حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة على المجتمع

يُعاني بعض الأفراد في المجتمع من أمراضٍ أو إصابات قد تحدّ من قدراتهم العقلية أو الجسدية أو النفسية، والتي بدورها تؤثّر بشكلٍ أو بآخر على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، لذا فهم يحتاجون إلى عناية خاصة تتناسب مع متطلّباتهم واحتياجاتهم المختلفة، ويختلف حجم المشكلة التي يعاني منها هؤلاء الأفراد من فئة (ذوي الاحتياجات الخاصة) من مجتمع إلى آخر، وذلك تبعاً لعدد من المُتغيّرات، أهمها المعيار المُستخدَم في تحديد مفهوم ومعنى كل فئة من تلك الفئات، ومن ثم تأتي المُتغيّرات المُتعلّقة بالعوامل الصحية والاجتماعية والثّقافية وغيرها.

ذوي الاحتياجات الخاصة قضية مجتمع و ليس فرد
تبلغ نسبة انتشار حالات ذوي الاحتياجات الخاصة (الإعاقة) بشكل عام بالنسبة لعدد السكان بحسب المصادر والدراسات 3% -10% من سكان أي مجتمع، وقد ترتفع النسبة في بعض المناطق لتصل إلى 12% وذلك بحسب الظروف، أما في الوطن العربي فلا تختلف النسبة (هذا إذا لم تكن أكثر)، كما بيّنت الدراسات التفصيلية أن أكثر من نصف هؤلاء المُعاقين المُسجّلين هم دون سن الخامسة عشرة، وأن حوالى الثلث هم ممن فوق سن العشرين، وأن أكثر من 71% من هؤلاء الأفراد هم من فئة الأمّيين (غير المُتعلمين)، والأخطر من ذلك كله أن نسبة كبيرة منهم لا يتلقّون أيّ نوع من أنواع الخدمات الطبية أو التّعليمية أو الإجتماعية، بالإضافة إلى عدم اندماجهم في المجتمع بالشكل الذي يحترم مُتطلّباتهم ووجودهم الإنساني على أقل تقدير.

فالإنسانية الحقّة وعلى مرّ العصور كانت تدعو دائماً إلى ضرورة الاهتمام والعناية بالإنسان كفرد، أياً كان هذا الإنسان وبغضّ النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه، والعمل بكافة الوسائل والطُرق على توفير الحياة الكريمة له والاستفادة الكاملة من مختلف أنواع الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية المُقدّمة، وكل ما من شأنه أن يُشعِر هذا الفرد بإنسانيّته والإحساس بوجوده في هذه الحياة، وإذا كان كل ذلك مطلوباً على هذا النحو للإنسان العادي السويّ، فإنه أكثر إلحاحاً في الطلب للإنسان الذي أبتلي بأية نقص أو قصور في أيّ جانب من جوانب النمو الإنساني كالجسمي أو العقلي أو النفسي (ذوي الاحتياجات الخاصة).

لهذا فإن قضية ذوي الاحتياجات الخاصة (الإعاقة) من القضايا التي تتطلّب استنهاض الهِمَمَ من الجميع وحراك عالمي من كافة القطاعات العامة والخاصة، كما أنها قضية لا تقتصر على الدور الفردي فحسب وإنما هي قضية مجتمع بأكمله، ولا تحتمل أيّ شكل من أشكال التّهميش أو التقصير، لأنها قضية تعدّدت جوانبها واكتسبت أهمّيتها في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، وذلك نظراً لازدياد عدد الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة على مستوى العالم.

هذا وتكمُن أولى الخطوات في معالجة هذه القضية المُهمة والحسّاسة، ببذل الجهود الجبّارة لخلق بيئة مُناسبة لهذه الفئة المُهمّشة من الناس، والعمل على توفير وتسهيل الوسائل والآليات لمشاركتهم في الحياة العامة والانخراط فيها كأيّ فرد طبيعي في المجتمع، ويكون ذلك من خلال تأهيل وتعليم وتدريب كل شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة حتى يتكيّف مع محيطه ومجتمعه، بالإضافة إلى إيجاد بيئة وظروف طبيعية قَدر الإمكان، بحيث تكون خالية من العوائق وشاملة لشتّى جوانب ومرافق الحياة العامة من مواصلات وتعليم وصحة وغيرها من الأمور التي تسترعي فائق الاهتمام لدى هذه الشريحة من المجتمع، وذلك حتى يتم ترسيخ مبادئ التعاون المستمر بين هذه الفئة الخاصة والمجتمع عامة، وطبعاً من دون أن نغفل عن وضع البرامج التربوية والإعلامية المُتكاملة لإزالة بعض الأفكار السلبية العالقة في أذهان المجتمع وأفراده إتجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، والتي تحول دون دمجهم ضمن فئات المجتمع المختلفة.

كما وينبغي أن تخطوا الحكومات في جميع دول العالم خطوات ثابتة وسريعة نحو تحقيق أهداف هذه الفئة من المجتمع وتطلّعاتهم وتغطية احتياجاتهم الضرورية، وأن يأخذوا على عاتقهم أيضاً ضمان حقوقهم كجزء من المساواة والعدل والموازنة بينهم وبين حقوق الأفراد العاديين، ومن أبرز هذه الحقوق هي رعايتهم صحياً واجتماعياً ونفسياً واقتصادياً، ويكون ذلك عن طريق حفظ كرامة هذه الفئة وتوفير التعليم والتأهيل والعمل والصحة وغيرها الكثير مما أشارت إليه المواثيق الدولية لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وأبرزها وفي مقدّمها إعلان الأمم المتحدة حول حقوق المُعاقين والذي من أهم مواده:

- يتمتّع المُعاقون بجميع الحقوق التي لا يتضمّنها هذا البيان (حقوق الإنسان)، وسيُمنح المعاقون جميعهم هذه الحقوق من دون استثناء، ولا تمييز بعرق أو لون أو جنس أو لغة أو سياسة أو طبقة أو قرار أو أي أمر يتعلّق بالمُعاق نفسه أو بعائلته.

- للمُعاق حق مُكتَسب في الحصول على الاحترام، ومهما يكن سبب الاعاقة وطبيعتها وخطورتها، فللمُعاق الحقوق الأساسية نفسها كما لمواطنيه الذين هم في سنّه، وهذا يعنى في الدرجة الأولى حقّه في حياة كريمة مهما أمكن ذلك.

- للمُعاق الحقوق المدنية والسياسية نفسها التي للأشخاص الآخرين.

- للمُعاق الحق في الكشف المُبكر عن نوع عجزه والاستشارة الطبية.

- للمُعاقين الحق في الاستفادة من الخدمات الطبية بما في ذلك الجراحة الترقيعية (إضافة عضو صناعي) أو إعادة التأهيل طبياً والمشورة في صَدَد التوظيف وسوى ذلك من الخدمات التي تؤهّل المُعاقين لتنمية قدراتهم ومواهبهم وتُسرّع عملية اندماجهم في المجتمع.

- للمُعاقين الحق في التعليم الأساسي والثانوي، وأن تتكفّل الحكومة بكافة التكاليف في هاتين المرحلتين من قرطاسية ومناهج مدرسية كسائر الطلاب العاديين، بالإضافة إلى الحق في التعليم الجامعي وإكمال دراستهم على الوجه الأمثل، وتأمين مقاعد دراسية لهم بالإضافة إلى التدريب.

- للمُعاقين الحق في ضمان اقتصادي واجتماعي وفي حياة كريمة، ولهم الحق حسبما تسمح إعاقتهم في الاحتفاظ بعملهم أو شغل وظيفة مُفيدة ومُنتجة ومُريحة وفي الانضمام إلى نقابات العمال.

- تؤخذ الحاجات الخاصة للمُعاقين في الاعتبار في كل مراحل التخطيط الاقتصادي والاجتماعي.  

- للمُعاقين حقّ العيش مع عائلاتهم أو مع والديهم بالتبنّي وحق الاشتراك في كل الأنشطة الاجتماعية والإبداعية والاستجمامية، ولن يتعرّض أيّ مُعاق لأيّ تمييز في المعاملة في ما يخصّ المسكن إلا إذا استدعت حاله ذلك أو إذا كان ذلك يُسفِر عن تحسّن في حاله، وإذا كان بقاء المُعاق في مؤسسة خاصة أمراً لا مفرّ منه فيجب أن تتوافر في المؤسسة شروط تؤمّن له حياة أقرب ما تكون إلى الحياة العادية لأيّ إنسان في سنّه.

- تؤمَّن للمُعاقين حماية مـن كل أشكال الاستغلال والتمييز والظلم وانتهاك الكرامة.

- يكون في وسع المُعاقين الإفادة من الخدمات القانونية متى كانت هذه الخدمات ضرورية لحمايتهم وحماية ممتلكاتهم، أما إذا رُفِعت ضدّهم دعوى قضائية فسوف تؤخَذ حالهم الجسدية والعقلية في الاعتبار.

- تؤخذ مشورة المؤسسات المعنية بالمُعاقين للإفادة منها في ما يتعلّق بحقوقهم.      

- الحق في المشاركة في سياسة الدولة الاجتماعية والحق في الاختيار واتّخاذ القرارات.

- الحق في الزواج والإنجاب. 

-  الحق في التنقّل والسفر والترفيه.

- الحق في ممارسة الأنشطة الرياضية وأن تُخصّص لهم أماكن مُخصّصة من الدولة.

- تأمين المرافق العامة التي تتناسب مع احتياجاتهم وقدراتهم.

- نشر الوعي والاهتمام بقضيتهم، وعدم فصلها عن قضايا المجتمع.

لهذا فإن على كل مجتمع سواء كَبُر أو صَغُر أن يعتني بأفراده من ذوي الاحتياجات الخاصة وأن يعطيهم الفرصة لممارسة حقوقهم الآدمية في كافة المجالات ونواحي الحياة، وأن يكونوا أفراداً قادرين على العمل والإنتاج والإبداع، ما يثمر عن مجتمع مدني وقوي يساهم جميع أفراده ومكوّناته بطاقاتهم في خدمته والسهر على حمايته والتقدّم به نحو مستقبل مُزدهر.