الأسرى الأردنيون في سجون الاحتلال.. منسيون حتى إشعار آخر
"خايفة أموت قبل ما أشوف إبني"... واقع الأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال وحال أسرهم في هذا التحقيق.
"خايفة أموت قبل ما أشوف إبني"، بهذه الكلمات تعبر المرأة العجوز عن يأسها وفُقدانها الأمل. إنه الواقع الذي تعيشه اليوم والدة الأسير الأردني مرعي أبو سعيدة، التي بات شعورها بأن يتحوَّل الحُلم برؤية إبنها إلى حقيقة أشبه بالمُستحيل.
ليس تقصيراً منها في الدفاع من أجل تحقيق هذا الحلم، بل بسبب تقصير حكومي وحقوقي وشعبي لإنصاف قضيّة الأسرى الأردنيين في مُعتقلات الاحتلال الصهيوني.
الحقيبة مركونة بجانب باب "الدار" وقائمة أغراض مُستلزمات إبنها بقيت سنوات بانتظار انطلاق صافِرة الفَرَج. أحلام أخرى رسمتها الوالدة "العجوز" اندثرت ولم يعد لها وجود. مشهد يعكس جزءاً من حال اليأس التي وصل إليها أهالي الأسرى الأردنيين في مُعتقلات الاحتلال.
يأس لم يأت من فراغ، بل من وعودٍ حكوميةٍ لم تُنفَّذ من عقود، ومن جرَّاء أصوات صدحت من قِبَل أهالي الأسرى الأردنيين بزيارة أبنائهم لم يصل صداها حتى اليوم. أصوات خرجت أثناء اعتصامات ووقفات احتجاجية مُتكرِّرة نفَّذها الأهالي أمام كثير من الأبواب الرسمية والحقوقية في الأردن، على مدار أعوام.
في حديثٍ خاص للميادين الثقافية برَّرت والدة الأسير أبو سعيدة، استسلامها لليأس قائلة: "تعبنا يمّا، وبطّلنا نصدِّق وعود الحكومة بزيارة ولادنا، حتى عيوني تعبت وبطّلت تشوف منيح"، وتضيف: "خايفة إذا قدرت يوم أزور إبني ما أقدر أشوفه".
أمّ مرعي التي شارفت على السبعين، واحدة من أهم الناشطين من أهالي الأسرى الأردنيين في مُعتقلات الاحتلال، حتى أنها معروفة لدى الوَسط الإعلامي الأردني.
وخلال مُقابلتها لوحظت حال الهرم التي وصلت إليها بعد أن كانت معروفة بتلك الأمّ القوية التي كانت تقود الهُتافات في الاعتصامات التضامُنية للأسرى، وتقول: "لله المُشتكى بطّلنا نصدّق لا الحكومة ولا منظمات حقوق الإنسان بإنه رح نشوف ولادنا، حرموني من شوفة إبني من ال 2006، لله المُشتكى ولأصحاب الضمير الحيّ".
وصادفت مُقابلتها مرور الذكرى الـــ 17 لاعتقال إبنها مرعي الذي يقبع في مُعتقلات الاحتلال، والمحكوم عليه بــ 11 مؤبَّداً.
وتبيَّن خلال حديثها أن إبنها مثل غيره من باقي الأسرى الأردنيين الذين يُمارَس عليهم تنكيل مُضاعَف عن باقي الأسرى العرب، مُستشهدة بما يرويه لها إبنها مرعي خلال الاتصالات الهاتفية التي تحدث خلال فترات مُتقطِّعة وطويلة، وإنه قال لها يوماً بأن إحدى المرات التي تعرَّض فيها للضرب من قِبًل السجَّان، قال له: "لأنك أردني بدّي أضلّ أضربك".
وعن حال اليأس التي وصل إليها أهالي الأسرى الأردنيين اليوم بعد أن كانوا حاضرين باستمرار في الشارع للمُطالبة بحقّهم في زيارة أبنائهم، تقول: "مثلي مثل باقي الأهالي، كبرنا ومرضنا يمّا، أنا ما بشوف منيح وأبو الأسير عبد الله البرغوثي صار على كرسيّ مُتحرِّك، تعبنا".
وتختم حديثها مُشيرة إلى الحقيبة التي كانت تركنها عند باب الدار، حيث كانت تضع فيها ملابس وغيارات شتوية وصيفية لإبنها، وسبب رَكْنها هناك بأنها كانت تخشى في حال هاتفتها وزارة الخارجية الأردنية بأنه سُمِحَ لها وباقي أهالي الأسرى في زيارة أبنائهم، أن تنسى من شدَّة فرحتها أن تحضر تلك الحقيبة.
ويُعدّ مطلب تأمين زيارة لأهالي الأسرى الأردنيين مطلباً قديماً جديداً ومُلحّاً، في الوقت الذي تشير فيه أغلب التصريحات التي تصدر من "اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين الأردنيين"، إلى أن هناك تضييقاً وتنكيلاً مُضاعفاً بحق الأسرى الأردنيين، لا يقتصر على منعهم من زيارات أهاليهم فقط، بل أيضاً حٍرمانهم من المُساعدات القانونية والطبية، فضلاً عن مُدَد محكوميّتهم التي تتعدَّى الخيال.
مثل محكوميّة الأسير الأردني عبد الله البرغوثي التي تصل إلى 5299 عاماً، فيما تصل محكوميّة الأسير منير مرعي إلى 5 مؤبّدات، والأسير هشام الكعبي إلى 4 مؤبّدات.
الأسير الأردني المُحرَّر والناطق الإعلامي باسم "اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى" فادي فرح، يتحدَّث للميادين الثقافية واصفاً ملف الأسرى بأنه "ملف مُهمَّش من قِبَل الحكومة الأردنية، واليوم وبعد جائحة فيروس كورونا وصل الملف وحال الأسرى إلى مرحلة حَرِجة".
ويُضيف: "بعد المُعاناة المُركَّبة التي مروا فيها وما يزالون من تعدٍّ وتنكيل وحِرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، وزجّهم بأحكامٍ ذات مُدَد جائِرة وحِرمانهم من الحصول على مساعدات قانونية وطبية، بتنا اليوم قلقين كأهالٍ ولجنة على وضعهم الصحّي بعد جائحة كورونا".
وتوجَّه فرح إلى للحكومة الأردنية بالقول: "آن الأوان أن تتَّخذ وقفة جادّة بحق أسرانا بعد سنوات من التهميش، كذلك هناك مسؤولية على المؤسَّسات الحقوقية في الأردن وحتى الشارع في العودة إلى إحياء قضية أسرانا"، وختم: "نحن معكم حتى التحرير".
وكانت اللجنة الوطنية خلال أزمة فيروس كورونا في الأردن، قد دعت في بيان لها موجَّه إلى وزارة الخارجية الأردنية، إلى تأمين تواصُل إلكتروني بالصوت والصورة مع الأسرى للاطمئنان عليهم، وهذا ما لم يحدث.
وفي شهر آب/أغسطس من العام الماضي، خرجت أخبار تتحدَّث عن مفاوضات بين الجانبين الأردني و"الإسرائيلي" لاستكمال 5-6 أسرى أردنيين محكوميّتهم في الأردن، بمَن فيهم الأسير عبد الله البرغوثي صاحب أطول حُكم في التاريخ، وأن تكون مُدَد اعتقالهم في الأردن وفق القانون الأردني، حتى أنه خرجت أصوات في تلك الفترة رافِضة لهذا المُقْتَرح خوفاً من أن تحرم الأسرى الأردنيين من صفقة تبادُل للأسرى كانت أيضاً تلوح في الأفق.
علاء برقان الباحِث والمُختصّ في شؤون الأسرى الأردنيين، قال في حديثٍ للميادين الثقافية" إنه "عندما نتحدَّث عن قضيّة الأسرى الأردنيين الذين يصل عددهم إلى 18 أسيراً، فنحن نتحدَّث عن مُعاناةٍ لعشرات السنين تبدأ منذ لحظة الاعتقال وطريقته وظروف الاعتقال القاسية، وحال الإهمال التي ترافقه مثل الإهمال الصحّي، إضافة إلى الصعيد الإنساني المُتمثِّل بمنع زيارتهم من قِبَل ذويهم، حيث حُرِموا على مدار أكثر من عشر سنوات من ذلك حتى أن بعض الأهالي توفّوا وهم محرومون من رؤية أبنائهم".
أما على الصعيد الرسمي فيُضيف برقان:" إن كان هناك عنوان لهذا الملف فعنوانه التقصير والإهمال، الجهات الرسمية تضع هذا الملف في ذيل اهتماماتها، كما أنها فوتَّت العديد من المحطّات التي كان من الممكن استثمارها للإفراج عنهم، فضلاً عن أن ذلك الإهمال تفاقم مع أزمة كورونا، حتى أننا حاولنا تأمين قنوات اتصال من خلال وزارة الخارجية للاطمئنان على صحّة أسرانا وبقيت مطالبنا حتى الآن حبسية الأدراج".
وختم بتأكيده على أن قضية الأسرى الأردنيين تتطلَّب جهداً رسمياً بمُوازاة الجهد الشعبي للإفراج عنهم، وحتى ذلك الحين يجب الإسراع في تحسين ظروف الاعتقال وتأمين زيارات لذويهم.