"حنظلة" لم يزل طفلاً.. متى نرى وجهه؟
تميزت رسوماته وشخصياتها بالنقد اللاذع والموجه والواضح... تعالوا لنتعرف إلى ناجي العلي في الذكرى الـ 33 لاستشهاده.
في مثل هذا اليوم من العام 1987، أطلق شاب "مجهول" النار على ناجي العلي في لندن قرب مقر صحيفة "القبس" الدولية. مكث الرجل في غيبوبة إلى أن وافته المنية في 29 آب/أغسطس 1987، ودفن في مقبرة "بروك وود" الإسلامية في العاصمة البريطانية.
في مثل هذا اليوم، كان للقاتل ما أراده. ناجي العلي في طريقه إلى الشهادة، بعد رحلة جعلت منه واحداً من أهمّ رسامي الكاريكاتور في العالم العربي، وأكثرهم جرأة ووضوحاً.
خلال مسيرة بدأت في العام 1962، استطاع العلي أن يمنح أعماله ميزة النقد اللاذع والموجه، الأمر الذي قلّما وجدناه عند معاصريه من رسامي الكاريكاتور العرب، وهو ما جعله أشهر فلسطيني سخّر ريشته لمحاكاة الحالة الفلسطينية في الداخل والشتات، ونقد الوضع السياسيّ العربي، بما فيه الواقع السياسي الفلسطيني.
هذا الرجل الذي تلقَّفه الشهيد الأديب غسان كنفاني، ونشر له أولى رسوماته في مجلة "الحرية"، يقال إن موهبته راحت تتفتَّح مع هذا الشكل من التعبير في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان.
المخيم الذي لجأ إليه مع عائلته آتياً من قرية الشجرة في طبريا في العام 1948، شكّلت بعض جدران بيوته وأزقته التي لا تنتهي مساحة معتبرة لناجي الطفل، ليرسم بالطباشير ما أصبح لاحقاً هدفه الوحيد: الوصول إلى فلسطين، التي رأى أنَّ الطريق إليها ليست بعيدة ولا قريبة، بل هي بمسافة الثورة.
تنقّل العلي بين العديد من الصحف والمجلات. ومع انطلاق جريدة "السفير" اللبنانية في أوائل سبعينيات القرن الماضي، ذاعت شهرته على النطاق العربي.
هكذا شقّ "حنظلة" طريقه بقوة أكبر، الشخصية الكاريكاتورية التي ابتدعها ناجي عام 1969 خلال عمله في صحيفة "السياسة" الكويتية. الطفل البالغ من العمر عشرة أعوام لن يكبر إلا بعد عودته إلى بلاده المسلوبة.
لقد أصبح "حنظلة" بمثابة علامة ثابتة في رسومات ناجي العلي. هذا الطفل الذي يعقد يديه خلف ظهره بقي بالنسبة إلى الرسام الفلسطيني توأمه. إنه، كما يصفه، "كالبوصلة بالنسبة إليّ، وهذه البوصلة تشير دائماً إلى فلسطين".
وأضاف العلي قائلاً إن "حنظلة طفل في العاشرة في عمره، وسيظل دائماً في العاشرة من عمره، ففي تلك السنّ، غادر فلسطين. وحين يعود حنظلة إلى فلسطين، سيكون بعد في العاشرة، ثم يبدأ بالكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه، لأنه استثناء، كما يعد فقدان الوطن استثناء".
وعندما سُئل عن موعد رؤية وجه "حنظلة"، أجاب: "عندما تصبح الكرامة العربية غير مهدّدة، وعندما يستردّ الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".
شخصيات أخرى ابتدعها ناجي العلي لتشارك "حنظلة" الهمّ الفلسطيني، وتشكّل ما يشبه العائلة، للتعبير عن واقع الفلسطينيين وآلامهم وإصرارهم على المقاومة. هكذا نرى شخصية فاطمة، وهي تمثل المرأة الفلسطينية الَّتي لا تساوم، وتمتلك رؤيتها الواضحة بشأن القضية الفلسطينية، وكذلك زوجها الذي يجسدّ الفلسطيني الفقير والكادح، وصولاً إلى شخصية الرجل السمين ذي المؤخرة العارية التي تمثل الزعماء العرب الانتهازيين، ثم هيئة الجندي الإسرائيلي الَّذي يقف مرتبكاً أمام حجارة الأطفال الفلسطينيين.
قبل 33 عاماً من اليوم، استشهد صاحب عبارة: "كلَّما ذكروا لي الخطوط الحمر طار صوابي. أنا أعرف خطاً أحمر واحداً: ليس من حق أكبر رأس أن يوقّع على اتفاقية استسلام وتنازل عن فلسطين".
لم يتوقف اهتمام المثقفين والفنانين العرب بناجي العلي، ووثَّقت السينما العربية حياته في فيلم من بطولة الفنان المصري الراحل نور الشريف (إخراج: عاطف الطيب - 1991)، وكذلك في وثائقي "الأيقونة" للمخرجة الأردنية هناء الرملي.
ياته في فيلم بطولة الفنان المصري الراحل نور الشريف (1991- إخراج: عاطف الطيب)، وكذلك وثائقي "الأيقونة" للمخرجة الأردنية هناء الرملي.
نعاه العديد من الشعراء والأدباء، ومنهم مظفر النواب وعبد الرحمن الأبنودي وأحمد مطر، الذي رثى ناجي العلي قائلاً: "من لم يمت بالسيف مات بطلقة، من عاش فينا عيشة الشرفاء".