كيف يلوّث البلاستيك أجسامنا؟
بينما يُعتقد أن أجسامنا تزيل بعض الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تتراكم بداخلنا، تشير الأبحاث الحديثة إلى أنه من الممكن أن تمر المواد البلاستيكية الدقيقة من مجرى الهواء أو الأمعاء إلى الدم وإلى أعضائنا.
ينظر غالبيتنا إلى التلوث البلاستيكي على أنه مشكلات بيئية، كوننا نستحضر على سبيل المثال، صور السلاحف التي تلفّها الأكياس أو أكوام من الزجاجات البلاستيكية في مكب النفايات.
ولكن الدراسات العديدة تضيف أدلة جديدة على أن النفايات البلاستيكية يمكن أن تصبح مشكلة صحية أيضاً.
وتكمن المشكلة في البلاستيك لأنه يتحلل إلى جزيئات صغيرة، ما يسمى بالبلاستيك الدقيق، والتي يبلغ طولها 5 ملليمتر (حجم حبة العدس)، أو أقل.
وهذه الجزيئات الصغيرة موجودة في كل مكان: فهي تنتج من تفتت الأكياس البلاستيكية والزجاجات، وتآكل نعال أحذيتنا أثناء المشي، وإطارات سياراتنا أثناء القيادة.
وحتى وضع حمولة من الغسيل يولّد مئات الآلاف من ألياف البلاستيك الدقيقة (من الأقمشة مثل النايلون والأكريليك والبوليستر).
وعلاوة على ذلك، فإن ارتداء قناع الوجه قد يزيد من تعرّضنا لهذه المواد، كما يقول أليكس ماكغوران، باحث البلاستيك الدقيق في رويال هولواي، من جامعة لندن ومتحف التاريخ الطبيعي.
ومن المحتمل أن تُلقي أقنعة الوجه التي تستخدم مرة واحدة أليافاً بلاستيكية دقيقة في الهواء المحيط بنا. لكن الفائدة التي نحققها من ارتدائها ربما تفوق سلبيات استنشاق الألياف الدقيقة المحتملة.
وهذه الجسيمات الصغيرة موجودة في الماء والغذاء وعلى الأسطح التي نلمسها.
وبينما يُعتقد أن أجسامنا تزيل بعض الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تتراكم بداخلنا، وفقاً لمراجعة عام 2018 من قبل كينغز كوليدج لندن، تشير الأبحاث الحديثة إلى أنه من الممكن أن تمر المواد البلاستيكية الدقيقة من مجرى الهواء أو الأمعاء إلى الدم وإلى أعضائنا. ومن الناحية النظرية، يمكن أن يتسبب البلاستيك بعد ذلك في حدوث التهاب ضار أو تسرب مواد كيميائية ضارة.
وفي واحدة من أحدث الدراسات، وجد العلماء الإيطاليون لأول مرة جزيئات بلاستيكية دقيقة في المشيمة البشرية، ما قد يؤثر على صحة الجنين ونموه.
وهذه النتائج قادت الباحثين إلى اقتراح أن النساء يلدن "أطفال سايبورغ"، وحذّر الخبراء البريطانيون من أنه بينما لا نعرف التأثير الدقيق الذي يمكن أن يحدثه هذا البلاستيك، فإن حقيقة ذلك الوصول إلى المشيمة أقل من مطمئنة.
وتوفر الوجبات الغذائية 52 ألفاً أو نحو ذلك من هذه الجسيمات سنوياً، وفقاً لمجلة Environmental Science & Technology في عام 2019.
ما هي عواقب تراكم الجزيئات البلاستيكية في أجسامنا؟
في دراسة أجراها المركز الطبي الجامعي في أوتريخت عام 2019، أراد العلماء التحقيق في كيفية تعامل الخلايا المناعية البشرية مع اللدائن الدقيقة. ووضعوا الخلايا في طبق بتري فيه جسيمات بلاستيكية دقيقة ووجدوا أنه بينما تتعرف خلايانا المناعية على جزيئات البلاستيك وتبتلعها، فإنها ماتت نتيجة لذلك.
ويمكن ربط موت الخلايا هذا بالتهاب قد يكون ضاراً. وما يزال البحث مستمراً لمعرفة ما إذا كان هذا يحدث في الحيوانات والبشر.
وفي الوقت نفسه، هناك مخاوف من أن بعض اللدائن الدقيقة صغيرة بما يكفي لتدخل مجرى الدم والأعضاء.
وقال الباحثون إن البلاستيك الموجود في الأمعاء يمكن أن يؤثر على الاستجابة المناعية للجهاز الهضمي أو يساعد في نقل المواد الكيميائية ومسببات الأمراض، مضيفين أن هذا قد يكون له آثار على "المرضى الذين يعانون من أمراض الجهاز الهضمي".
وفي دراسة إيطالية حديثة، تم اكتشاف 12 قطعة بلاستيكية في أربع مشيمات تم التبرع بها بعد الولادة. ووقع التعرف على ثلاث من هذه القطع على أنها مادة البولي بروبيلين، بينما ظهرت القطع الأخرى على أنها جزيئات بلاستيكية من “الطلاءات والدهانات والمواد اللاصقة والجص ومستحضرات التجميل من صنع الإنسان”.
ولم يتم تقديم أي تفاصيل عن صحة الأطفال، لكن تشارلز كينغزلاند، أستاذ الطب التناسلي في جامعة إيدج هيل في لانكشاير، يقول إن المواد البلاستيكية الدقيقة يمكن أن "تسمم الطفل" أو تقلل من إمداد الأوكسيجين، ما يؤدي إلى موت بعض الأطفال أو نقص الوزن.
ويقول: "يجب أن نكون أكثر وعياً بالضرر المحتمل الذي نحدثه، ليس فقط على البيئة، ولكن أيضاً على صحة الإنسان وصحة الأطفال الذين لم يولدوا بعد".
وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها خبراء بريطانيون مخاوف بشأن تأثير اللدائن الدقيقة.
وفي تقرير صدر عام 2019، حللت الجمعية الملكية دراسات من العقد الماضي وحددت ثلاث طرق قد تؤثر بها اللدائن الدقيقة على صحة الحيوان، وكذلك على صحة الإنسان.
الأولى في القناة الهضمية، حيث أن هناك مخاوف من أن اللدائن الدقيقة يمكن أن تعطل الميكروبيوم، وقد تلحق أضراراً محتملة بخلايا الأمعاء، "وربما تزيد من خطر الإصابة بالسرطان".
والثانية هي الضرر الناجم عن المواد الكيميائية المستخدمة في صناعة البلاستيك. على سبيل المثال، يمكن أن يتداخل بيسفينول أ، الموجود في البطانات البلاستيكية لعلب الصفيح، مع الهرمونات وقد تم ربطه بأمراض عدة، بما في ذلك انخفاض الخصوبة، ومشاكل نمو الدماغ والعظام والسرطان.
وأخيراً، هناك مخاوف من أن المواد البلاستيكية الدقيقة ربما تحمل مواد كيميائية سامة أخرى إلى الجسم. وهذا لأنه بمجرد دخولها الماء، فإنها تعمل كمغناطيس للمبيدات الحشرية والمواد السامة الأخرى وتصبح مغلفة بها. ويحذّر التقرير من أن البكتيريا الضارة قد تتعطل أيضاً بهذه الطريقة.
وفي حين أنه لا يمكن إقامة صلة قاطعة بالمخاطر على صحة الإنسان حتى الآن، فمن المنطقي اتخاذ خطوات للحدّ من التلوث البلاستيكي. على سبيل المثال، إرتداء أقنعة قابلة لإعادة الاستخدام بدلاً من الأقنعة التي تستخدم مرة واحدة، وشرب مياه الصنبور بدلاً من المياه المعبأة في زجاجات، ووضع الملابس في أكياس خاصة تلتقط الألياف البلاستيكية المنتجة أثناء الغسيل.