فلسطين الداخل ..طائر الرعد
طوبى للتُّراب والثَّرى.. ما وَدَّعَكَ وما قَلى
إلى فلسطين الداخل: الداخل إليها، مولود، موجود، وموعود بالنصر. أما المُغتصِب، الطارئ عليها، فهو مفقود، مفقود.. ليدخلها أهلها الصامدون والعائدون.
***
إلى سميح القاسم: طائر الرعد، الشاعر الفلسطيني المقاوم، إبن قرية الرامة. قصائده تهدر كالرعد، تقصف كالبرق، في الوجدان.
إنه من رموز فلسطين الثقافة، فلسطين المقاومة، فلسطين العناد، فلسطين البلاد التي اجتمعت فيها كل الأوطان.
كانت وما تزال قصائده ذُخراً وذخيرة للروح. كانت وما تزال نبراساً عَرَّف الأجيال بأعدل قضية في العالم. لقد شَكّل الأدب الفلسطيني قُبّةً روحية، لا تنفذ منها صواريخ التطبيع. فالقدس بوصلة، والموقف إمتحان.
لقد استطاع الأدب الفلسطيني أن يجعل فلسطين مُرادِفة لكل القِيَم العُليا والنبيلة، إنها جوهر الإنسان. إن الأدب والفن الفلسطينيين، المنهل الروحي الذي تَمْتَح منه الأرواح المقاومة، في كل زمان ومكان. فلا عجب أن تئد الصهيونية الأدب جسدياً؛ باغتيال الأدباء - وهم عُراة الصدر والظهر والرأس - وحَرْق المداد، ونسف المكتبات، تهيّباً من أن تكون حروف العودة عنواناً.
وتجعل من التقنية جسراً للعبور نحو الهمجيّة، تحاول أن تهيل الحديد على الروح، وتشفط الهواء الذي ينفخ في ناي البدو أعذب الألحان. لكن تفضحهم صفّارات الإنذار، سمفونيّتهم الوحيدة. لتقول لهم ما تبقّى منكم إلا صدأ الروح وصديدها.
الزيّ المطروز، الكوفية المُزَخْرفة، الحجر المنقوش، المفتاح الموروث.. المغزل البسيط يحيك ويحكي ويسخر من قبَّة حديدية يفلت منها النور، وتقول لهم إحدى الجدّات: لا يمكن للغُربال أن يحجب ضوء الشمس، فهذه البلاد يستحيل تسقفيها بالحديد! لأنها بِنْتُ المتوسّط، قُبّتها شمس وأجنحتها ماء، إنها مُلتقى السماء والأرض، أجمل الأمنيات، فلسطين أميرة البلدان.
***
1
سميح أيا سماحة الناس سَمْحٌ أنْتَ، نارُ حَماسَتِكَ، حُسام القاسمِ حَسْم
مُتَيّم الرّامَة الرَّهينة، كِناسُ الآدمي الدّامي، دُمى طفلة دامِية، سَمْح
يئن ناي فلسطيني والأنين أنت، والأمل يَنْأى فَيَدنو منكَ يا حلم
حُلْم حبيبة، مِلْح قصيدة، حِبْرٌ مسكوب من شَرَرِ الحُباحِب.. دَواة البدو
أحمر هذا القلب، أغسطس أبكيتني..أأنت الوطن؟ أم أنت المنفى والبُعد؟
لِماماً شَنْفَرِيَّتُك، لَمْلَمْتَ ريشَ المَلاكِ في الأزَلِ،لامِيّةُ القَلَمِ بَلْسَمُ الأَبَد
قَصْفَةُ زَيْتون، قَمَرٌ أحمر (1)، قوتُ أفراخ قتْلى، قَبَس قُبْلة، سَماء تُمْطر
أَفْنان ُطُفولتكَ عادَتْ لِمُروجِها، جَسَدُكَ الآن حُرّ، على تلالها يسمو
سِلْمُ المسالمين في ليل الذئاب أَسِنَّةٌ، كَلامُكَ ترس سَلامِك الأبي
محمود.. محبوب.. قصائدُكَ تُدْفِئُنا.. تُسْكِرُنا، أيا طائرَ الرّعد (2) سَلّمْ على درويش.
2
في الأزل جِراحٌ لانَتْ وأخرى لاحَتْ.. ما هَدَّكَ عَدُوُّ الشّمْس (3)
لعظامكَ نَدى الأَرض.. أَغْصانُك لأَشْجارها عادَتْ
سَلامٌ غير مُسْتَسْلِمٍ.. غَزّةُ في احتضارك أبانَتْ
طوبى للتُّراب والثَّرى.. ما وَدَّعَكَ وما قَلى
يُسْكِرُني هذا القصيد.. وهذا الحديد يُدْميني
ناحَتْ حمامة على قبرك الفارع، قل للمعري..أَنَّتْ، فَغَنَّت على غُصْنِها المَيّاد.
***
الرامة: قرية الشاعر سميح القاسم بفلسطين. فيها ولِد وفيها دُفِن.
الآدمي: غزال الجبل.
الحباحب: ما تطاير من شرر النَّار في الهواء من تصادم الحجارة أو نحو ذلك.
الشنفرى: من الشعراء الصعاليك العظماء. مشهور بلامية العرب. كان سميح القاسم مُعجباً بشعره وشخصيته كثيراً.
1 - من قصيدة مُنتصب القامة أمشي: سميح القاسم
2 - طائر الرعد: أحد ألقاب سميح القاسم.
3 - من قصيدة سأقاوم: يصف فيها العدو الصهيوني بعدو الشمس.
ملاحظة:
*الحروف التي تتكرَّر داخل القصيدة هي من الحروف المكوّنة لسميح القاسم.
* الحروف الأولى لكل سطر عمودياً هي إسمه، ثم الحروف الأخيرة من كل سطر لشاعر آخر من طينته.
* هذان الإسمان لهما علاقة بالحروف الأولى من أسطر الجزء الثاني. وهو الإسم الذي يستحقّ الحياة.