في الأردن.. المسرح يتسع لذوي الإعاقة أيضاً
المسرح يتَّسع للجميع. هذا ما تعلَّمه المخرج الأردني مراد أبو سرايا فأنشأ مشروعه لتدريب أشخاص من ذوي الإعاقة للوصول إلى خشبة المسرح.
موقف واحد قد يمثّل تغييراً فارِقاً في حياة الشخص. كذلك عبارة واحدة كفيلة بأن تُحْدِث ذلك، مثل تلك التي سمعها المُدرِّب والمخرج المسرحي الأردني مراد أبو سرايا صدفة من صديقة له حيث قالت: "بتعرف شو نفسي يا مراد؟ نفسي أطلع على المسرح".
يقولون إن المسرح يتَّسع للجميع. هذا ما تعلَّمه الشاب الأردني أثناء دراسته لفنون المسرح في إيطاليا، لكنه لم يُدرك حينها أن المسرح يمكن أن يتسع أيضاً للأشخاص ذوي الإعاقة، إلا عندما أفصحت له عن تلك الأمنية صديقته المُصابة بإعاقة أجبرتها على مُلازَمة الكرسي المُتحرِّك. بساطة حلمها بأن ترى نفسها على الخشبة، كانت بوصلة مراد لابتكار حركة جديدة على المسرح الأردني.
أبو سرايا الذي قابلته الميادين الثقافية، أنشأ مشروعه الخاص بمُبادرة شخصية منذ أكثر من عامين، وهو يقوم بتدريب أشخاص من ذوي الإعاقة ممَّن لديهم/ن شغف الوصول إلى الخشبة، ودمجهم/ن مع ممثلين ليسوا من ذوي الإعاقة في أعمالٍ مسرحية.
ثلاثة أعمال مسرحية قدَّمها أبو سرايا ودمج فيها ذوي الإعاقة مع غيرهم. جميع أسماء مسرحيّاته تشابهت في أولى عباراتها: "لا بدّ من أن تشرق"، "لا بدّ من أن تشرق الحياة حلوة"، و"لا بدّ من أن تشرق إنساناً".
ويقول أبو سرايا: "أحببت من خلال مشروعي ومن خلال الأعمال المسرحية التي قدَّمتها أن أثبت للعالم أنه ومن خلال الدراما يمكننا أن نعالج الأشخاص ذوي الإعاقة، ونخرجهم من العُزلة والاكتئاب والخوف من المستقبل، وهي جميعها أمراض سببها عدم التقبّل المجتمعي لهم/ن والجهل بأحلامهم/ن والتمييز الواقع عليهم/ن".
وأضاف: "لم يكن مشواري سهلاً في إقناع أشخاص من ذوي الإعاقة بمُمارسة حقهم/ن في تحقيق أحلامهم/ن بأن يؤدّوا أعمالاً مسرحية، اجتهدت من خلال تدريبهم/ن على مهارات مُختصَّة لإعداد أيّ ممثل، أهمّها الخيال، التركيز، سُرعة البديهة، وتمييز الصوت، والعمل على تعزيز ثقتهم/ن بأنفسهم/ن وكَسْر حاجز الخَجل".
اكتشف أبو سرايا خلال تجربته "أننا جميعاً متساوون"، ورداً على سؤال آلية توزيعه للأدوار وما إذا كان اللاوعي خاصته يجعله ينحاز لذوي الإعاقة أكثر من الممثلين غير المعوّقين يوضح قائلاً: "أحرص ألا تنحاز عاطفتي لهم، لذلك لجأت إلى أسلوب أن يكون الممثّلون في مسرحياتي بأعداد كبيرة، بحيث تجعلني أنسى عاطفتي وأركّز على توزيع الأدوار وإعطاء الأوامر من دون أيّ تمييز، وكثير من الممثلين من ذوي الإعاقة يختارون بأنفسهم/ن أن يؤدّوا أدواراً شريّرة مثلاً، هذا الشيء يجعلني أتشجَّع ذاتياً بألا أنحرف عن هدفي وهو عدم إشعارهم/ن بأيّ تمييز عن غيرهم/ن".
كثيرة هي المواقف التي أثَّرت بمراد. فقد أتته امرأة ذات يوم تشكره وهي تبكي لأنه استطاع مساعدة ولدها الذي يعاني التوحّد على الخروج من "سجن" غرفته والاختلاط بالعالم الخارجي.
كما يتذكر موقفين آخرين قائلاً: "في مرة قال لي ممثّل في واحدة من مسرحيّاتي وهو شاب مُقْعَد أنه أخيراً تجاوز أزمته النفسية التي سبَّبت له الاكتئاب وكرهه لذاته من جرّاء نظرات الشفقة التي يشمله بها الناس، وكذلك ممثلة أخرى مُقْعَدة شكرتني لأنني منحتها اهتماماً كانت قد فقدته منذ وفاة والدها، حيث اكتشفت أن هذا العالم بشع ولا أحد يكترث لأمرها".
وتعليقاً منه على المُعاناة التي يعيش فيها الأشخاص من ذوي الإعاقة في الأردن من صعوبات دمجهم/ن في الحياة الطبيعية، قال مراد: "حتى أنا شخصياً واجهتني مواقف أثبتت وجود جهل مُعيب في مجتمعنا بحق الأشخاص من ذوي الإعاقة، هناك مَن قال لي مراد أنا بخاف منهم بخاف يضربوني، الغريب والمعيب النظرة المغلوطة بحق هذه الفئة، وبرأيي هذه مسؤولية مشتركة يتحمَّلها كل شخص في المجتمع".
وأضاف: "أقولها وبصوتٍ عالٍ،إن ذوي الإعاقة أشخاص زيّهم زّينا، بالعكس في مواطِن كثيرة هم أفضل منا فمن وحي تجربني اكتشفت أن لديهم/ن قُدرات هائلة جداً، من واجنبا أن نُطلق العنان لها، ليس فقط في المسرح بل في كل مجال وقطاع".
"لماذا تستخدم عبارة لا بدّ من أن تشرق في جميع أسماء مسرحياتك؟" سألت مراد أبو سرايا، وأجاب: "لأن حلمي أنه في يوم ما لا بدّ من أن تشرق لذوي الإعاقة شمس العدالة، صدّقوني هم لا يريدون نظرة الشفقة التي تنظرون بها لهم/ن هم يريدون أن تؤمنوا بأن من حقهم/ن أن يعيشوا حياة خالية من التمييز".
في المحصلة يرى مراد أبو سرايا أن الإعاقة لا تعيق ذوي الإعاقة، بل "نحن مَن نعيقهم/ن، ومَن يعيق أحلامهم/ن ومَن يخدش مشاعرهم/ن ويترك آثاراً موجعة بدلاً من أن يكون تأثيرنا طيّب بحقهم/ن"، مضيفاً: "أطمح بأن تلتفت جميع الجهات في الأردن لمُساعدتهم/ن على العَيْش في حياة تتقبّل جميع الاختلافات، وأطمح بأن تكون مساعدتهم/ن نابعة من القلب وليست استعراضاً، لأن ما ينبع من القلب يحقّق إنجازات أهم من كل الجوائز وشهادات التقدير، يكفي أنها تُجبِر الخواطر".