الأم أغنيس: لـ "الميادين نت: هذا سرّ أيقونة قداسة البابا..وأسوار دمشق ستنتصر على الهمجية (2)

الجزء الثاني من المقابلة مع الأم أغنيس مريم الصليب تسلّط الضوء على موضوع الهجوم على معلولا ، والسابقة التي شهدها قداس الفاتيكان حول سورية، فضلا عن وضع المسيحيين في المنطقة، بعدما عرضت في الجزء الأول لعدة نقاط وعلامات استفهام حول ما يتعلّق بهجوم "الغوطة".

الأم أغنيس تحدّثت في الجزء الأول من المقابلة مع "الميادين نت عن علامات استفهام كثيرة حول هجوم "الغوطة"

بعد استعراضنا في الجزء الأول للجهود التي بذلتها الأم أغنيس مريم الصليب  في ما يتعلّق بهجوم "الغوطة" والإضاءة على عدة نقاط وعلامات استفهام هامة قد تبدّل مجرى الأحداث، يتناول الجزء الثاني والأخير من هذه المقابلة موضوع الهجوم على بلدة معلولا السورية، وقدّاس البابا الذي شكّل سابقة منذ عام 1930 ووضع المسيحيين في سورية والمنطقة.

 تصف الأم أغنيس مريم الصليب رئيسة دير مار يعقوب في قارة، ورئيسة الهيئة الدولية لدعم المصالحة في سورية، ما يحصل بأنه "يتخطى حدود الإنسانية من قتل الناس والتشنيع بهم وقتل وخطف العلماء ورجال الدين والمطارنة. قُتل رجل دين وعلّقت جثته في حلب على باب الجامع، هذا تخطٍّ متعمّد لكلّ الخطوط الحمراء، حيث دخلنا في شريعة الغاب".

كفوّا أياديكم عن سورية

 وفيما يتعلّق بما يجري في بلدة معلولا التاريخية، تقول الأم أغنيس إن الأهالي هناك عبارة عن "نسيج طيّب متعايش مع مكونات الشعب السوري الذي يرفع الرأس، وإذا كان المشرق لا يتحمّل التعددية، فنحن بذلك نكون قد عدنا إلى أيام الجاهلية السوداء".

 وتضيف: "إن المسؤول عن المسلحين في فندق "السفير" المطلّ على بلدة معلولا  كان معروفاً طيلة الفترة الماضية، وهو من البلدة نفسها، ويمكن القول إنه كان هنالك شبه اتفاق ضمنيّ على تحييد البلدة، ولم يكن هنالك تواجد للجيش ولموظفي الدوائر الحكومية فيها، أي أننا كنا تقريباً في حالة توازن قائم. ما الذي حصل ليغيّر هذا الواقع؟ البعض أشار إلى أنّ ما جرى في الغوطة وصدّقه المسلّحون جعلهم ينتقمون في معلولا! لكنّ الأخطر من ذلك هو وجود المسلّحين الأجانب المرتزقة الدخلاء الذين يحملون أجندة خارجية. دخلوا المنازل الآمنة وتصرفوا بطريقة غير لائقة وتخطّوا الأعراف وقاموا باستعراض طائفي، وفرضوا الإسلام على البعض الذي قبل مكرهاً، وقتلوا أربعة أشخاص رفضوا ذلك، وهؤلاء أجابوا بأنهم على دين المسيح وهو لا يخالف الدين الإسلامي، ومع ذلك قتلوهم. هذا فضلا عن انتهاك الكنائس والصلبان وهي رمز العطاء. وبرأيي فإن هذا ليس تصرّفاً عفوياً، بل هو مخطط لزرع الفتن المذهبية. معلولا عالمية وفيها تراث عالمي وعلى الدول أن تتحرك لأن هؤلاء سيرتدون عليهم، فإذا كان للجيش الحرّ قيادة يمكنها أن تذهب الى محادثات ومفاوضات، فهؤلاء المسلحون لا وجه لهم، كما يقول البطريرك بشارة الراعي، لا يُعرف لمن ينتمون وما هي اتجاهاتهم، وماذا يفعلون في سورية. مسؤولية كلّ ذلك تقع على الدول الغربية التي يجب أن تطالب بكفّ اليد عن سورية، وأن تكفّ هي عن التدخل في شؤون سورية".

 

الأم أغنيس: معلولا عالمية وفيها تراث عالمي

المسيحي لأخيه المسلم والمسلم لأخيه المسيحي..ولكن ماذا فعلتم يا "أميركان"؟

خطف المطرانين هدفة تحجيم المجتمع وتفريغه

الأم أغنيس ترى أن "خطف المطرانين بولس اليازجي ويوحنا إبراهيم والاعتداء على الأماكن الدينية والأضرحة وقتل رجال الدين، ضوءاً أخضراً للعصابات لتحجيم المجتمع وتفريغه. كما يقال عندنا، عندما يضرب الراعي تتشتتّ الخراف. وأنا أقول إننا صرنا في عصر البرابرة على شاكلة هولاكو وتيمورلنك، وإذا كان لا يوجد قانون دولي يردع القوة العمياء فليحلّوا مجلس الأمن والأمم المتحدة، وإذا كانت دولة واحدة تفعل كلّ هذا فيجب معاقبتها".

 ازدادت وتيرة استهداف المسيحيين في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا مؤخراً مما استدعى استنكاراً من فعاليات إسلامية ومسيحية عديدة، إلا أن فداحة الاستهداف دفعت الأم أغنيس إلى إطلاق صرخة إلى منظمة المؤتمر الإسلامي والمجتمع الدولي على حد سواء: "أين المجتمع الدولي؟ وماذا يفعل المؤتمر الإسلامي؟ ولماذا لا يقوموا بواجباتهم؟ على المجتمع الإسلامي أنّ يتحرّك ويدافع عن المكونات التي يلّفها تحت جناحه، وبالنهاية نحن كلنا لبعضنا البعض، المسيحي لأخيه المسلم والمسلم لأخيه المسيحي".

 تضيف الأم أغنيس: "لم يتهجّر المسيحيون في العراق أيام حكم صدام حسين، لكن هذا حصل عند دخول الجيش الأميركي! فماذا فعلتم يا أميركان؟ أنتم لم تأتوا لنشر الديمقراطية والحرية والمساواة والاعتدال بلّ أطلقتم قوى تعمل تحت جناحكم وتحت جنح الظلام لتمرير الفوضى الخلّاقة، وقتلتم من الجميع من سنة وشيعة وغيرهما. الصمت على هذه الجرائم يعادل الشراكة فيها. إن ما حصل في 4 آب/ أغسطس في ريف اللاذقية كان إبادة جماعية، ولكن للأسف لم يفتح أحد فمه. فإذا كان هناك مجتمع دولي - كما يدّعون - فعليه ان يطبّق القوانين على الجميع".

                            

سابقة في الفاتيكان من أجل سورية

الحديث عن القدّاس الذي أقامه البابا فرنسيس لأجل سورية في السابع من أيلول/ سبتمبر الجاري حمل مفاجأة هامة ودلالات لا تقل أهمية، وتعتبره الأم أغنيس، التي حضرت الصلاة "تاريخياً ومميزاً حيث حضره مائة ألف شخص، وطلب خلاله الحبر الأعظم إنزال أيقونة "خلاص الشعب الروماني" التي تعتبرها الكنيسة أيقونة عجائبية من القرن الحادي عشر وهي محفوظة في (لوجيا) في "بازيليك القديسة مريم العظمى"، وتعتبر الأولى في الأهمية لدى المسيحيين، وهي تنزّل فقط للدلالة على المصائب العظمى، والخطر المحدق على العالم  كالغزو والوباء، لكنّ قداسته طلب إنزالها في إشارة إلى خطورة أي هجوم على سورية. والجدير ذكره أن هذه الأيقونة لم يفتح بابها وتنزل منذ عام 1930، رغم مرور الحرب العالمية الثانية والحروب والمآسي التي ألمّت بالعالم والبشرية خلال عقود من الزمن".

 تضيف الأم أغنيس أنّ "قداسة البابا فرنسيس أراد من خلال ذلك التأكيد على أنّ العدوان على سورية هو خطر على العالم كلّه، لإنه يدخلنا بنوع من الإحتكاك بين قوى عظمى تمتلك أسلحة نووية، ونحن كنا على حافة الحرب العالمية الثالثة. من جهة ثانية فإن تفكك سورية يؤدي إلى تفكك الحلقة الحيوية التي تربط الأراضي المقدّسة لامتدادها الجغرافي المشرقي، وتصبح محاطة بقيم دول دخلت بحدّ ذاتها في الفوضى الخلّاقة، وتسللت إليها جحافل من المرتزقة الذين يغشى على تفكيرهم الفكر الضبابي، وتنتفي لديهم في بعض الأوقات الصفة الإنسانية، مما يؤدي الى التحوّل من بوتقة الحضارات إلى أول مكان في الجاهلية والبربرية، بينما بقاء سورية - رغم الصعوبات - يمكن أنّ يعيد العراق وشمال أفريقيا والدول المشرقية، وأنا أقول إن سورية ستبقى لأن الشعب فيها حامل لمشعل الحضارة والمصالحة والغفران. والروحانية والمحبة موجودة. فلا تخافوا على شعب سورية فهو شعب مؤسس للبشرية، ودمشق أقدم عاصمة مسكونة في التاريخ، واسمحوا لي أن أقول إن أسوار دمشق سوف تردع كلّ قوى الهمجية الجديدة، وكما يقول الملائكة عند ولادة المسيح "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام، وفي الناس ذوي الإرادة الحسنة"، وأصحاب الإرادة الحسنة بانوا الآن، ولاحظوا كيف انتفض العالم عندما فكروا في ضرب سورية، ومعلوماتي تقول إنّ مئات ناشطي السلام السلام كانوا قادمين إلى سورية ليقوموا بنوع من الدرع البشري، للدفاع عن الوجود والتعايش، والذي تعجبه القوى الظلامية فليأخذها إليه، وليفتح لها في بلاده مملكة "داعش" و"القاعدة" و"طالبان"".

 

قداسة البابا قام بإنزال "الأيقونة العجائبية" من أجل سورية

"الربيع العربي" كذبة تاريخية

الأم أغنيس تعتبر "الربيع العربي" وهماً واستغلالاً لتوق الجماهير في التغييّر

تجيب الأم أغنيس على سؤال متعلّق بـ "الربيع العربي" بهزّ رأسها آسفة، "فتعبير الربيع العربي وهم، وقد استغلوا إرادة ورغبة في التغيير. نحن نعيش استنزافاً لطاقاتنا لأننا نملك منابع النفط التي يجب أن تجعلنا نعيش برفاهية، ومع ذلك لا أفهم كيف يكون هناك فقراء في السعودية مثلاً. ما جرى في الحقيقة هو أنهم استفادوا من توق الجماهير إلى الحرية، لوضع طوق حديدي لهم، والفوضى الخلاّقة التي سمعنا (وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة) كوندوليزا رايس تتحدّث عنها تعني الرجوع إلى جهنم. الربيع العربي كذبة تاريخية وقومية واجتماعية وسياسية. هم مراؤون يحملون مشروعاً ظلامياً بألوان فضفاضة، وستنتهي الأمور بمخططهم إلى الفوضى والخراب كما في أفغانستان والعراق وليبيا، وأنا أتوّقع أن يوضع لهم حدّ في سورية. كيف يقوم أحد بالقتل وتقطيع الرؤوس والتشنيع باسم "ربيع عربي"؟ هذا حرام. إلى أين نحن متجهون؟ خسئوا بهذه الدوافع وليرفعوا أياديهم عن سورية، وربّ العالمين سوف يجعلهم يرفعونها، وعقابهم عند ربّهم سيكون عظيماً".

 

اخترنا لك