فرنسا: ماذا تضمّن مشروع الحكومة لإصلاح نظام التقاعد المثير للجدل؟
رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيث بورن تكشف عن مشروع إصلاح التقاعد بالرغم من معارضة النقابات والمعارضة السياسية.
بعد شهور طويلة من المشاورات، كشفت رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيث بورن أخيراً عن مشروع إصلاح التقاعد الذي صاغته الحكومة، خلال مؤتمر صحافي في باريس. وتحت عنوان "مشروع العدالة والتوازن والتقدم" تريد بورن التصديق على المشروع بالرغم من معارضة النقابات والمعارضة السياسية.
وبعد أكثر من 3 سنوات بقليل من تقديم مشروع الإصلاح المنهجي السابق من قبل إدوارد فيليب، والذي تمّ التخلّي عنه في أعقاب انفجار جائحة "كوفيد-19"، فإنّ السلطة التنفيذية تعود إلى هذا الملف المتفجر: السن القانوني، والمعاشات التقاعدية، والوظائف الطويلة، والأنظمة الخاصة، والمؤشرات العليا.
رفع السن القانوني إلى 64 بحلول عام 2030
وسيتم بالفعل تجاوز "الخط الأحمر" الذي يُخيف النقابات: يقترح المشروع رفع سن التقاعد القانوني تدريجياً اعتباراً من 1 أيلول/سبتمبر 2023، "بمعدل 3 أشهر في السنة".
اليوم، الذي تم تحديده على 62 عاماً، سيصل إلى 63 عاماً و3 أشهر بحلول منتصف عام 2027، و 64 عاماً في عام 2030، وليست 65 عاماً التي أرادها إيمانويل ماكرون في البداية.
وأشارت إليزابيث بورن إلى أنّ هذه "لم تكن أبداً نهاية في حد ذاتها"، حيث قدّمت هذا التحول على أنّه نتيجة "أسابيع من الحوار". وقالت: "إنني ممتنة لجميع الشركاء الاجتماعيين وللقوى السياسية المختلفة، حتى أولئك الذين يعارضون أي إصلاح، لمساهمتهم في هذه الممارسة الجماعية".
مدة المساهمات: تسريع إصلاح "تورين" لعام 2014
وبعد السن القانوني، لن تعدّل الحكومة فترة المساهمة اللازمة للتقاعد بمعدل كامل: تظل ثابتة عند 172 ربعاً، أو 43 سنوياً، على النحو المنصوص عليه في قانون تورين لعام 2014. ومع ذلك، إذا كان هذا النص مخططاً لـزيادة هذه المدة تدريجياً بحلول عام 2035، تقترح خطة الحكومة المضي بشكل أسرع، "في عام 2027، بمعدل ربع إضافي في السنة". وهكذا، فإنّ الأشخاص الذين ولدوا في عام 1968 وما بعده سيغادرون في سن 64، باستثناء المغادرة المبكرة.
وبالإضافة إلى ذلك، أشار الوزير ستانيسلاس غيريني إلى أنّ تأجيل السن القانوني للمغادرة وكذلك تسريع تمديد فترة الاشتراك "سيتم تحويله بطريقة مطابقة تماماً للنظام المطبّق على موظفي الخدمة المدنية".
نهاية الوجبات الغذائية الخاصة "الرئيسية"
موضوع حسّاس للغاية، سيتم إعادة تصميم أنظمة المعاشات التقاعدية الخاصة التي يتمتع بها العديد من المهنيين في مشروع الحكومة. "لم يعد لها ما يبررها في نظر الفرنسيين"، وأعمار التقاعد التي يسمحون بها "لم تعد تتكيّف مع واقع هذه المهن"، كما يوضح المسؤول التنفيذي.
المخططات المعنية هي تلك الخاصة بـقطاع النقل "RATP"، وموظفي صناعات الكهرباء والغاز، وموظفي بنك فرنسا، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بالإضافة إلى الكتبة وموظفي الموثقين. في هذه المجالات المختلفة، يتم تطبيق "شرط الحداثة": وبالتالي فإنّ الوافدين الجدد اعتباراً من 1 أيلول/سبتمبر 2023 سينضمّون إلى نظام المعاشات التقاعدية العام.
وبالإضافة إلى ذلك، بالنسبة للأشخاص الموجودين بالفعل في مناصبهم، فإنّ "التحوّل التدريجي لمدة عامين في السن القانونية وتسريع إصلاح تورين سيطبق على الموظفين الحاليين في المخططات الخاصة ولكن مع مراعاة خصوصياتهم"، بحسب ما تحدّد الحكومة.
المعاشات: زيادة في الحد الأدنى إلى 1200 يورو
ووفقاً لما وعد به إيمانويل ماكرون، فإنّ الحدّ الأدنى للمعاش التقاعدي سيرتفع بمقدار 100 يورو شهرياً. وبالنسبة للمتقاعدين المستقبليين اعتباراً من 1 أيلول/سبتمبر، فإنّ الموظف الذي يتقاضى راتبه بالحد الأدنى للأجور طوال حياته المهنية سيحصل بالتالي على 85% من الحد الأدنى للأجور، أو أقل بقليل من 1200 يورو شهرياً.
يهتم هذا الإجراء بالمزارعين والموظفين والتجار الحرفيين، وسيتم ربط الحد الأدنى للمعاش التقاعدي من النظام العام اعتباراً من المخطط بالحد الأدنى للأجور وليس التضخم.
وبالنسبة للأشخاص المتقاعدين بالفعل، تريد الحكومة الذهاب إلى أبعد من ذلك، من خلال رفع المعاشات التقاعدية الصغيرة إلى مستوى الحد الأدنى للأجور.
وقالت إليزابيث بورن: "بفضل هذا الإجراء، سيتم زيادة ما يقرب من مليوني معاش تقاعدي صغير". ومع ذلك، سيتم تحديد هذا الإجراء، المطلوب من قبل العديد من الجهات الفاعلة، بما في ذلك الجمهورية والمنظمات النقابية مثل "CPME" أو "CFDT"، في الأيام المقبلة.
التقاعد المبكر: "تعزيز" النظام للمهن الطويلة
وإذا كان من الممكن دائماً المغادرة مبكراً للأشخاص الذين بدأوا العمل في سن مبكرة، فإنّ الأعمار تتغير مع الإصلاح. وبالتالي، فإنّ الأشخاص الذين يمكنهم تبرير ظروف النظام الوظيفي الطويل - 22% من حالات التقاعد في عام 2020 - سيتمكنون من المغادرة قبل عامين من السن القانوني، أي عند سن 62 عاماً.
في الوقت نفسه، يمكن للأشخاص الذين لديهم وظائف "طويلة جداً" المغادرة في سن الـ60، ويمكن لأولئك الذين بدأوا قبل سن 16 عاماً المغادرة "من سن الـ58"، إذا كانت لديهم فترة المساهمة المطلوبة، بالإضافة إلى عام واحد.
وبالإضافة إلى ذلك، سيتمكّن العمال الذين يستفيدون من معاش العجز أو من التقاعد بسبب العجز، من التقاعد قبل عامين من السن القانوني، عند 62، بالمعدّل الكامل. وبالمثل، فإنّ الأشخاص الذين تعرّضوا لحوادث في العمل أو مرض مهني أدى إلى إعاقة بنسبة 10% على الأقل قد يغادرون أيضاً في سن 62، "إذا كانت هذه الإعاقة مرتبطة بالتعرض لعوامل المشقة".
وأخيرًا، سيتمكن العمال المعوقون من التقاعد من سن 55، إذا ساهموا بعدد معين من أوقات العمل، وسيتمكن العمال المعرضون لـ"الأسبستوس" من التوقف عن العمل في سن الـ50.
توظيف كبار السن: نحو "مؤشر"
ومن بين النقاط الرئيسية، ترغب السلطة التنفيذية أيضاً في العمل من أجل توظيف كبار السن. أوّلاً، سيتم نشر "مؤشر كبير" لجميع الشركات التي تضم أكثر من 1000 موظف اعتباراً من هذا العام و 300 موظف اعتباراً من عام 2024.
وسيمكن من "الترويج للممارسات الجيدة واستنكار الممارسات السيئة"، وسيؤدي نقص النشر إلى ما يعادل "عقوبة".
وبالإضافة إلى ذلك، تريد السلطة التنفيذية جعل نظام التقاعد التدريجي أكثر مرونة، وتوسيعه ليشمل الخدمة العامة وكذلك العاملين لحسابهم الخاص.
وصرّحت إليزابيث بورن: "سنسمح بذلك لأولئك الذين يرغبون في العمل بدوام جزئي، قبل عامين من سن التقاعد القانوني، بتصفية جزء من تقاعدهم"، مضيفةً أنّها تريد أيضاً العمل على تراكم العمالة والتقاعد.
"حوار مفيد" مع النقابات والأحزاب
ومن بداية محاولة لإصلاح نظام المعاشات التقاعدية في عام 2018، أكّدت إليزابيث بورن أنّها "استخلصت العواقب". هذه المرة، أصرت رئيسة الوزراء أكثر من أي وقت مضى على "التشاور المكثف" و"الحوار المفيد" الذي جرى في الأشهر الأخيرة.
وأكّدت: "أنا على يقين من أنّ التبادل، حتى في حالة الخلاف حول نقاط مهمة، يجعلنا نتقدم بشكل جماعي"، بينما تظل معارضة النص، في هذه المرحلة، غالبة.
وللدفاع عن إصلاح "عادل"، شدّدت رئيسة الحكومة أيضاً على أنّ "ترك العجز يتراكم سيكون غير مسؤول"، وأنّ "تفاقمها أكثر من خلال الدعوة إلى تدابير ديماغوجية، مثل تخفيض سن التقاعد إلى التقاعد سيكون أكثر".
النص المتوقع في البرلمان في شباط/فبراير
وترغب إليزابيث بورن في التحرك بسرعة، لكنها تسعى جاهدة حتى لا تغلق الحوار. سيتم تقديم النص إلى مجلس الوزراء في 23 كانون الثاني/يناير، والذي سيتم دمجه في مشروع قانون معدل لتمويل الضمان الاجتماعي، وسيُعرض على أعضاء البرلمان بحلول شهر شباط/فبراير لتنفيذه اعتباراً من 1 أيلول/سبتمبر.
"نحن منفتحون على النقاش"، كما تصر رئيسة الوزراء، مشيرةً خلال خطابها إلى ثمار مفاوضاتها مع حزب الجمهوريين: "هذا العرض ليس نقطة نهاية. نحن على استعداد لمواصلة تطوير مشروعنا، قبل الدعوة إلى "نقاش برلماني مخلص وبناء".