أزمة الطاقة في فرنسا: هل ستنقطع الكهرباء هذا الشتاء؟
الحكومة الفرنسية تحاول مواجهة أزمة الطاقة بخطة مزدوجة تقرن بين دعم الأسر وتقنين استهلاك الكهرباء، وباتت مجبرة على العودة إلى الاعتماد على المفاعلات النووية لتوفير جزء من الطاقة، وتفادي أزمة إمدادات.
سترتفع أسعار رسوم الغاز والكهرباء الخاضعة للتنظيم بنسبة 10% على الأقل في عام 2023 في فرنسا، وفقاً لتوقعات الحكومة، ما سيحدث اضطراباً حقيقياً في فاتورة الفرنسيين الذين يئنّون أساساً تحت وطأة تضخم غير مسبوق، وباتوا على شفير أزمة قاسية.
هل ستنقطع الكهرباء في فرنسا هذا الشتاء؟ سلمت شركة تشغيل نظام نقل الكهرباء، بشكل خاص، التوقعات المنتظرة للفترة من 15 تشرين الأول/أكتوبر إلى 15 نيسان/أبريل 2023، وتفيد بالخطر على أمن الإمداد الذي سيظهر في الخريف في سياق غير مسبوق ويتميز بالذعر بشأن أسعار الطاقة، والتوترات بشأن إمدادات الغاز المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، وعدم توفر الأسطول النووي بشكل آمن.
ومع ذلك، فالمسؤولون يؤكدون أن تنفيذ تدابير الاعتدال و"التعبئة العامة" في حال حدوث توتر شديد على الشبكة، قد يجنب الوصول إلى هذه النقطة.
الحكومة الفرنسية تحاول مواجهة الأزمة بخطة مزدوجة تقرن بين دعم الأسر وتقنين استهلاك الكهرباء، وباتت مجبرة على العودة إلى الاعتماد على المفاعلات النووية لتوفير جزء من الطاقة، وتفادي أزمة إمدادات، سواء للسكان أو للقطاعات المنتجة.
هل عودة جميع المفاعلات النووية الفرنسية إلى الخدمة هذا الشتاء هدف واقعي؟
وزيرة انتقال الطاقة، أنياس بانيه روشنار، أوضحت أن شركة الكهرباء الوطنية تعهدت بإعادة تشغيل جميع المفاعلات الـ 32 التي تم إغلاقها حالياً لموسم الشتاء. أما بالنسبة إلى متخصصي الطاقة النووية، فسيكون من الصعب الحفاظ على هذا الجدول الزمني.
في نهاية اجتماع مجلس الدفاع عن الطاقة، برئاسة إيمانويل ماكرون، أشارت روناتشر إلى المعضلة الحالية: " المفاعل الـ 32 مغلقة حالياً" من إجمالي 56 مفاعل، أي أكثر من النصف من الأسطول النووي الفرنسي. وأمام هذا السجل التاريخي من عدم التوفر، أصدرت الوزيرة مرسوماً "بالتعبئة العامة". لكن، هل هذا الهدف قابل للتحقيق؟
بداية، يتعين فك شفرة ما تعنيه الوزيرة عندما أعلنت عن الاستعداد لتشغيل جميع المفاعلات النووية، بحسب ما يحذر نيكولاس غولدبيرغ، خبير الطاقة في "كولومبوس" للاستشارات. فإعادة التشغيل لهذا الشتاء، لا تعني أنها ستعمل جميعها في الوقت نفسه.
الجدول الزمني لإعادة تشغيل مواقع النووي المغلقة حالياً، ينص على أنه من بين 33 مفاعل غير متوفرة في 7 أيلول/سبتمبر، ستتم إعادة تشغيل 9 بحلول 1 تشرين الأول/ أكتوبر، وهو التاريخ الذي يوافق بداية "شتاء الطاقة"، وهي فترة يزداد فيها استهلاك الكهرباء للتدفئة، كما يوضح نيكولاس غولدبيرغ. وقد تم توزيع المفاعلات الأربعة والعشرين الأخرى حتى 18 شباط/فبراير.
عمليات الصيانة قد تستغرق وقتاً أطول
ولكن، حتى نهاية فصل الشتاء، "يبدو أن هدف إعادة التشغيل غير واقعي في الولاية"، كما يقول إيف مارينياك. إذ يحذر المختص بالطاقة من أن مواعيد إعادة تشغيل المفاعلات التي أعلن عنها هي تواريخ إرشادية فقط وتخضع لـ "خطر حقيقي".
"في حال إيقاف الصيانة، قد يؤدي ظهور حالات شاذة محتملة في أثناء عمليات الفحص المجدولة إلى تأخير في التذكيرات مقارنة بالجدول الزمني المحدد"، ويؤكد الخبير النووي: "على مدى 10 سنوات، لاحظنا زيادة في هذه التأخيرات المرتبطة بتقادم محطات الطاقة، الأمر الذي يزيد من صعوبة تنفيذ العمليات ضمن الأطر الزمنية المطلوبة".
ومع ذلك، وفقاً لجوليان كوليت، نائب المدير العام لهيئة الأمان النووي (ASN)، فإن عام 2022 هو "عام استثنائي" من حيث مواقع الصيانة. من بين المفاعلات الثلاثين التي تم إغلاقها حالياً، "يجب إصلاح عشرات المفاعلات بعد حدوث مشكلة تأكل". التأكل الناتج عن الإجهاد يؤثر بشكل خاص في أنابيب "دائرة حقن الأمان"، وهي جهاز وقائي مسؤول عن "التبريد الطارئ للمفاعل" في حال حدوث خرق في دائرة التبريد الخاصة به.
التقنين خيار قائم
إذا لم تكن كل هذه الإجراءات كافية، فإن التخلص من الأعباء سيكون الملاذ الأخير، وهو ما تسعى الحكومة إلى تجنبه بكل الوسائل. التخفيضات ستكون فقط في أوقات الذروة، وبحدّ أقصى يبلغ ساعتين، ولن تشمل كل فرنسا بل قلة من السكان.
سيتخذ مشغل النظام قرار المضي قدماً في حالات الانقطاع هذه وفقاً لمعايير مختلفة ما يجعل من الممكن تحقيق التوازن بين العرض والطلب. كما تم استثناء جميع المؤسسات والأماكن الحساسة، مثل المستشفيات أو العيادات أو مراكز الإطفاء أو الدرك، على سبيل المثال، من هذه الإجراءات، والتي تم تحديدها من قبل مسؤولي المناطق. أما الدعوات إلى تحمل المسؤولية والرصانة في استهلاك الطاقة من قبل عامة المواطنين كإجراء ربما لن يكون الالتزام به فعالاً كما ترغب السلطات.