كيف يفكّر المُغتصِب؟
ثلاث جرائم اغتصاب بحق أطفال في لبنان وفلسطين، ومتحرش ضحاياه عشرات النساء في مصر. لماذا نخطىء في وصفه بالمريض النفسي؟ تعالوا لنكتشف كيف يفكر المغتصِب.
في روايته "الجريمة والعِقاب" وصف الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي مَن يرتكب جريمة الاغتصاب بأنه إنسان "خارِق". قد تبدو هذه الصفة صادِمة إذ ألصقها بشخصٍ يرتكب أبشع الجرائم الإنسانية. لكن استخدام دوستويفسكي لهذا التوصيف للمُغتصِب يكشف كم أن التعميم ظالم، وأن شخصية الخارِق أو "السوبر مان" مُمكن أن يكون أصحابها أخطر الناس على كل الناس!
في تحليله لصفة الإنسان "الخارِق"، المُغتصِب، أو "القاتِل الصامِت"، كما تصفه مجتمعاتنا العربية، يقول دوستويفسكي في روايته إن: "الإنسان الخارِق يمتلك الحق، لا الحق الرسمي بل الحق الشخصي في أن يأذن لضميره بتخطّي بعض الحواجز، وذلك في حالٍ واحدة هي الحال التي يتطلّب فيها تنفيذ فكرته، وهي فكرة قد يتوقّف عليها سلام النوع الإنساني".
ربما تكون عبارة "توقّف سلام النوع الإنساني" أكثر تعبيراً لوصف المُغتصِب من صفة الخارِق. مَن يستعرض الضربات الثلاث الموجِعة التي حصلت في الأيام الأخيرة في فلسطين ولبنان ومصر، من جرائم اغتصاب ارتُكِبَت بحق أطفالٍ دون ال 14 عاماً، يُدرِك أن مَن ارتكبوا جرائمهم تلك لا تربطهم بالسلام الإنساني صلة. وأن وربط أفعالهم بدوافع مردّها إلى أمراضٍ نفسيةٍ تبرير ظالم، بحسب تصريحات حصلت عليها الميادين الثقافية من مُختصّين في عِلميّ النفس والاجتماع.
لكن قبل الخوض في التحليلين النفسي والاجتماعي، فلنذكِّر قليلاً بما حدث. في فلسطين وتحديداً في رام الله تعرَّضت طفلة ذات 12 عاماً لاغتصابٍ مُتكرّرٍ من والدها وبمُشاركة شقيقها، وفي البقاع اللبناني تعرَّض طفلٌ سوري لاغتصابٍ من قِبَل 8 شبان. أما في مصر فنشط هاشتاغ على "تويتر" يتحدَّث عن ارتكاب طالبٍ جامعي جرائم تحرّش بحق عشرات الفتيات، ومزاعم قيامه باغتصاب طفلة (14 عاماً).
ولأنه لا يجوز إلصاق صفة المريض النفسي بالمُغتصِب، تقول الأخصائيّة النفسية الأردنية عصمت حوسو للميادين الثقافية إن "هناك صورة نمطية سلبية عن المريض النفسي، عِلماً أن الأخير غير مؤذٍ وبريء من تِهَم الاغتصاب، التي هي غالباً لها علاقة بالمرض العقلي بحيث يكون هناك خَلَلٌ ذهاني"، وتضيف إن "المُغتصِبين مرضى أخلاق. وهذا معناه أن عقلهم يفشل في لجم غرائزهم الجنسية، فيكونون خاضعين لها بحيث يسمح الشخص لنفسه بأن يتحرَّش أو يغتصِب أو حتى أن يُمارِس سفاح القُربى".
واعتبرت حوسو أن "غطاء المرض النفسي للمُغتصِب هو إساءة للمرضى النفسيين، كما أنه يعفي مُرتكِب جريمة الاغتصاب من العِقاب".
ولفتت إلى أن الخَلَلَ العقلي الموجود لدى المُغتصِب ممكن أن تكون أسبابه مُرتبطة بالتنشئة أو تجارب سيّئة عاشها في الماضي، أو أن يكون تعرَّض سابقاً لضغوطاتٍ حاكمةٍ ونظرةٍ دونيّة.
لذلك، تُضيف الأخصائيّة النفسية الأردنية، إن هذا النوع من الأشخاص يتّجهون لاغتصاب الأطفال لمتعة إشباع شعورهم المفقود بالسلطة والقوَّة. حوسو كرَّرت خطورة ربط فعل المُغتصِب بالمرض النفسي، وقالت إن: "المريض النفسي إنسان مُرْهَق وهو أكثر حساسية من الآخرين ومن الظلم وَصْمه بسلوكياتٍ قبيحة".
واعتبرت أن الحد من استمرار جرائم الاغتصاب يكون عبر تعزيز الثقافة الجنسية في الأسرة والمدرسة، وذلك في ظلّ "الانفتاح الثقافي المُخيف ومرحلة اللامعيارية. فنحن مُتطّورون من الخارج لكن في دواخلنا صراعات وموروثات تجعلنا نُعاني صراعات مريرة".
سوسن بشير، الصحافية والمُتخصّصة في علوم الفلسفة، ترفض بدورها ربط فعل المُغتصِب بأسبابٍ تتعلَّق بأمراضٍ نفسية. وفي حديثٍ لها مع الميادين الثقافية ربطت ذلك بما تصفه "عقلية خياليّة بغيضة اكتسبها مَن يرتكب فعل الاغتصاب من ذكورية المجتمع، وكلما زادت هذه الذكورية كلما تصوَّر أكثر أن له أحقيّة بفعل هكذا جرائم".
وتوضِح بشير وجهة نظرها هذه بالقول إن "المجتمعات الذكورية المُتخلّفة تلوم المرأة على لباسها وسلوكها وكلماتها وضحكاتها، الأمر الذي يُعزِّز من العقلية التي تُعطي الرجلَ الأحقيّة في ممارسة جُرم الاغتصاب، ثم يليها الافتخار بالقوَّة الجسدية، حيث أن المُغتصِب يعلم بتفوّقه وقوَّته الجسدية على المرأة الطفل، ولذلك فإنه يستطيع إخضاع هذا الجسد الأضعف لغرائزه".
ترى بشير أن لدى المُغتصِب "نزوعاً حيوانياً يجعله أقرب للحيوان من البشري، ويحتاج هذا تعليماً وتلقيناً منذ الصِغَر لتقويمه"، ويعود ذلك إلى أن المُغتصِب "غالباً ما يكون نشأ في أسرة توهمه بخيالاتٍ مريضةٍ بأن المرأة لا يجوز أن تقول لا وأن المرأة هي التي أخرجت آدم من الجنة ودفعته إلى الشهوات".
من جانبه، يرى أخصائي عِلم النفس والأسرة مفيد السرحان، إن "الجريمة موجودة عبر التاريخ وفي جميع المجتمعات، لكن الواقع يُشير إلى أن مُجتمعاتنا لا تُعاني من ظاهرةٍ كبيرةٍ في هذا المجال، ومع ذلك فإن التركيز على الوقاية لمنع حدوث أية مُمارسات خاطئة هو الأساس، وفي حال وقوع أية جريمة فإن المطلوب دراسة الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى اقتراف هذه الجرائم وأن تكون العقوبات رادِعة، وأن يتمّ التعامُل معها ضمن منهج عِلمي اجتماعي يُراعي طبيعة الفعل، والحرص على أن لا تكون طريقة التعامُل الإعلامي سبباً في زيادة هذه الجرائم ونشرها وأن تصبح مألوفة".
السرحان يقول إن "التربية فن وهي أهم وأصعب عملية يقوم بها الوالدان، وهي بحاجةٍ إلى علمٍ وتوجيه، وألا تكون عملية عشوائية خصوصاً مع توافُر وسائل الاتصال والتواصُل التي صعَّبت من عملية التربية والتوجيه"، معتبراً أن الإعلام بأشكاله والأصدقاء والبيئة والمدرسة "كلها مؤثّرات قوية في عملية التربية خصوصاً وأنها لا تعمل بشكلٍ مُتناسقٍ ومُتناغمٍ ومُتكامل، بل في أحيانٍ كثيرةٍ تعمل بشكلٍ مُتناقضٍ، وبقدر ما يكون الوالدان مؤهّلين للقيام بعملية التربية وقادرين عليها بقدر ما يجعلهم قادرين على تربية الأبناء تربية سليمة تُناسب المستوى العُمري وتأخذ بالاعتبار مُتطلّبات العصر وتحدّياته، وتلاحظ أية تغيّرات تحدث على سلوكيّات الأبناء بحيث يتمّ التعامُل معها بطريقةٍ تربويةٍ مُناسبة، تصوِّب الخطأ وتمنع الانحراف وتحمي الإبن من الضياع، أو أن يكون فريسة للآخرين سواء من أقرانه أو ممَّن يكبره سنّاً ، قريباً كان أو بعيداً".
كان دوستويفسكي قد وصف المُغتصِب بالخارِق في "الجريمة والعِقاب"، لكنه أطلّ بتحليلٍ آخر عمَّن يرتكبون جرائم في ذات الرواية عندما قال: "بعضهم ينتصرون أثناء حياتهم، وهم الذين يرسلون الآخرين إلى التعذيب والاضطهاد"، تماماً مثل معنى وصف "القاتِل الصامِت" كما هو مُحبَّب بوصفه للمُغتصِب في مجتمعاتنا العربية.