أزمة انهيارات البنوك الأخيرة تطرح انتقادات جوهرية لطريقة عملها
أثارت أزمات البنوك الكبرى المتتالية، وما تطلّبته من تدخلات حكومية، موجة عالمية من الانتقادات والتساؤلات التي وُجِّهت إلى طريقة عمل هذه البنوك وما تطرحه من مخاطر على الاقتصاد.
واجه كلٌ من المصرف السويسري العملاق "كريدي سويس" والبنك الأميركي "سيليكون فالي" انتقادات شديدة لسوء إدارتهما، باعتباره عاملاً فاقم مشكلاتهما التي تسببت في الانهيارات الكبيرة الأخيرة.
وأثار الانهيار الأخير للمصرفين هلعاً في أوساط قطاع المصارف والأسواق المالية، ومخاوف من أن تنعكس التبعات على الاقتصاد العالمي في وقت يعاني من تضخم حاد وتباطؤ في النمو.
مخاوف في مُختلف الاتجاهات
أقرّ رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، أول أمس، بمخاطر ما أسماه "تشديد شروط الإقراض للأسر والشركات"، في وقت رفع البنك المركزي الأميركي معدلات الفائدة بفارق كبير بهدف التصدي للتضخم، ما تسبب بتباطؤ الاقتصاد.
وأشار باول، بعد أسبوعين فقط على أولى الاضطرابات التي هزّت قطاع البنوك، بأنّ ذلك قد يُلقي بثقله على الطلب وسوق العمل والتضخم.
وحذّرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، أول أمس، من "مخاطر تراجعٍ جديدة، في ظل اقتصاد هشّ بالأساس".
وشدّدت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، في مذكرة الأربعاء الماضي، على مخاطر ألّا يتمكن "القادة" من وقف الاضطرابات الحالية، من غير أن تكون لها انعكاسات دائمة، كما أشارت إلى أنّه يمكن أن تكون هذه الانعكاسات بالغة على القطاع المصرفي، وأبعد منه.
اقرأ أيضاً: بنوك أميركية تطالب الحكومة بحماية الودائع
وقال زولت دارفاس، الخبير الاقتصادي في معهد "بروغل" في بروكسل والباحث سابقاً في البنك المركزي المجري، متحدثاً لوكالة فرانس برس: "إنّ الثقة في القطاع المصرفي بمجمله لم تهتز، موضحاً أنّه لا يرى مخاطر كبرى".
في حين جاء تسخير السلطات لوسائل كبرى فور ظهور بوادر المشاكل المصرفية، ليثير جدلاً كبيراً في مثل هذا النوع من التدخلات، فالإدارة الأميركية أعطت ضمانات ضمنية لجميع المودعين في المصارف، فيما وفرت الحكومة السويسرية عدة ضمانات لمصرف "يو بي إس" من أجل الاستحواذ على "كريدي سويس" بهدف "إنقاذ" الأموال.
وإن لم يكن هذا التدخل بمثابة إنقاذ، فقد أثار تساؤلاتٍ مهمّة وجوهرية، وحرّك نقاشاً حول طريقة عمل البنوك وطبيعة علاقاتها بالحكومات.
وقال إريك دور، مدير الدراسات الاقتصادية في معهد التجارة "IESEG" الفرنسي: "إنّ المطالبة بتدخل السلطات العامة تتزايد بفعل المخاوف من أن تتحول أزمة مصرفية جديدة إلى أزمة اقتصادية".
ويطرح هذا أيضاً سؤالاً أوسع نطاقاً حول شرعية تدابير الدعم العام، في حين أنّ الأزمات المصرفية غالباً ما تكون ناجمة عن "مشكلاتٍ إدارية".
تساؤلات جدية حول "الحاجة إلى المصارف"، ومستقبلها
كان قد تحدّث محللون في "جيه.بي مورجان"، أمس الخميس، بأنّ البنوك الأميركية "الأضعف" خسرت على الأرجح ما إجماله تريليون دولار تقريباً من الودائع منذ العام الماضي، مؤكدين أنّ نصف التدفقات الخارجة حدثت في آذار/مارس بعد انهيار بنك "سيليكون فالي".
انتقلت موجة الذعر التي صنعتها انهيارات المصارف الأميركية، وإفلاس المؤسسات المالية العملاقة في أوروبا، إلى المحللين والمختصين الذين ناقشوا بدورهم عمق الإشكالات التي أفرزتها سلسلة الانهيارات المالية المدويّة.
قال الباحث في معهد "بيترسون" للدراسات في واشنطن، نيكولا فيرون: "بودنا لو لم تكن لدينا مصارف، تلك الهيئات المملة، والتي تنطوي على مفارقة، فهي ليست مؤسسات عامة فعلياً، ولا شركات خاصة حقاً".
وأضاف فيرون: "الواقع أننا لم نجد نظاماً أفضل، ما زلنا في مساحة وسطية، بين تأميم النظام المصرفي ونظام لا يحظى بأي ضمانة من الدولة، نعرف بيقين أنّه يقود إلى انعدام استقرار مدمر تماماً على المستوى الاجتماعي".
وأثارت هذه التساؤلات دعوات كثيرة في الأيام الماضية من أجل تشديد الضوابط على المصارف، سواء من جيروم باول أو جوزف ستيغليتز، وهو الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، أو حتى المعلق النافذ في صحيفة "فايننشال تايمز"، مارتن وولف، الذي دعا إلى اعتبار المصارف بمثابة "خدمات عامة".
وصرّح وولف في مدونةٍ صوتيةٍ للصحيفة قائلاً بخصوص المصارف: "إذا نظرنا إليها بهذه الصورة، فلا حاجة عندها لأن تكون مربحة جداً، عليها أن تعتمد رسملة تسمح لها بالاستمرار في المراحل الصعبة، لأن هذا أفضل ما يمكن أن تقوم به".
ويدور جدل مواز حول احتمال الاحتفاظ بأموال المودعين من أسر وشركات مباشرة لدى المصارف المركزية الحكومية، لغرض تأمينها، وعندها لا يعود بإمكان المصارف الوصول إلى ودائع الأفراد والشركات، ما يبدد مخاطر هرع المودعين لسحب أموالهم كما حصل في الأزمة الأخيرة.
وطلب "ائتلاف البنوك المتوسطة الحجم في أميركا" (MBCA)، قبل أيام، من الهيئة الناظمة الفيدرالية للمصارف الأميركية، "ضمان جميع ودائع عملائهم لمدة عامين".