كيف غيّرت معاناة طفلة مريضة حياة سينمائي سعودي؟
الطفلة شارلوت فيجي عانت من الصرع لفترة طويلة، فقلبت حياة السينمائي السعودي مالك صفير رأساً على عقب.. كيف؟
شارلوت فيجي فتاة أميركية عانت من الصرع لفترة طويلة في صِغَرها. لكن بعد إيجاد العلاج المناسب لها، والذي لم يكن مُصرَّحاً به في الولايات المتحدة لكونه مرتبطاً بنبتة القنَّب، ألهمت قصّة شارلوت الكثير من الناس، كما قلبت حياة آخرين رأساً على عقب، وكان أحد هؤلاء السينمائي السعودي مالك صفير.
صفير سينمائي ومُصوِّر سعودي حائز على جوائز عدَّة منها: جائزة أفضل مُنْتِج في مهرجان فينيسيا شورتس السينمائي، وكذلك جائزة أفضل فيلم وثائقي في المهرجان نفسه، ثم "جائزة النخلة الفضية" لأفضل سيناريو في مهرجان الفيلم السعودي، إضافة إلى جائزتين ذهبيتين وفضيّة وبرونزيّة عن أفضل حملة من Clio Cannabis. من أفلامه: God’s Plant، Growing To Heal، Our Place On Earth.
انتقل مالك إلى الولايات المتحدّة عام 2011 لدراسة الإخراج السينمائي. كان هدفه إنهاء الدراسة والعودة إلى السعودية لمُمارسة عمله كمُخرجٍ مُحترف. لكن بعد سماعه بقصّة الطفلة شارلوت التي كانت تعاني من نوبات صَرَع شديدة تصل أحياناً إلى أكثر من 300 نوبة صَرَع في الأسبوع، ويؤدّي بعضها إلى توقّف قلبها، وما إنْ بدأت بتناول زيت مُستخرَج من نبتة القنَّب المعروفة شعبياً تحت مُسمّيات مختلفة مثلاً الماريغوانا أو الحشيش، حتى بدأت شارلوت تعيش حياتها الطبيعة!
بعد سماع مالك بقصة الطفلة وعلاجها، قرَّر تعلّم كل شيء حول نبتة القنَّب، والتي تُصنَّف كنوع من أنواع المخدّرات في معظم أنحاء العالم. بعد ذلك بدأ بالعمل التطوّعي في Realm of Caring، وهي مؤسَّسة غير ربحية مُهتمَّة بكل ما يختصّ بنبتة القنَّب من دراسات وأبحاث وحملات توعية، تحت إدارة بيج فيجي، أمّ الطفلة شارلوت، والإخوان ستانلي، المعروفين بلقب الإخوان السبعة.
في العام 2015، أصبح مالك المدير الفني للمنظمّة. من هنا بدأ بالعمل على إخراج أفلام توعوية قصيرة حول فوائد نبتة القنَّب وما يمكن استخراجه منها من مواد تساعد في علاج الكثير من الأمراض. وقد ساعدت هذه الأفلام بالتأثير على المؤسَّسات الرسمية الأميركية، وخلق حالة وعي اجتماعي عام، خصوصاً عند أهالي المرضى والمُحتاجين للعناية الطبيّة. نتيجةً لذلك، تمّ تشريع نبتة القنَّب في 22 ولاية أميركية في عام واحد. كما ساهمت مجهودات مالك وشركائه بخلق وعي عام في مختلف الدول.
اليوم، تُلهِم أفلام مالك التوعوية آلاف الأشخاص حول العالم. من هنا، حاورنا مالك حول رؤيته الفنية كمخرجٍ سينمائي، وحول رؤيته الفلسفية التي عمل من خلالها على توظيف الفن في خلق وعي عام، وتغيير بعض القوانين التشريعية في الولايات المتحدة.
هل للفن وظيفة دائماً؟
أتساءل كثيراً حول الفن ومُنتجاته. لكن برأيي حتى نفهم الفن ذاته علينا النظر إلى صانعيه. أعتقد أن الفنان لا يجد متّسعاً لما يريد البَوْح به في محدودية المُمكن فيتمرَّد ليجد لنفسه فسحة جديدة ونمطاً جديداً يحتويه، وغالبيّة الفنانين يجابهون خيالاتٍ بهيّة لا تنطق، ومشاعر سقيمة لا تتّخذ شكلاً لأوجاعهم حين يستجدون بها. الفنان رهين خياله، دائماً وأبداً.
لا أظنّ بأنّ على الفن أن يحمل عبء الغاية والهدف. فالفن يبقى حرّاً حتى نمارسه ونؤوّله بما فينا لا بما له أن يكون عليه. فالفن في هذه الحال الأداة لا النتيجة.
كيف غيَّرت شارلوت مسار حياتك؟
كل شيء كان في مساره المُتوقََّع ولم يُخيَّل لي يوماً بأن أعمل في هذا المجال، وألا أكتفي بذلك فحسب، بل أن أعمل على تغيير القوانين وتشريع القنَّب في أميركا والعالم.
خلال أيام قليلة انتقلت من مُحارب ضدّ النبتة إلى مُحارب من أجلها. شارلوت غيَّرت كل ذلك. فكَّرت كثيراً في الأمر ووجدت أن العامل الأساسي في تغييري لرأيي كان تأثّري بقصة شارلوت. كنت أرى قصصاً كثيرة تتشابه في نتائجها مع قصة شارلوت. بدأت بإنتاج فيديوهات قصيرة لتلك القصص بهدف تغيير الرأي العام وطرحها على أصحاب القرار في الولايات المتحدة. استطعنا خلال عام تغيير القوانين في 22 ولاية.
ما هي أفلامك الأقرب إليك؟ ولماذا؟
الفيلم الأقرب هو (God’s Plant) نبتة الربّ. وهو فيلم قصير يحكي قصة مزارع ورفيقه الذي قضى 17 عاماً خلف القُضبان بحُكمين مؤبّدين لزرعه نبتة القنَّب، حتى أخرجه الرئيس الأميركي باراك أوباما. القصة تتشابه في تعقيداتها مع قصصنا. تأثّرت مجتمعاتنا بالبروباغاندا الأميركية في ما يتعلَّق بالقنَّب، بالرغم من أننا من أولى الحضارات التي استخدمت هذه النبتة كدواء.
اليوم نعاقب المُستخدِم والمُزارع من دون تساؤل عمّا يمكن تحقيقه من خلال التشريع والتقنين. دول كثيرة بدأت بالاستيقاظ، وأعتقد أننا في طريقنا لتحقيق مستقبل يكفل احتياجات المواطن ويحميه من غيّ السوق السوداء.
هل يمكن خوض مُغامرة تشريع القنَّب في العالم العربي؟
لا أدري واقعاً ما إذا كان الأمر ممكناً أم لا. ما أفكِّر فيه هو متى، وقت التشريع. أؤمن بإن النبتة ستُتاح بشكل قانوني وبتقنين حكومي في بعض الدول العربية، ليس لأنها "الشيء الجديد"، بل لأنها ضرورة وحق يستحقّه كل مريض بحاجتها. أن نعرف ما تقدّمه ونستمر في إخفائه، ما هو إلا جريمة لن تسامحنا عليها الأجيال القادمة.
ما هي مشاريعك الجديدة؟ وهل تتابع السينما العربية؟
أعمل على إنتاج فيلم وثائقي يتحدَّث عن الآثار السلبية التي خلَّفتها الحرب ضدّ المخدّرات في أميركا، مُتتبّعاً بعض الشخصيات التي كان عقابها يتجاوز جُرمها. كأن يُسجَن رجل لمدة 20 عاماً من أجل امتلاكه بعض القنَّب. السلطة الحكومية الأميركية منحت ولفترةٍ طويلة قوَّة يتباهى بها العنصريون وحان الوقت لإظهار الحقيقة وراء الحرب ضدّ المخدّرات، بدايةً من الرئيس نيكسون وحتى يومنا.
للأسف، لم أتابع السينما العربية في سنواتها الأخيرة. لكني بدأت بمشاهدة بعضها مؤخّراً، وخصوصاً الأفلام السعودية. هنالك تطوّر مهول! والأعمال الصغيرة تتفوَّق على تلك المحمولة بميزانيات ضخمة. فما زالت شركات الإنتاج الكبيرة تفتقر إلى النظرة الفنية والعُمق السردي في إنتاجاتها.