أزمة الوقود في فرنسا تتفاقم وشرطة لتنظيم الطوابير!

تعيش فرنسا من شمالها إلى جنوبها على وقع شلل شبه كلّي من جرّاء محطات الوقود المغلقة، والطوابير التي لا نهاية لها، حتى أصبح أفراد الشرطة الفرنسية يشاركون في تنظيم "الطوابير"!

  • شرطية تنظم الطوابير على إحدى المحطات الفرنسية.
    شرطية تنظم الطوابير على إحدى المحطات الفرنسية.

خطوط بمئات الأمتار على محطات البنزين في فرنسا. يقول أحد المنتظرين في "الطابور" الفرنسي الطويل "نحن ننتظر منذ أكثر من ساعة".

قوات الشرطة تتدخل لتنظيم المنتظرين على مداخل محطات البنزين، وتراقب مستوى البنزين في السيارات، وتمنع السيارات غير الفارغة من التزود بالوقود.

تدخلت الشرطة إذاً لتنظيم حركة المرور وتأمين المنطقة، إذ اضطر بعض السائقين لدفع سياراتهم في حالة التوقف بخدمات الطوارئ. فيما أعلنت وزارة انتقال الطاقة ضرورة التزود بـ 30 لتراً فقط من الوقود للأفراد و120 لتراً للشاحنات الكبيرة في عدة محافظات.

ومن المشاهد الطريفة التي تم تداولها على نطاق واسع، مقطع فيديو لمواطنين يحاولون دفع سيارة تابعة للشرطة بعد نفاد الوقود منها.

ما القصة؟

في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، استيقظ الفرنسيون على كابوس إغلاق 3 مصافي لتكرير النفط التي يديرها عملاقا النفط  شركتا "توتال إنيرجي" (Total Energies) و"إيسو إكسون موبيل" (Esso Exxon Mobil) ومنشآت التخزين الخاصة بهما.

تعيش فرنسا من شمالها إلى جنوبها على وقع شلل شبه كلي من جرّاء محطات وقود مغلقة، وطوابير لا نهاية لها، وارتفاع في الأسعار بالإضافة إلى انخفاض في معنويات السائقين. الأمر الذي أجبر الحكومة التي تعرّضت لانتقادات على اتخاذ التدابير اللازمة من أجل إيجاد حل للوضع السائد.

الحكومة الفرنسية قالت الثلاثاء إنها أمرت العاملين في مستودعات الوقود التابعة لمجموعة "إيسو-إكسون موبيل" بالعودة إلى العمل، بعدما تعرضت لانتقادات لاذعة من جراء إضراب تسبب في انخفاض المخزون في ثلث محطات المحروقات في البلاد. وقد حثت رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيث بورن الإدارة والنقابات على الانخراط في مفاوضات بشأن الأجور، مهددة مصافي تكرير أخرى باللجوء إلى تدابير قانونية تسمح لها بـ"حلحلة الوضع".

ويواجه عدد كبير من الفرنسيين أزمة نقص الوقود في محطاتها بسبب إضراب نظمه عمال المصفاة التابعة لشركة "توتال" الفرنسية. وأمام التذمر الكبير، دعا الرئيس إيمانويل ماكرون المواطنين إلى "الهدوء" والتحلي بـ"المسؤولية" من أجل وضع حد للأزمة.

لا للهلع"

هذا ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة حيال أزمة الوقود التي تطال محطات فرنسية عديدة بسبب إضراب عمال مصفاة شركة "توتال" النفطية، داعياً الفرنسيين إلى التحلّي بـ"الهدوء" إزاء هذه المشكلة التي ظهرت في بعض المناطق الفرنسية. كما دعا ماكرون أيضاً عمال مصفاة شركة "توتال" بالتحلي بـ"المسؤولية" برغم "مطالبهم المشروعة المتعلقة برفع الأجور".

وقال ماكرون خلال الندوة الصحافية الختامية لقمة براغ: "أتفهم القلق الذي ينتاب العديد من مواطنينا بخصوص نقص الوقود. أريد من هنا أن أبعث رسائل أدعو فيها إلى الحفاظ على الهدوء والتحلي بالمسؤولية. كل المطالب المتعلقة بالأجور مشروعة لكن لا ينبغي أن تمنع الآخرين من العيش أو من التنقل".

وتسبب الإضراب الذي بدأ منذ عدة أيام بنقص حاد في الوقود في المحطات التابعة لشركة "توتال" النفطية. فعلى سبيل المثال، توقفت مصفاة مدينة لوهافر (شمال غرب فرنسا) والتي تعتبر من بين أكبر مصافي شركة "توتال" عن العمل إثر نداء إلى الإضراب دعت إليه نقابة "الكونفدرالية العامة للعمال" التي تطالب برفع أجور موظفي القطاع. مواقع أخرى في فرنسا وتابعة لنفس الشركة أوقفت عملها ودخلت في إضراب. الشيء ذاته بالنسبة للمصفاة التابعة للشركة الأميركية "إكسون موبيل".

"ننتظر أن تبذلوا جهوداً أكثر"

من جهته، أكّد الوزير المنتدب للمواصلات، كليمون بون، أن "الحكومة في اتصال مع شركة توتال لترتيب وتسهيل الحوار بين المضربين ومسؤولي الشركة". أما أوليفيا غرغوار، الوزيرة المنتدبة والمكلفة بالشركات الصغيرة والمتوسطة فأضافت في تصريح لقناة "فرانس أنفو" الفرنسية أننا (تقصد الحكومة) "ننتظر من الشركات أن تبذل جهوداً باتجاه الموظفين، ولا سيما تلك التي حققت أرباحاً، كما ندعوها إلى الأخذ بعين الاعتبار مطالب العمال والتي تتعلق برفع مستوى الأجور".

لكن أوليفيا غرغوار لم تذكر اسم شركة "توتال" التي حققت 10.6 مليار دولار من الأرباح في السداسي الأول من العام 2022.

ثلث محطات الوقود مشلولة بسبب الإضراب

ولإنهاء الأزمة، قررت الحكومة بشكل استثنائي السماح للشاحنات بالتنقل الجمعة من أجل "تزويد بعض المحطات بالوقود" حسب كليمون بون.

وفيما يتعلق بموظفي شركة "توتال" الفرنسية، فإضافة إلى الإضراب الذي شل مصفاة منطقة نورماندي (شمال غرب فرنسا)، توقف أيضا عمال مستودع الوقود المتواجد في منطقة "فلاندر" قرب مدينة دانكرك الشمالية عن العمل، وكذلك في المصفاة المتواجدة قرب مارسيليا بمنطقة "بوش دي رون" وفي مقاطعة "غران بويه" في منطقة (سان إي مارن). الأمر الذي حال دون خروج كميات كبيرة من الوقود من هذه المستودعات وفق "الكونفدرالية العامة للعمال".

وغالبا ما تتسبب حركات الإضراب هذه في نقص كبير في الوقود على مستوى المحطات المخصصة لذلك. لكن شركة توتال ترى سبباً آخر في ذلك، وهو النجاح الكبير الذي حققته سياسة تخفيض أسعار الوقود بـ20 سنت الذي اعتمدته الشركة منذ بداية شهر سبتمبر/أيلول الماضي بالتزامن مع قرار آخر اتخذته الحكومة والمتعلق بتخفيض سعر لتر الوقود بـ30 سنت. كل هذه المساعدات قد تكون ربما ساهمت في أزمة الوقود في اعتقاد شركة "توتال".

وتدير شركة "توتال" حوالي ثلث محطات الوقود المتواجدة في فرنسا، فيما تعاني حوالي 15% من المحطات من نقص في الوقود بمختلف أنواعه، وفق التقديرات.

وفي خطوة لتهدئة الوضع وتخفيفه، قررت الحكومة استخدام ما يسمى  بـ"المخزون الاستراتيجي" التابع للدولة في بعض المناطق التي تعاني أكثر من نقص مادة الوقود.

ويأسف العديد من سائقي السيارات وبعض المهن لهذا الوضع، مثل الممرضين الذين يزورون المرضى في منازلهم ويخشون تعذر قيامهم بعملهم بسبب الوضع، ما يعرض صحة المرضى للخطر.

واتهمت المعارضة بما فيها اليمين واليمين المتطرف الحكومة منتقدة "عدم الاستعداد" و"الاستخفاف"، في حين استنكرت الأوساط اليسارية "تهديدات الموظفين، ومسايرة أصحاب العمل".

يأتي هذا تشهد البلاد منذ أسابيع عدة إضرابات في مصافي التكرير ومستودعات الوقود بدعوة من النقابات العمالية التي تطالب بزيادة في الأجور.

اخترنا لك