخيراً. وتتلخّص وجهة نظر هؤلاء في أن من الأفضل دعم اتفاق سيّئ، من أجل كسب الوقت، وإعداد خيارات موثوقة للهجوم على إيران، بدلاً من عدم اتفاق على الإطلاق يُقرّب إيران من القنبلة النووية. كما ينقل يهوشع، عن شعبة "أمان"، تقديرها أنّ وزير الأمن غانتس يدرك أيضاً أن الاتفاق هو الخيار الأقل سوءاً بالنسبة إلى "إسرائيل".
في المقابل، يتصدّر جبهةَ الرفض رئيسُ جهاز الموساد، دافيد برنياع، الذي يُعارض العودة إلى "الاتفاق السيِّئ" مع إيران، بحجة أنّه "ينقذ الاقتصاد الإيراني من الانهيار، ويعزّز النفوذ الإيراني في المنطقة".
وبحسب يهوشع، فإن الموساد يعتقد أنّ الكشف عن مواقف مسؤولي "أمان" يهدف إلى التأثير في رئيس الحكومة ، يائير لابيد، كي يدعم الاتفاق. لكن شعبة الاستخبارات تقول - أيضاً بحسب المعلقين - إنّ دعم الاتفاق هو موقف الشعبة منذ تولّي اللواء حاليفا منصبه.
وفي الوقت الذي يتصارع الموساد وشعبة الاستخبارات على موقف رئيس الحكومة ، فإن ثمّة تبايناً في قراءة موقف رئيس الأركان، أفيف كوخافي، ولاسيّما في ضوء الحديث عن أنّه مُغاير لموقف "أمان"، المؤيّد لأصل الاتفاق.
في المقابل، أشار معلّق الشؤون العسكرية في القناة الإسرائيلية "الـ 13"، ألون بن دافيد، إلى أنّ "هناك اجماعاً في المؤسستين الأمنية والعسكرية على أنّ الاتفاق النووي سيّئ ل"إسرائيل"، وأنّ "هذا النقاش الإسرائيلي هو نقاش نظري بحت، بحيث إنه في الأصل لا أحد يسأل إسرائيل عن رأيها في هذا الموضوع، ولاسيّما أن الأطراف المعنية، جميعها، تريد العودة إلى الاتفاق".