معالم تاريخية أثرية هامة من غزة
نتعرّف في جولة سريعة إلى بعض معالم قطاع غزة التاريخية والأثرية التي لم تسلم من الاعتداءات الإسرائيلية، حيث نسلّط الضوء على المسجد العمري، والكنيسة البيزنطية، ومتحف قصر الباشا، وقلعة برقوق.
يعتبر المسجد العمري أقدم وأعرق مسجد في مدينة غزة، ويقع وسط "غزة القديمة" بالقرب من السوق القديم، وتبلغ مساحته 4100 متر مربّع، ومساحة فنائه 1190 متراً مربّعاً، يحمل 38 عموداً من الرخام الجميل والمتين البناء، والذي يعكس في جماله وروعته بداعة الفن المعماري القديم في مدينة غزة.
شيّد هذا الجامع من قبل الملوك والوزراء والمصلحين كما تشهد بذلك الكتابات المنقوشة على أبوابه وجدرانه · وقد أنشأ له السلطان (لاجين) سلطان المماليك باباً ومئذنة سنة 1281م وقام بتوسعته الناصر محمد، وعمر في العهد العثماني. وقد أصاب الجامع خراب كبير في الحرب العالمية الأولى، حيث هدم القسم الأعظم منه وسقطت مئذنته، وقد جدّد المجلس الإسلامي الأعلى عمارة الجامع سنة 1926م تجديداً شاملاً وأعاد بناءه بشكلٍ فاق شكله السابق.
ويمتاز المسجد العمري بوجود مكتبة مهمة يوجد فيها العديد من المخطوطات في مختلف العلوم والفنون، ترجع نشأتها إلى الظاهر بيبرس البندقداري، وكانت تسمّى في السابق مكتبة الظاهر بيبرس·
تحتوي مكتبة الجامع العمري على 132 مخطوطة ما بين مصنّف كبير ورسالة صغيرة، ويعود تاريخ نسخ أقدم مخطوط إلى سنة 920هـ ·
الكنيسة البيزنطية
تعد الكنيسة البيزنطية في جباليا واحدة من أهم الكنائس في بلاد الشام، وتقع غرب شارع صلاح الدين، ويرجع تاريخ بنائها إلى سنة (444م)، زمن الإمبراطور البيزنطي (ثيودوسيوس الثاني) الذي حكم ما بين سنة (408-450م).
وقد استمرّ وجود الكنيسة منذ الفتح الإسلامي لفلسطين سنة (637م) وحتى العصر الإسلامي العباسي زمن الخليفة (أبو جعفر المنصور)، وبذلك فقد عاصرت الكنيسة (24) إمبراطوراً بيزنطياً، و(14) خليفة مسلماً، ودلّل ذلك على مدى التسامح الديني الذي تمتع به المسيحيون زمن حكم المسلمين لفلسطين، وقد اشتملت الكنيسة على (16) نصاً كتابياً بالكتابة اليونانية القديمة، وذلك العدد لم يوجد في أي كنيسة في بلاد الشام على الإطلاق.
احتوت زخارف الكنيسة على الكثير من الزخارف الهندسية، والنباتية، والرسوم الآدمية، والمناظر الريفية، وأدوات الطبخ، وحيوانات أليفة ومفترسة من فلسطين وخارجها، كما اشتملت على مناظر الصيد، والأنهار وأشجار النخيل، ولكن معظم هذه الزخارف دمّرت زمن حرب الأيقونات (107-252هـ/726-867م)، ولم تترك أثراً واحداً يمكن بواسطته إرجاع أو إعادة ترميم تلك العناصر الزخرفية.
وقد بُنيت الكنيسة على النظام البازيلكي ذي الثلاثة أروقة، أوسعها الرواق الأوسط، وتحتوي الكنيسة على مكان العبادة (Chabel) من جهة الشمال وهذا طبيعة المعمار الكنسي في فلسطين، أما مساحتها فتبلغ 500 متر مربع.
متحف قصر الباشا
تعد القصور من أهم مباني العمارة الإسلامية كونها شاهداً على روعة فن العمارة الإسلامي بطابعه المميز ونقوشه الزخرفية، ويعد قصر الباشا النموذج الوحيد المتبقّي للقصور في مدينة غزة.
يقع في البلدة القديمة بحي الدرج في مدينة غزة، ويرجع بناؤه إلى العصر المملوكي في عهد السلطان الظاهر بيبرس عام (1260 – 1277م).
أُطلق عليه العديد من التسميات التي دللت على المراحل التاريخية التي مرت به، منها: قصر النائب في العهد المملوكي، وقصر آل رضوان أو قصر خلال العهد العثماني، كما أطلق عليه اسم ( دار السعادة أو الدار العظيمة).
عند قيام الحملة الفرنسية وإقامة نابليون بونابرت في القصر لمدة 3 أيام أطلق عليه العامة تسمية خاطئة اسم (قلعة نابليون)، وفي أثناء الحكم البريطاني استخدم كمركز للشرطة، وسمّي بـ "الدبويا".
وفي زمن الإدارة المصرية كان القصر جزءاً من مباني مدرسة سُمّيت بـ(مدرسة الأميرة فريال) - أخت الملك فاروق- ثم تغيّر اسم المدرسة إلى مدرسة الزهراء الثانوية للبنات.
ثم آل بعد ذلك إلى وزارة السياحة والآثار التي اعتبرته معلماً أثرياً يجب المحافظة عليه، وأطلقت عليه اسم متحف قصر الباشا.
ويعكس القصر في بنائه فلسفة وطابع العمارة الإسلامية، حيث يتكوّن من مبنيين منفصلين، بينهما حديقة، مبنى الإدارة ومبنى المتحف وهو الجزء المخصص لعرض المقتنيات الأثرية، مدخل هذا القصر يقع في الواجهة الجنوبية للمبنى الشمالي.
قلعة برقوق
يعود تاريخ هذه القلعة إلى عام 1387م، أي عام 789هـ، حيث بناها الأمير يونس بن عبد الله النورزي العبادلة كما طلب السلطان برقوق أحد سلاطين العصر العربي الإسلامي المملوكي ومؤسس دولة المماليك البرجية.
وقد بنيت لتكون بمثابة مركز يتوسط الطريق بين دمشق والقاهرة، يتخذه التجار والمسافرون مكاناً للراحة واللقاء والتزوّد بما يلزمهم من حاجيات في تلك الرحلة الطويلة بين أكبر مدينتين في دولة المماليك البرجية حينها، إضافة إلى الاحتماء من اللصوص وقطّاع الطرق من البدو والأغراب الذين كانوا يعترضون طريق المسافرين في هذه الحقبة.
تبعد قلعة برقوق الآن مسافة 20 كم عن الحدود الفلسطينية المصرية وتتوسط مدينة "خان يونس" جنوب قطاع غزة، تبلغ مساحتها نحو 16 دونماً، كان شكل القلعة مربّعاً، طول كل ضلع من أضلاعه 85.5 متراً وتتخذ زواياه 4 نقاط رئيسية من البناء تشير كل زاوية إلى جهة من الجهات الأربع. وتدعم هذه الزوايا أبراج دائرية ولا تزال بقايا البرج الجنوبي الغربي باقية إلى الآن.
وتتألف القلعة من طابقين ومسجد للصلاة. تعود تسمية مدينة "خان يونس" إلى تلك القلعة، فكلمة "خان" تعني "القلعة" أو "السوق" وهو الشق الأول من الاسم، أما الشقّ الثاني فهو "يونس" وهو اسم الأمير يونس الداودار الذي بناها على نحو ما ذُكر آنفاً.