علي ونينو: قصة حب أسطوري بين مسلم ومسيحية
تُعرَف "باكو" حتى يومنا هذا ب"مدينة علي ونينو" تيمّناً بقصة حب بين رجل أرستقراطي أذربيجاني مسلم شيعي، وأميرة جورجية مسيحية أورثوذوكسية.
قبل أن تحطّ الطائرة في مطار "باتومي"، لؤلؤة البحر الأسود، في جنوبي غرب جورجيا تظهر شواطئ آداجارا على الحدود مع تركيا. معالم باتومي كثيرة ومتنوّعة، ولعلّ المدينة القديمة التي عُرِفت باسم "باتوس" لجمالها المعماري هي الجزء التاريخي الأكبر منها حيث واجهات المباني المميّزة والشرفات الراقية والشوارع الشهيرة، بالإضافة إلى حديقتها النباتية وساحتها وقلعة جونيو أبساروس ومتحفها.
كانت هذه القلعة حصن دفاع هام للرومان والبيزنطيين ثم صارت للعثمانيين، ولا بدّ من الإشارة إلى شلال ماخونتيسي ودير سخالتا الذي بُنيَ في منتصف القرن الثالث عشر والذي يضمّ كنيسة للعذراء مريم. لكن منذ أن تسلّل الأدب والفن معاً إلى شرايين هذه المدينة، حتى ظهر تمثال "علي ونينو". فمن هما؟
تعتبر منطقة القوقاز مكان تلاقٍ للعديد من الأعراق البشرية والديانات والثقافات واللغات، وهي مركز للصراع بين المُتناقضات وخاصة الأفكار والقِيَم المختلفة بين الشرق والغرب. وإن كانت هذه التناقضات تدفع للتصادم أو للمشتركات التي تجمع الثقافات المختلفة، فهي أيضاً أرض قد تكون مهداً للحب والرومنسية والتسامح، تماماً كما العديد من المناطق في بلداننا العربية التي احتضنت أفكار المختلفة والمتباينة بين الشرق والغرب، وتمّت معالجاتها في العديد من الروايات ومنها "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيّب الصالح و"الحيّ اللاتيني" لسهيل إدريس وغيرها.
تتخذ رواية "علي ونينو" من بلاد القوقاز ومدينة "باكو" في أذربيجان أرضاً لها. لقد نُشِر الكتاب تحت إسم مستعار للمؤلف هو قربان سعيد، في حين أن إسمه الحقيقي ليف نسيمبوم الذي ينتمي إلى أسرة يهودية تعمل في مجال النفط، وهو من أبرز المجالات التي اشتهرت بها عاصمة أذربيجان. تحوّل نسيمبوم إلى أسعد بيك بعد انتصار الحرب البلشيفية في روسيا وانتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث هرب وعائلته إلى ألمانيا ثم النمسا ليعتنق بعدها الإسلام.
تُعرَف "باكو" حتى يومنا هذا ب"مدينة علي ونينو" تيمّناً بقصة حب بين رجل أرستقراطي أذربيجاني مسلم شيعي، وأميرة جورجية مسيحية أورثوذوكسية. علي خان شيرفانشير هو بطل الرواية الذي ينتمي إلى الثقافة الآسيوية، تلقّى تعليمه في مدرسة روسية حيث تعرّف إلى الأميرة الجورجية نينو كيبياني، التي تربّت على التقاليد المسيحية وتنتمي إلى العالم الأوروبي. في هذه الرواية، يسعى الكاتب إلى تحقيق المصالحة ما بين الممارسات والمعتقدات المُتناقِضة فيطرح إشكاليات الإسلام والمسيحية، الشرق والغرب، الشيخوخة والشباب، الذكور والإناث.
ومثل كل قصص الحب الشهيرة تبدأ المشاكل عندما يطلب علي الزواج من نينو، ويبدأ المُعترضون والمشكّكون بنجاح هذا الزواج المُختلط بإعطاء آرائهم فتتعقّد المسألة ويتورّط علي بقتل غريمه في حب نينو، فيهرب إلى داغستان وبعدها إيران.
تُحاكي هذه الرواية نوعين من الحب أوّلهما حب علي لمعشوقته نينو، وثانيهما حبّه للوطن أي لأذربيجان وسعيه حينذاك إلى استقلالها عن روسيا، فلا يشارك في الحرب العالمية مع الروس ويحقق حلمه مع أصدقائه بإعلان جمهورية أذربيجان الديموقراطية. إلا أنّ الروس استعادوها مجدّداً ما أدّى إلى تشرّد الحبيبين في بلاد القوقاز قبل أن تنتهي القصة مع نهاية أذربيجان المستقلة، حيث يُقتَل علي خان أيضاً خلال تصدّيه للهجوم السوفياتي.
توفي مؤلّف الرواية عام 1942 واختفت الرواية لعدّة سنوات حتى أنّها كادت تُنسى، إلا أنّ الناشرة الألمانية جنيا جرمان عثرت عليها تحت أكداس كُتب أخرى في أحد أكشاك الكُتب المُستعمَلة في برلين وذُهِلت بروعتها فعملت على ترجمتها ونشرها من جديد.
عندما تقف أمام تمثال "علي ونينو" في مدينة "باتومي" لا بدّ من تذكّر أبطال القصص الرومنسية حول العالم والتي كانت بأغلبيتها قصصاً مأساوية، منها قصص قيس وليلى، وروميو وجولييت وغيرهما التي انضمت إليها حديثاً قصة علي ونينو.
على حافة البحر الأسود، تراهما في كل ليلة، علي ونينو، العاشقان من ديانتين مختلفتين ليجسّدا قصة حب خيالية شكلتها الفنانة تمارا كفيسيتادز في مجسمين بطريقة مبهرة. تراهما يقتربان يومياً في تمام الساعة السابعة مساء وكأنهما يقبّلان بعضهما ويتّحدان سوية حتى تخالهما جسداً واحداً ليعودا ويفترقا ويبتعد واحدهما عن الآخر، ثم يلتقيان في اليوم التالي في الوقت عينه، فيُعيدان إلى الذاكرة كل يوم قصة حب تراجيدية خلال الحرب العالمية الأولى.
يبلغ طول التمثال 8 أمتار من الأسلاك المعدنية الصلبة التي تتداخل معاً حين يلتفّان معاً بحركة دائرية. تستغرق حركة التمثالين 10 دقائق ليتداخلا معاً بحلقاتهما المُتشابهة، ويقولا إنّ الحب جزء من كل إنسان، وإنّ الحب لا يعرف الحدود والتقاليد، وإنّ الناس يأتون ويذهبون وقد نذهب إلى المساءلة حول الجزء الذكوري والجزء الأنثوي في كل إنسان.
في عام 2016، وفي قالب تصويري ممتع، استعادت الرواية صخبها حين حوّلها المخرج البريطاني - الهندي آسف كابادايا إلى فيلم سينمائي يحمل إسم البطلين "علي ونينو" لتقديم مختصر عن تاريخ أذربيجان قبل 100 عام، والثقافات التي انتشرت آنذاك كما قصة الحب الملحمية التي تعتبر من أهم الكلاسيكيات الروائية في القرن العشرين.
"علي ونينو" رمز للحب في العالم كله، وليس في جبال القوقاز فحسب.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]