تطهير عرقي جديد
في غضون أربعة أيام فقط تم تنفيذ 85 عملية إرهابية استيطانية من قبل هؤلاء القطعان ضد الفلسطينيين.
إن ما يحدث في الأيام الأخيرة في القرى والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، من قبل قطعان المستوطنين الملقبين بـ "فتيان التلال"، وكما كنّاهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون، عندما وجه نداءه لهم وأمرهم بالركض والعدو نحو سفوح التلال لاحتلالها والاستيطان بها، ليس مجرد ردة فعل طائشة من قبل شبان فار دمهم عندما قتل أربعة منهم في عملية عيلا البطولية، التي نفذها الشهيدين مهند شحادة وخالد صباح قبل عدة أيام، وإنما هي مذابح ممنهجة ومدروسة ضمن خطة تم التخطيط لها من قبل زعامات الاستيطان الصهيوني، التي تغلغلت في أروقة الحكم، والتي تتحكم اليوم بأهم مفاصل الكيان.
إن هؤلاء المستوطنين قد تشربوا عقيدتهم الأيدولوجية من المدرسة التي تخرج منها بن غفير وسموتريتش، وهي مدرسة جوش إيحونيم المسيحية التي تأسست عام 1967 بإلهام من الأب الروحي الراب تسفي كوك، والتي تعد رأس حربة الاستيطان وتدعو إلى "إقامة الدولة اليهودية" على "إسرائيل الكبرى"، وتمنع التنازل عن أي شبر، كما وتعتبر الفلسطينيين بأنهم محتلون لأرضهم، ويجب قتلهم وطردهم من هذه الأرض بأي ثمن.
في غضون أربعة أيام فقط تم تنفيذ 85 عملية إرهابية استيطانية من قبل هؤلاء القطعان ضد الفلسطينيين، ما بين حرق للمنازل والسيارات وتحطيم الممتلكات، وقلع للأشجار وتدنيس المساجد وحرق للمصاحف واعتداء بالضرب المبرح للمواطنين والمزارعين، بالإضافة إلى الإعلان عند شرعنة 7 بؤر استيطانية جديدة لبناء 4500 وحدة سكنية.
يحاولون إعلامنا بتبرير ما حصل على أنه ردة فعل المستوطنين على عملية عيلا، إلا أنه في الحقيقة ما هذه الجرائم وعمليات الاستيطان إل اغيض من فيض، وحلقة في سلسلة خطوات تطبيق "خطة الحسم" التي وضعها المستوطن الحاقد "سموتريتش"، والتي دعا بها إلى كي الوعي لدى العالم والعرب والفلسطينيين بالتحديد، بعدم إمكانية حل الدولتين التي من الممكن أن تمنح الفلسطينيين حكم ذاتي على بقعة صغيرة من أرض فلسطين، وذلك عبر زيادة وتكثيف الاستيطان بالضفة الغربية والتي ستؤدي عمليًا إلى ذم الضفة الغربية، وإبقاء خيارين فقط أمام الفلسطينيين في الضفة الغربية:
إما التنازل عن الطموح الوطني الفلسطيني، والبقاء دون أي حقوق أو رفض التنازل والطرد والتهجير عنوة.
وكل ذلك ظهر جليًا في خطاب سموتريتش الأخير في فرنسا، وهو يضع خلفه خارطة "إسرائيل" الكبرى التي تضم الأردن، حينما أكد على نقطتين لصهر الوعي لدى العالم والعرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص، بأنه لا يوجد هناك شعب فلسطيني ولا يوجد شيء اسمه دولة فلسطينية، ولا سيما حينما قال معقبًا: "ليسمعوني في الأليزية والبيت الأبيض".
وبالمناسبة فقد كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بأن هنالك اتصال دائم وتوجيه مباشر بين قطعان المستوطنين، والقيادة السياسية اليمينية المسيحية المتطرفة، وعلى رأسهم بن غفير وسموتريتش.
وعلى خلفية هذه الحقائق التي أصبحت تتجسد بالأفعال والمذابح اليومية وأصبحنا نراها كل يوم، لا بد لنا من صحوة جماعية لكل ما يدور من مؤامرات ومخططات لقلعنا من بيوتنا وأراضينا، فكما يقولون: "في البدايات ترتسم النهايات، فإن تجرؤوا اليوم على ترمسعيا وأم صفا ولُبُن الشرقية، سنجدهم غدًا في قرى الخليل وبيت لحم يعربدون ويحرقون ويقتلون".
والسؤال الحاضر الذي يجب أن يلاحقنا ويؤرق نومنا، لكي نُعد له الجواب هو: ما الذي يمنعه من ذلك؟
فنحن اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن نستسلم ونرفع الراية ونعيش دور الضحية وننتظر الجزار للوصول إلينا، وإما أن ندافع عن أرضنا وأهلنا وأملاكنا ونُعد العدة لمواجهة هذا المخطط الاستيطاني بكافة الأساليب المتاحة والمبتكرة.