شارع "أربات".. قلب موسكو النابض بالتاريخ
عاش فيه بوشكين وهاجر منه هرباً من حماته.. تعالوا لنتعرف إلى أحد أشهر شوارع موسكو.
الثقافة هي سِمته العامة. فيه سكن النبلاء منذ مطلع القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ومنذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أصبح "شارع أربات" في موسكو محور المُثقّفين الذين حولوه إلى فضاء ثقافي.
في العام 1993 احتفل بمرور 500 عام على إنشاء "شارع أربات" وسط العاصمة الروسية، ويُرجَّح أنّ تكون تسميته اشتقت من اللغة العربيّة لقربها من مفردة (عربات)، حيث كان الشارع محطّة للعربات القادمة للتجارة في الساحة الحمراء.
يضم الشارع الذي يبلغ طوله نحو كيلومتر مبنى وزارة الخارجيّة الرّوسيّة، الذي يُعدّ واحداً من أشهر الأبنية السّبعة في موسكو (أبراج ستالين)، بينما تقترب بدايته من الكرملين وسط موسكو.
ويرتبط الشارع بذكرى أولئك الذين مجَّدوا ثقافة الروس الوطنيّة بدءاً من الكسندر بوشكين (1799 - 1837)، أعظم شعراء روسيا، وصولاً إلى ميخائيل ليرمونتوف (1814 - 1844)، ولهذا نجد "أربات" محوراً للمتاحف واللوحات والتماثيل التذكارية.
الأبنية القديمة ذات الطابع المعماريّ السوڤياتيّ في "أربات"، تحوّلت الآن إلى مطاعم ومقاهٍ ومحلات. ورغم البرد القارس الذي يسيطر على طقس موسكو في ثلثيّ أيام العام تقريباً، إلاً أنّ هذا لا يمنع موسيقييين من العزف والغناء على جانبيّ الشارع، وإضفاء جوّ من البهجة والرقص والفرح على المكان. كما يتواجد طلاب الأدب الروسي باستمرار ليلقوا شعراً لأعظم الشعراء الروس، بينما يتحلق حولهم المُشاة مُصفّقين لهم بحرارة.
يتصدَّر بيت بوشكين بلونه السماويّ الباهِت مدخل الشارع. عاش فيه صاحب "ابنة الضابط" أول ثلاثة أشهر من زواجه بحبيبته ناديجدا قبل أن يهرب إلى سان بطرسبرغ ضيقاً من زيارات حماته ومُضايقتها لهما.
مقابل "متحف بوشكين" ينتصب تمثال بوشكين مع زوجته بلونه البرونزيّ اللامع الذي أصبح قبلة للزوَّار والسُيَّاح ومُحبّي الشاعر، يلتقطون معه الصوَر التذكارية ويلامسون طرف بدلته أو كفّه ظنّاً منهم أنّ هذا سيجلب لهم الحظّ.
أما في وسط الشارع فنرى مسرح "ڤاختانغوف" وأمامه تمثال للمخرج والمسرحي نفسه، الذي قدم لنا مسرحية "الأميرة توراندوت" التي استوحاها من قصص "ألف ليلة وليلة".
يرى العديد من أبناء روسيا أن "أربات" ليس مُجرَّد جزء من أجزاء موسكو، ويقولون: "إذا كان قلب روسيا هو موسكو، فإنّ قلب العاصمة هو أربات".
هكذا يجتمع يومياً أهل الغناء والشعر والرسم وحتى المشردين. أما أولاد "أربات" فخلدوه في أعمالهم وأشادوا به مُعترفين بدوره في التاريخ. وعلى عكس شوارع موسكو القديمة والمجاورة، فقد حافظ "أربات" على إسمه التاريخيّ من دون تغيير وأصبح رمزاً لاستمرارية التقاليد الثقافية.
يقترن اسم الشارع أيضاً ببولات شالڤوڤيتش أكودجاڤا أحد مؤسّسي "أغنية المؤلّف"، والذي لا يمكن فصل صورة أربات عن إبداعه. وفي هذا نعى الرئيس الأسبق بوريس يلتسين بولات: "كان ملمّاً روحيّاً.. نقرأ والآن أرباته صامتة وفارغة".
يلتسين ذاته الذي عبّر عن عشقه لشارع "أربات" قائلاً: "لا يمكنني الشفاء من حبّك على الإطلاق، وحبّ أربعين ألف رصيف آخر...آه، أربات، أرباتي، أنت وطني، لن تمرّ عليك أبداً". ففي هذا الشارع ولد وأقام فترة طويلة.
في الستينيات ظهر تيّار كامل من الأدباء الذين عملوا على أربات، التقوا، كتبوا، غنّوا فيه وله. ولذلك ليس من المشكوك فيه أنّ هذا الشارع ظهر كثيراً في أعمالهم وأُعطيت له الأهميّة الكبرى في الإبداع، والتي غالباً ما أصبحت أحد المحاور.