حكومات الأزمات ونقطة الصراع.. كل الطرق تؤدي إلى الأزمة
ليس الحديث عن المنافسة القائمة بين طرفي المعادلة السياسية في الكيان الصهيوني هو من يحرك التقديرات والتحليلات المتشائمة، بل التحذيرات المتصاعدة من الخطر الحقيقي الذي يشكله أعداء الكيان الصهيوني.
بعد 3 سنوات أُجريت فيها 5 جولات انتخابية في "إسرائيل"، شُكّلت الحكومة الحالية المتولدة من أزمات مستمرة لا يمكن إيجاد حلول لها. لذلك، فإن الجولة الأخيرة التي فاز فيها رئيس حكومة الكيان نتنياهو وعاد من خلالها إلى الحكم، لم تكن النتيجة في صالحه تماماً، فمنذ أن تم تشكيل الحكومة الجديدة بمركباتها الأكثر تطرفاً في الكيان، أصبح من الواضح أن نتنياهو أسير للتحالف المتعاقد معه، وأسير أيضاً لمنصب رئيس الوزراء الذي يَحُول دون خضوعه للمحاكمة كمجرم جنائي.
وقد بدأ منذ توليه منصب رئيس الحكومة إخراج مشاريع تشوّه الوضع القانوني القائم، كانت قد اختمرت على مدى سنوات في الغياب، وهي تظهر في المشهد اليومي في الفعل الحكومي اليوم كقوانين تشريعية بصيغ مختلفة وصلت إلى 141 قانوناً.
تستهدف القوانين تغييرات جوهرية في منظومة القضاء والحكومة، مشكّلة بذلك فتيل اشتعال لدى مجموعة كبيرة من المستوطنين في النسيج الاجتماعي والسياسي، تدفعهم نحو التمرد والتظاهر ضد هذه التعديلات القانونية، مع الأخذ بالاعتبار أن العنوان الكبير لهذا الانقلاب القانوني، هو بإعادة "مسار الديمقراطية" إلى الوراء وفقدان التوازن بين مركبات الحكم في الكيان.
لكن حقيقة الأمر تبدو أعمق من ذلك، فسيطرة اليمين الصهيوني بالكامل على مقاليد الحكم جعلتهم للمرة الأولى يطبقون جميع الأفكار المتطرفة والأحكام العنصرية ضد الكل الآخر نحو "خلاص الأرض المقدسة" من كل المخالفين لهم، ليكون التساؤل هنا، بعد 75 عاماً من قيام الكيان الصهيوني والتزامه بقوانين الأساس المعمول بها في النظام التشريعي: هل تبيّن لقادته اليوم أن مسارهم كان غير ديمقراطي؟
وقد أكدت قيادة المعارضة أن هذه التعديلات التي تستهدف قوانين الأساس المعمول بها منذ قيام الكيان ليست إلا انقلاباً قانونياً من أجل تثبيت شخص نتنياهو في السلطة، مع لوائح الاتهام الموجهة ضده بتهم فساد ورشى وغيرها.
وبالتالي، فإنَّ المعارضة اتخذت قراراً منذ البداية باللجوء إلى حركات الاحتجاج السلمي، كالتظاهرات التي تعمّ الشوارع الرئيسية وإغلاق الطرقات ومراكز المدن، معطلةً رتابة حياة مستوطني الكيان، ليكون ذلك مقدمةً لثورة حقيقية ضد التحالف الحاكم، عبر الإضرابات العامة في جميع مناحي الحياة، وصولاً إلى رفض عناصر وضباط الأمن والجيش الالتحاق بالمواقع القتالية والأمنية.
تحول المشهد القائم إلى السيناريوهات الأكثر قتامة، فليس الحديث عن المنافسة القائمة بين طرفي المعادلة السياسية في الكيان الصهيوني هو من يحرك التقديرات والتحليلات المتشائمة، بل التحذيرات المتصاعدة من الخطر الحقيقي الذي يشكله أعداء الكيان الصهيوني.
ومع المغامرة التي أقدم عليها نتنياهو بإقالة وزير الحرب (غالانت)، التي أظهرت حقيقة الانقسام الحاصل داخل المنظومة السياسية، إضافة إلى توسع الصدع بين مركبات الكيان الصهيوني الاجتماعية والسياسية، نعلم بأن التحذيرات السابقة ليست عبثية؛ فعندما تتزعزع ديمقراطية المستعمرة، ويتخلف عنصر الأمن والجيش عن القيام بمهامه، فإن خطر أعداء المستعمرة يصبح حقيقياً.
وبناء عليه، أقدم إيهود باراك وموشي يعالون وغيرهما من الشخصيات الأمنية والسياسية البارزة على إرسال مذكرة إلى نتنياهو، مفادها عقد جلسة أمنية طارئة في المجلس الأمني المصغر (الكابنيت) من أجل قراءة التهديدات الحقيقية التي أشارت إليها الأجهزة الأمنية الرئيسية الثلاثة: الموساد والشاباك وأمان.
وقد أشارت إلى أنَّ التعديلات القضائية كان لها تأثير مباشر في نشاطات الكيان الأمنية، ما أعطى الفرصة لأعداء الكيان ليعيدوا حسابات المعركة التي أصبحت على الأبواب، والتي قد تشتعل في أي لحظة، لتتغير نقطة الصراع من التنافس السياسي القائم داخل الكيان إلى الجانب الآخر الذي يعبر عنه أعداء الكيان الصهيوني، وعلى رأسهم محور المقاومة الذي يتحيّن الفرصة المناسبة لساعة الصفر، فهل أصبح محور المقاومة مستعداً للمعركة؟