إريك زمور.. المجرم يتعطش لحرب أهلية

إريك زمور، صحافي وكاتب فرنسي عنصري يطلّ على الفرنسيين لنشر سمومه. ضحاياه مسلمون ويهود وأفارقة.

ترجمة وتقديم: عبد الرحيم نور الدين

أبعدت مارين لوبين مؤسّس حزبها "الجبهة الوطنية" جان ماري لوبين، وغيّرت إسم التنظيم لمحو ماضيه العنصري، وشاركت في الرئاسيات الفرنسية الأخيرة، لكنها فشلت في الفوز بها، كما فشلت في فرض يمينيّها المتطرّفة على المجتمع الفرنسي. لكن ذلك لا يعني أن العنصرية غير موجودة في هذا الأخير؛ بل لقد ازداد نموها وتقوّت بفضل الشعبوية التي اكتسحت العديد من البلدان الغربية كنتيجة حتمية للنيوليبرالية، وكرد فعل على موجات المهاجرين التي تسارع مدّها بعد ما اصطلح عليه بــ "الربيع العربي".

لقد عرفت فرنسا - كما يرى المؤرّخ جيرار نوارييل (Gérard Noiriel) - موجتين كبيرتين من كراهية المهاجرين، كانت الأولى خلال نهاية القرن 19م، بينما همت الثانية ثلاثينيات القرن العشرين؛ لكن الحاضر الفرنسي ليس خلواً من كره الأجنبي، والمجتمع الفرنسي لم يتخلّص من عنصريته ضد كل من هو من أصول غير فرنسية، وكل من لا يتمتّع ببشرة بيضاء، وكل من لا يدين بالمسيحية، إلخ. لذلك تعتبر الكراهية تقليداً فرنسياً، على حد تعبير نوارييل.

تستهدف العنصرية اليهود وأصحاب البشرة السوداء والمسلمين (وهم في غالبيتهم عرب و/ أو ذوي أصول مغاربية) بالخصوص، وتمارس ضدهم التمييز والإبعاد. ولا تقتصر الممارسة العنصرية على العنف اللفظي بشتى أشكاله، وإنما تتحول إلى عنف فعلي تجسّد مرات عديدة في القتل كإعدام للمختلف المغاير. وليست هذه العنصرية تصرفاً فردياً عفوياً وعابراً، بل هي ممارسة منظمة تغذيها وتنظر لها وتبرّرها منظمات وأحزاب يمينية متطرّفة و"مفكرين" عنصريين مثل إريك زمور.

الصحافي والكاتب الفرنسي العنصري والرجعي إريك زمور له منابر صحفية في جرائد ومجلات، ويطلّ على الفرنسيين من خلال قنوات تلفزيونية لنشر سمومه وبث التفرقة بين الفرنسيين (إذ ضحايا العنصرية هم فرنسيون مسلمون أو يهود أو أفارقة). وهو دوماً يحقد على المسلمين ويكره الإسلام. ومؤخراً حضر في الجمعية التأسيسية لليمين التي دعت إليها واحدة من عائلة لوبين وهي ماريون ماريشال (Marion Maréchal)، وأمطر الحاضرين ومشاهدي قناة إلسيي (LCI) بسيل عنصري استهدف فيه الإسلام والمسلمين؛ الأمر الذي استهجنه الرأي العام الفرنسي واستدعى الرد الحازم على ترهاته ومطالبة القضاء بمحاكمته.

ومن بين الردود القوية، جاءت افتتاحية جريدة "لوموند" الفرنسية ليوم الأربعاء 2 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، تحت عنوان "زمور والكراهية المتلفزة"، لتكشف النقاب مرة أخرى عن العنصري إريك زمور:

من المعروف منذ عام 1945 أن الجرائم ضد الإنسانية بدأت بكلمات. أولئك الذين قدموا اليهود كشعب غير قابل للدمج ومهدد، مجرد وجوده يهدد هوية قومية ثابتة. وصمة عار، إقصاء، طرد، إبادة. "في نهاية السلسلة، يوجد المعسكر"، كان قد كتب المؤلف الإيطالي بريمو ليفي (Primo Levi)، بعد عودته من أوشفيتز.

هذه الكلمات، هذه الخطابة التي توجه إصبع الاتهام إلى جزء من المجتمع الوطني، وتُطبّع تمييزاً على أساس الأصل، أو الثقافة أو الدين، وتحبس في هوية متخيلة وتحول "الآخر" إلى كبش فداء، تشكل الأصل التجاري للمجادل إريك زمور. وهو يتلاعب ويذكّي المخاوف الحقيقية المتعلقة في جميع الأوقات بالهجرة، والتي يخلطها بأوهامه ما بعد الاستعمارية، فإنه يعرض المسلمين الذين استقروا في فرنسا كطليعة محبة للانتقام للمستعمَرين السابقين الذين جاؤوا "لاستبدال" الفرنسيين "الأصليين". كما لو أن فرنسا لم تكن دولة هجرة قديمة غنية بتنوعها، كما لو أن "المسلمين" يشكلون مجتمعاً موحداً على وشك الاستيلاء على السلطة.

خطابه، الذي ألقاه خلال اجتماع اليمين المتطرف المنظم يوم  السبت 28 أيلول/سبتمبر، من قبل مقربين من ماريون ماريشال (لوبين سابقاً، كان مملوءاً بعنف أخرق. وهو يدعو علانية إلى "القتال" ضد "جيش احتلال" قد يكون "زيه العسكري" هو "الجلباب"، ويماثل صراحة بين المسلمين وبين النازيين). لقد تجاوز مستوى جديداً في اللا مقبول بإعلانه وفاة الجمهورية والدعوة إلى حرب أهلية لصد "الغزو" و "استعادة" فرنسا الكاثوليكية الأبدية.

السيد زمور، الذي تم الحُكم عليه بتهمة "التحريض على الكراهية العنصرية"، يلقي إطنابه المكرور في العديد من وسائل الإعلام بما في ذلك "لو فيغارو" (Le Figaro) و"باريس بروميير" (Paris Première). لكن يوم السبت، خُصصت له 30 دقيقة من الكراهية من دون خصم مباشر على قناة إلسيي، التابعة لـلقناة الفرنسية الأولى (TF1) والتي تملكها مجموعة بويغ (Bouygues). إنه عار. وكما أظهر المؤرخ جيرار نوارييل، فإن المجادل يستخدم خطابة وتقنيات تشبه بشكل مدهش تلك التي استخدمها إدوار درومون (Edouard Drumont)، وهو شخصية فرنسية مثلت معاداة السامية الصراعية. قام أحدهما بتغذية الكراهية المعادية لليهود في الثلاثينيات وفي فيشي؛ ويطالب الآخر من الآن فصاعداً بالتوازي مع ثلاثينيات القرن العشرين، واصفاً التحالف المزعوم بين "ليبرالية حقوق الإغاثة الإنسانية" والإسلام بــ"ميثاق ألماني- سوفياتي جديد".

من خلال بث خطاب معادٍ للديمقراطية وذي نفحة فاشستية، من دون تريث، ومن خلال الاعتراف المحتشم بخطأ بسيط على مستوى "الشكل"، تحولت قناة إل سي إي (LCI) إلى متواطئ شريك في مقاربة سياسية مناهضة للجمهورية. لا يمكن للسباق خلف العبارات الملتهبة والإثارة الإعلامية على الشبكات الاجتماعية أن تغذي أولئك الذين يحلمون بحملة صليبية جديدة. يجب أن يتوقف إريك زمور عن أن يكون "عميلاً جيداً" للصحفيين ولوسائل الإعلام التي توظفهم. يجب أن يُعامل على ما هو عليه: منحرف ومشعل حرائق.

ضد مشروعه للحرب الأهلية، وابتذال العنصرية وتدمير مكاسب ما بعد 1945 - رفض كل أشكال التمييز، ووحدانية الإنسانية -، يجب علينا المواجهة ليس بدروس الأخلاق أو بعبارات اللعنة، بل ببديل: فرنسا فخورة بجذب عمال أجانب ومضطهدين منذ عدة قرون، وبلد غني بتنوع ثقافاته، وفي طليعة الدفاع عن كونية حقوق الإنسان.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك المقالات والتحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]