التشكيلي العراقي سيروان باران: بحث دائم عن تجسيد الألم والظلم
في آخر معارضه في باريس يقدم الفنان العراقي سيروان باران أعمالاً فنية وبصرية كثيفة المعاني، ويريدها وسيلة لمخاطبة الضمير وصرخة للتعبير عن المعاناة البشرية المتواصلة على يد الجلادين.
في البدء كان ألماً عراقياً ثقيلاً يتململ داخل نفس الفنان التشكيلي العراقي سيروان باران (1968). ألم الموت والحرب وفقدان الأصدقاء وما تخلفه الحرب من خسائر. ألم انفجر في نفس المبدع وانطلق منها ليتوغل في قلب اللوحة التشكيلية. لوحة متوترة متدفقة بكل تعبيرات الإنسان المجروح والمعذب والمقتول.
الخراب الذي في الذاكرة يتسلل من فرشاة سيروان مفاجآت لونية صارخة وعنيفة بكل ما تختزنه من أبعاد إنسانية. هذا ما يظهر لنا في كل معارض الفنان العراقي المتنقل بين العواصم منذ خروجه من بغداد، وحمل بعضاً منه مشاركاً في معرض "أنوار لبنان" الذي يستضيفه "معهد العالم العربي" في باريس، حيث ينقل باران إلى الجمورين الفرنسي والعربي تجربته العنيفة في التعبير عن المشاعر الإنسانية وتحولاتها في ظل الديكتاتورية والظلم والقمع والصراعات الدموية.
في اللوحات والمنحوتات المشاركة عرض فني بصري كثيف المعاني وعميق عمق الإنسانية، أرادها باران وسيلة لمخاطبة الضمير وصرخة للتعبير عن المعاناة البشرية المتواصلة على يد الجلادين.
وعلى الرغم من استعادة ما لحق بالإنسان من عنف ودمار، تقودك لوحات الفنان العراقي نحو لغة جمالية وفتنة لونية، كأنه يريد أن يغرقك في عوالمه التشكيلية لاستخلاص الجمال من كل تلك التفاصيل المرعبة. يعترف باران بأن أعماله ذات طابع "عدواني"، لكنها تحمل رسالة إيقاظ للضمير الإنساني.
ويقول في حديث مع الميادين الثقافية إنه: "إذا كانت البدايات تنفر المشاهد فإنها تحولت مع الوقت لتحدث ردة فعل إيجابية ونوعاً من القبول والإنفعال التضامني عند المشاهد العربي والغربي على حد سواء"، مضيفاً أن "إعادة تشكيل المأساة والعنف لا بد من أن تحدث أثرها في الوعي الإنساني لتوجيه الغضب نحو مصدر العنف والمأساة".
الموضوعات نفسها تتكرر في معظم لوحات سيروان باران، لكنها في كل معرض تفتح أبواباً جديدة أمام التشكيل واللون من خلال توتر إبداعي فائق الحساسية. لذلك، حين تسأله عن أسلوبه، يحيلك نحو التجريد القادر على تغذية الموضوع بشحنة إبداعية جديدة، تساعد المشاهد على فهم الرسالة داخل اللوحة.
لعل حال الكلب المتكرر في لوحاته يفسر ما سبق. فالكلب برأيه تمثيل للتناهش السائد في العالم حالياً ولما يقدمه السجان والقاتل والقامع من أدلة حسية على عدم سوية البشر، التي تثبت وجهة نظره حول أن الحياة عبارة عن خسائر متكررة، كخساراته التي شهد عليها في حياته عندما كان جندياً وصولاً نحو الهاوية التي يعيش فيها الإنسان حالياً.
ويتابع عضو "نقابة الفنانين العراقيين" في تصريحاته لــ "الميادين الثقافية" أن مشروعه التشكيلي القائم عبر السنوات الماضية يهدف إلى تقديم شهادات فنية من تجربته حول الخيبات والخذلان والخسارة والألم والإحباط والظلم.
الأمر نفسه مع الوجوه التي تزدحم في لوحات سيروان. وجوه أثقلها الصمت والقمع وصولاً إلى الموت. وجوه السجناء والمعتقلين المحجوزة حرياتهم في كل زمان ومكان سواء في البلاد العربية كما في مدن الغرب، ليفضح زيف الأنظمة وادعاءات الديمقراطية والحرية عبر شخوصه ممن غابت عيونهم خلف الكمامات الكثيفة والحبال حول الرقاب بانتظار مصيرهم الأسود على يد الجلادين.
من باريس يبلغنا الفنان العراقي المتجول بين عواصم العالم انطلاقاً من مقر إقامته في بيروت حالياً، أنه يعمل لإنجاز عمل فني عن الزمن الفاصل بين إنفجار مرفأ بيروت" 30 ثانية خارج الزمن"، وبحث تشكيلي مختلف حول أثر الأدوية عند المصابين بأمراض نفسية. وينطلق هذا العمل من مبدأ إستعادة حالات نفسية عند جنود عراقيين عايشهم خلال خدمته في الجيش وبقيت إنفعالاتهم مطبوعة في روحه رغم مرور الزمن.
يذكر أن سيروان باران من مواليد بغداد حاصل على بكالوريوس فنون جميلة من "جامعة بابل"، وعضو في "اللجنة الوطنية للفنون التشكيلية"، و"الرابطة الدولية AIAP".
أقام العديد من المعارض الخاصة وشارك في معارض أخرى دولية ومحلية، كما حاز على عدد من الجوائز منها "جائزة الشباب الأولى"عام 1990، ثم الجائزة الذهبية في "مهرجان الفن العراقي المعاصر" عام 1995، ثم وسام تقديري من "بينالي القاهرة" عام 1999، وصولاً إلى الجائزة التقديرية في "بينالي بغداد العالمي الثالث" عام 2002، والوسام الذهبي في "مهرجان المحرس الدولي" في تونس عام 2002.