فرح كروي....كيف بدّل مونديال قطر حياة الناس؟
يضفي تشجيع الفرق الرياضية منافع كثيرة على صحة الإنسان النفسية والجسدية، كما أنه يخلق لدى الإنسان شعوراً بالهوية ويعد فرصة رائعة للتواصل مع الآخرين، فماذا تقول الأخصائية والمحللة ماري تريز سلوم في هذا المجال.
من سِمات بطولة كأس العالم 2022 في قطر أنها تزخر بالإثارة والمتعة، وسواء كنت من مشجعي كرة القدم أو لا، فأنت تشعر بالقطع بالحماسة عندما تشاهد منتخب بلادك يتقدّم في التصفيات وصولاً إلى الأدوار النهائية، أو ينتابك شعور بالحسرة عندما ترى فريقك المفضل يخرج من المونديال في إثر هزيمة مفاجأة في اللحظات الأخيرة من المباراة أو حتى بفارقِ الأهداف بفعل حسابات المكسب والخسارة في ختام أدوار المجموعات.
ولعل في تجلي المنتخبات غير المرشحة للفوز بالكأس، وتحقيقها انجازات كروية هامة على غرار منتخب المغرب بتصدّره لمجموعته وفوزه على منتخب اسبانيا أمس الثلاثاء، ما ينهض شاهداً على دور "الفرح الكرويّ"، في رفد الجمهور التابع للمنتخب وغيره.
ففي غزة المحاصرة من قبل الاحتلال، أرخت فعاليات المونديال بظلالها على حياة الغزّاويين اليومية الصعبة فرحاً، فأفردت مساحات سعادة وزهوّ لا بل انتصار واسعة، خاصة وأن مونديال قطر كان " مونديال فلسطين" بكلٍ ما للكلمة من معانٍ.
وكما عبّرت الزميلة فاطمة خليفة في تقريرها خلال تغطيتها لفعاليات المونديال "يبدو أنّ نبذ العرب للإسرائيليين سيكون لوحة لا تقلّ جمالية عن أيّ لوحة قدّمها مونديال قطر 2022".
وتجلّت قصة فرح العرب بانتصارهم لفلسطين... "سيدة مونديال العالم، رفضاً للتطبيع في هذا الفيديو للزميلة زهراء ديراني:
وفي قطر مثلاً، تفاعلت لولوة الخاطر مساعدة وزير الخارجية، مع فوز المنتخب المغربي على نظيره الإسباني ضمن منافسات "مونديال قطر 2022 " بأبيات شعرية عن الأندلس.
وكتبت الخاطر عبر حسابها على "تويتر": "جادك الغيث، إذا الغيث همى.. يا زمان الوصل بالأندلس .. لم يكن وصلك (يوما) حلُماً.. ذكرتنا المجدَ أُسْدُ الأطلسِ".
جادك الغيث إذا الغيث همى
— لولوة الخاطر Lolwah Alkhater (@Lolwah_Alkhater) December 6, 2022
يا زمان الوصل بالأندلس ِ
لم يكن وصلك (يوما) حلُما
ذكرتنا المجدَ أُسْدُ الأطلسِ
😃😃😃🎉🎉🎉🇲🇦🇲🇦🇲🇦🇲🇦#قطر2022 #قطر٢٠٢٢_فرحة_للجميع
وقد يلعب "موسم المونديال" دوراً هاماً في "نسيان" أو "تناسي" الجمهور لمشاكله الحياتية والاقتصادية والسياسية، و "الغبّ" من معين اللعب النظيف والفوز العتيد، والهجوع إلى الفرح والحبور المفقودين.
فاليوم الأربعاء، برز هذا الفيديو الجميل لغناء أطفال يمنيين للمنتخب المغربي رغم ما يعانيه اليمن من حصار ومآسٍ يومية.
فرح اليمن بفوز المغرب pic.twitter.com/hZjciabbfg
— فيصل (@AsdfLkj19953026) December 6, 2022
سلوّم للميادين نت: المشاهد يتماهى مع اللاعب القوي
الأخصائية العيادية و المعالجة النفسية التحليلية ماري تريز سلوم قالت للميادين نت "في بعض الأحيان نلاحظ أن سلوكيات الافراد تتغير نتيجة تعلّقهم بأحداث عالمية او عربية، و بالتالي نراهم يصبحون منافسين شرسين لتشجيع الفرق الرياضية التي يختارونها أو اللاعبين الذين يحبونهم".
وترى أن "هناك أسباباً نفسية عديدة لهذا التعلّق "أهمها التماهي باللاعب القوي حيث أن الفرد يعتبر اللاعب القوي أو الفريق الذي يشجّعه مع تاريخه و انتصاراته امتداداً لـلأنا الخاص به، و هو بالتالي يبحث عن الشعور بالقوة".
إضافة إلى أن "هوية المشجع تندمج اندماج كليّاً مع اللاعب أو الفريق ما يعطيه شعور بالقوة و الفخر، وهنا يكون هذا التعلّق بحثاً عن ذات قوية وفخورة"، تضيف سلوم.
وخلصت دراسة نشرتها الدورية العلمية "كوميونيكشن أند سبورت" المتخصصة في طب النفس الرياضي عام 2019 إلى أن تشجيع الفرق الرياضية الفائزة يرفع من درجة احترام أو تقدير الذات للمشجعين لمدة يومين بعد المباراة.
وفي وقتٍ يعتبر بعض المحللين أن هذه المعلومة تحتاج إلى مزيد من التوثيق العلمي، تؤكد كاري ويلاند استاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة تولان في ولاية نيو أورليانز الأميركية وجود مفهوم في طب النفس يسمى "الانغماس في المجد الناجم عن انجازات الآخرين"، ويقصد به أن "يرتبط شخص ما بانتصار غيره على اعتبار أنهما ينتميان إلى نفس المجموعة"، وتقول إن "الاستغراق في التشجيع يجعل الجمهور يشعر كما لو كان جزءاً من الفريق ومشاركا في الفوز".
الانتماء يساعد على الشعور بالفخر
وتسري هذه القاعدة على حدّ قولها على جماهير الفرق الموسيقية أو أنصار الأحزاب السياسية أو مشجعي الفرق الرياضية، حيث يشعرون أن تشجيعهم ساعد في انتصار الفريق الذي يناصرونه.
وفي الإطار نفسه تقول الأخصائية سلوّم إن "الشعور بالانتماء يعتبر من الحاجات الأساسية للفرد والانتماء إلى فريق معيّن بتاريخه ولاعبيه يزيد من ثقة الفرد بذاته وهو بالتالي بحث عن هوية" .
وهنا يسبغ خبراء أميركيون على "التواصل الاجتماعي في حدّ ذاته تأثيراً إيجابياً على إطالة عمر الإنسان، فالعلاقات الاجتماعية والشعور بالانتماء أثناء مشاهدة الفعاليات الرياضية يقترن بتحسّن الصحة البدنية والنفسية".
وترتبط مشاهدة المباريات بتخفيف أعراض الاكتئاب التي أثبتت بعض الدراسات أنها تقلل من عمر الإنسان بواقع 10 إلى 12 عاماً في المتوسط. وبالتالي فعندما تحصل على الدعم الاجتماعي النابع من تشجيع مباريات المونديال، فهناك دلائل علمية على أنك تقلّل من الأمراض.
تشرح سلوّم بقولها "الانتماء يساعد أيضاً على الشعور بالفخر الذي تحدّثنا عنه مسبقاً، وهو الذي يتخطى البيئة التي يعيش فيها الفرد ليصبح عالمياً، وبالتالي يقرّب العلاقات بين الأفراد ويزيد من فرص التواصل و يجمع بين المشجعين من كل أنحاء العالم بخاصيات اللون و العلم".
وتردف قائلة: "من الممكن أن يكون لهذا التماهي و هذا الانتماء ايجابيات وخاصة لدى المراهقين و التي هي زيادة عدد الأصدقاء و توسيع الدائرة الاجتماعية و الشعور بالثقة و القوة أما التماهي المفرط (نتيجة غياب التماهي الصحيح مع الوالدين مثلاً) قد يؤدي إلى سلوكيات عدوانية و "فورات" من الغضب في حال الخسارة".