عباس بيضون: كل شيء ينتهي بالاعتياد
امتهن الكتابة منذ الصغر. كان يرى الكتب في كل مكان. عباس بيضون، الذي بالرغم من انقطاعه عن الكتابة لسنوات بسبب ما يُسمّيه، الكسل، فقد قرّر أن يكون كاتباً. "كنت موقناً بذلك"، يقول. عباس بيضون ليس سعيداً بدنو نهاية إرث الكتابة التقليدية الطويل، لكنه لا يحمل موقفاً مسبقاً من تحوّل التكنولوجيا إلى جزء من طقوس الكتابة على أنواعها. بعد فترة سيسعى جاهداً للإنتقال كلياً إلى الكتابة على الحاسوب. لكن قلقه الوحيد يتمثل في أن الحاسوب المحمول قد يتعارض مع عادات بيضون الكتابية. ذلك أنه يكتب وهو مستلقٍ على السرير. التحرّر من العادات الكتابية قد يكون واحداً من أية مشكلات محتملة قد يواجهها. أما غير ذلك فليس لدى بيضون ما قد يثير الخوف حيث كل شيء ينتهي بالاعتياد. هنا المقابلة التي أجراها معه الميادين نت:
عباس بيضون: أنا لست سعيداً بهذه النهاية
للنص تاريخ ولادة. متى أبصر نصّك الحياة؟
الواقع إن الأمر بدأ
مبكراً. فأنا من عائلة تمتهن الكتابة. أبي كاتب وكذلك جدّي. منذ طفولتي وأنا أرى
الكتب في كل مكان، فقد كانت لدينا في البيت مكتبة. أظن أنني باستمرار كنت ميالاً
للكتابة، حتى في موضوعات الإنشاء في الصف. كنت أحاول أن أكون كاتباً. أذكر أن هناك
موضوعاً كتبته شعراً. ونشرت أول ما نشرت في جريدة النهار قصيدة لم تعد لدي الآن.
كنت يومئذ في فتوّتي. هذا لا يمنع أني كنت كسولاً وتوقّفت لسنوات عن الكتابة.
صرفني العمل السياسي عن الكتابة والكسل أيضاً. حتى أنني توقفت لسبع سنوات كاملة عن
كتابة الشعر ثم عدت إليها. لكني كنت موقناً أنني بالدرجة الأولى كاتب وأنني سأكون
كاتباً.
هي علاقة وجدانية قائمة على وعي مبكر بأنك لن تكون إلا كاتباً؟
نعم، كنت كاتباً وقرّرت ذلك.
تأسّست علاقتك بالنص على الورقة والقلم. هل شعرت بسطوة التكنولوجيا على عالم الكتابة والنشر؟
أنا لست سعيداً بهذه
النهاية. أظن أن أمامي الوقت لأباشر الاعتماد على الحاسوب والتكنولوجيا. في الواقع
أنا في عملي في السفير عندي حاسوب، وأعتمد عليه كثيراً. فالموضوعات تُرسل لي عبره
وأنا اختارها وأرسلها إلى المطبعة. بالتالي لست بعيداً جداً من التكنولوجيا. وأنا
أكتب أحياناً مقالات قصيرة على الحاسوب، للسفير ولغير السفير. لكني بشكل عام ما
زلت أعتمد القلم والورق.
لماذا؟
ليس هناك قرار. في الواقع
هناك رهبة أمام الحاسوب. هناك التقليد والعادة. سلطة العادة.
وكيف ستتخلّص من هذه السلطة؟
ليس هناك موقف. لست ضدّ
اعتماد الحاسوب. لست مصرّاً على بقاء الورقة والقلم. قد يأتي يوم ليس بعيداً أكتب
فيه على الحاسوب. حتى الآن لا أمتلك في بيتي حاسوباً واعتمد على حاسوب الجريدة.
الآن والجريدة على وشك الإقفال سأشتري حاسوباً لي في بيتي، وسأباشر الكتابة عليه.
أظن أنني في المرحلة اللاحقة سأعتمد عليه وسأمارسه بسعة. وربما أكتب كتبي أيضاً.
قد تكون على وشك الدخول تماماً إلى عالم الكتابة الإلكترونية. هناك بعض الكتّاب قرّروا عدم ولوج هذا العالم لخوفهم على علاقتهم الوجدانية بالنص، لشعورهم بأن شخصية النص التي تتمثّل في شكل خطه ولونه وهويته على الورق قد تُمحى. هل يعيش عباس بيضون هذا الخوف؟
لا أبداً. الحاسوب يسهّل
الأمور كثيراً. ما يقدمه من خدمات للكاتب لا يمكن تجاهلها. أما صلة الكاتب بنصه،
وخطه، صلة يمكن تفاديها وتجاوزها. قد لا يحصل هذا بسهولة. الانتقال من طريقة إلى
طريقة لا يتم بسهولة، ولكن ما تقدمه التكنولوجيا للكاتب ينبغي ألا يتم تجاهله. على
كل حال لا أستطيع أن أدّعي ذلك، فأنا لا أزال إلى الان أكتب بالقلم. أحد أسباب
كتابتي بالقلم هو عاداتي الكتابية. فأنا أكتب وأنا في السرير. لا أعرف إذا كان
الحاسوب يساعد في هذا الوضع. في الكتابة بالقلم والورقة أو في الكتابة على الحاسوب
حتى على الصعيد الشخصي، لا أظن أن النص يخسر ما نظنّه شخصياً. أعتقد أننا ننتهي
بالاعتياد على الحرف المطبوع. للحرف المطبوع فوائد وميزات لا نستطيع أن نغفل عنها.
فنحن نستطيع أن نلعب بالنص، أن نحشر فيه مقاطع أو نحذف، أن نفعل كل هذا بسهولة.
الكتابة على الحاسوب أكثر عملية.