الأندلس في كتابات بعض الأدباء الإسبان
كانت الأندلس أرضاً خصبة وملتقى هاماً لثقافات هامة وسمت الشخصية الأندلسية بوسم خاص مقارنة مع بقية المناطق في شبه الجزيرة الإيبيرية.
في تلك اللحظة اكتشفت هذا الكتاب الذي أخضعه ها هنا إلى قراءة بسيطة. وهذه النسخة التي أتوفر عليها أكبر مني سناً ذلك أنها صدرت في مدينة مدريد سنة 1980 عن دار نشر هي تكنوس، س. أ. أي أن عمرها 36 سنة إلى حد الساعة. صاحب المؤلف هو خوسي أنطونيو بيرث ريوخا (1917 - 2011). هو كاتب إسباني مشهور جداً. ولد في مدينة غرناطة في منطقة الأندلس حيث كان يشتغل أبوه مصوراً قبل أن تنتقل عائلته إلى العاصمة مدريد حيث سيحصل على شهادة البكالوريس وبعدها على الدكتوراه. تسع أعماله تخصصات معرفية شتى مثل الأدب، الفن، التاريخ، الفلسفة، اللسانيات، عالم المكتبات وفقه اللغة الكلاسيكي بالدرجة الأولى بحيث يشكل تخصصه الأكاديمي الأول. وقد فضل الاستقرار في مدينة صوريا Soria التي أشرف على إدارة مكتبتها العامة إلى أن تقاعد سنة 1983. له مجموعة من المؤلفات التي لا يتسع المجال لذكرها جميعا ًلكن ما لا يؤخذ كله لا يهمل جلّه كما قالت العرب، لهذا نعرج على أهمها بحيث يمكن أن نذكر: 1- نحو اللغة الإسبانية (1952). 2- ألف كتاب للشباب (1955). 3-التربية والتنمية الاقتصادية (1964). 4-بيبليوغرافيا صوريا (1975). 5-الأدب الإسباني في جغرافيته (1980). 6- غوستافو أدولفو بيكر (1989). 7-القراءة من أجل الحياة (1993). 8- مدح الكتاب (1995). أ- عن الكتاب إذاً يتعلق الأمر بكتاب من حوالي 650 صفحة، وقد صدر في مدينة مدريد سنة 1980. يرى مؤلفه خوسي أنطونيو بيرث ريوخا بأن تناوله للأدب الإسباني من وجهة نظر مكانية هو في حد ذاته شيء جديد بالنسبة للدراسات الأدبية عامة. والكتاب مقسم إلى قسمين بحيث خصص القسم الأول منه للحديث عن إسبانيا ككيان: خصائصها العامة، ملامح أدبها، ثم إسبانيا في عيون الأدباء الإسبان أنفسهم وفي عيون الأغيار أي الأجانب. أما القسم الثاني فدرس فيه الأدب الإسباني انطلاقاً من منظور مكاني يعتمد التقسيم الجهوي. وهكذا نجده يتعرض للأدب في منطقة أو جهة الأندلس، كي نسوق مثالاً فقط، فيتطرق لأهم كتابها بحسب المدن التي تدخل تحت لواء هذه الجهة بالترتيب ثم صورتها في عيون الزوار الأجانب منذ قديم الزمان. ومن حيث الزمان يتضح أن المؤلف خوسي أنطونيو بيرث ريوخا قام بتتبع ورصد سكنات وحركات "الأدب الإسباني" وذلك منذ القرن السادس الميلادي إلى حدود القرن العشرين؛ أي على امتداد أربعة عشر قرناً. وإذا كان هذا الكتاب من الأهمية بمكان على أكثر من مستوى وصعيد، فإننا نأخذ عليه عدم التمثيل والاستشهاد بما كتبه أدباء إسبانيا المسلمة أي الأندلس عن الأندلس وفي الأندلس واكتفى هذا الأخير بذكر أسماء بعضهم بحسب مدن مسقط رأسهم كإبن الآبار وإبن زيدون وغيرهم.ا هناك خاصية تبدو واضحة وضوح الشمس فيما يتعلق بهذا الكتاب، بشكل عام، أنقلها في رأي الكاتب الإيطالي فرانشيسكو غوشيارديني (القرن الخامس عشر الميلادي) حول الإنسان الإسباني وهي: "أناس هذا الصقع (يقصد إسبانيا) يقدرون الشرف والحسب والنسب إلى درجة أنهم لا يخشون الموت في سبيل أن لا يلطخ هذا الشرف". ب - حنين وشوق إلى الأوطان حاولت في هذا المقام الإتيان بنماذج سريعة لغرض الحنين وشوق بعض الشعراء الإسبان القدامى والمحدثين إلى بعض المدن التي جمعتهم بها علاقات وجدانية عميقة. وقد اخترنا ها هنا جهتين، من بين جهات أخرى يوردها المؤلف طبعاً، وهما: جهة لفانتي Levante) ) وتوجد في شرق إسبانيا. وقد مثلنا لها بالشاعر سالفادور رويدا Salvador Rueda وقطعة شعرية بسيطة من أغاني "السيد كامبيادور Cid Campeador. أما الجهة الثانية فهي الأندلس حالياً Andalucía، و توجد في جنوب إسبانيا كما نعلم جميعاً، ومثلنا لها هذه المرة بالشاعر الكبير لويس دي غونغورا Luis de Góngora والشاعر مانويل ماتشادو Manuel Machado . وقبل هذا وذاك، فإننا لا ندعي أننا نقدم ها هنا ترجمة جامعة مانعة بقدر ما نحاول رصد المعنى والقبض عليه، ذلكم أن الشعر موسيقى وهل يمكن أن نترجم هذه الموسيقى؟، كما قال الفيلسوف والأديب الفرنسي فولتير . أ - منطقة اللفانتي El levante: يقول الشاعر سالفادور رويدا:: لفانتي هي أرض أعشقها ولهذا خصّها بهذا المقطع الشعري: من أجل مورسية أعطي عيني من أجل فالنسيا، أحشائي من أجل قرطاجنة حياتي من أجل ليفانتي، روحي. وجاء في أشعار سيد كامبيادور Cid Campeador حول فالنسيا ما يلي: عيون بهية تنظر في كل مكان تشاهد فالنسيا، كيف تقبع المدينة وفي الجانب الآخر يرتمي البحر ترى البساتين ممتدة، وارفة وكل الأشياء الأخرى جذلا.
ب – الأندلس Andalucía : كانت الأندلس أرضاً خصبة وملتقى هاماً لثقافات هامة وسمت الشخصية الأندلسية بميسم خاص بالمقارنة مع بقية المناطق أو الجهات في شبه الجزيرة الإيبيرية. في منطقة الأندلس تسم كل مدينة أو محافظة هذه الشخصية الأندلسية بميسم خاص. ولعل الشاعر الإسباني مانويل ماتشادو Manuel Machado وهو أحد أهم الذين فطنوا إلى هذه الخصوصية كما يتضح في أبياته الشعرية الثمانية حيث يقول: قَادِسُ، حسنة الصفاء غرناطة، ماء صاف ينسكب قرطبة الرومانية والعربية، كتومة مالقة، منشدة ألميرية، مذهبة جِيَانُ، من فضة ويلبا ضفة السفن الشراعية الثلاث وإشبيلية. وينشد لويس دي غونغورا Luis de Góngora في القرن السابع عشر الميلادي قصيدة تحت عنوان: "نشيدة إلى قرطبة" قائلاً: أيها السور العظيم، أيتها الأبراج المتوجة بالشرف، والجلالة والبسالة أيها النهر الكبير، ملك الأندلس الجليل رمالك رمال الشرف، إن لم تكُ ذهبية أيها السهل الخصب، أيتها القمم الشوامخ تقدرك السماء ويضفي النهار عليك ذهباً. أيها الوطن العظيم أنت لي إلى الأبد بالسيف كما بالقلم لا تستحق عيناي الغائبتان أن تريا سورك، وأبراجك ونهرك سهلك وقمتك، أي موطني يا زهرة إسبانيا. خلاصة عامة هكذا نكون قد قدمنا فكرة عامة حول كتاب "الأدب الإسباني في جغرافيته "وهو كتاب من الأهمية بمكان بالنظر إلى الموضوع الذي يعالجه ومنهجيته في تلك الفترة الزمنية التي رأى فيها النور ألا وهي الثمانينيات 1980. وبرغم طول الكتاب، إلا أنه سيكون مفيداً إذا تم نقله إلى اللغة العربية، فسيكون إضافة تغني نظرتنا إلى بقعة جغرافية وثقافة إنسانية كان للمسلمين نصيب الأسد وقصب السبق في تشييد صرحها ألا وهي الفردوس المفقود أقصد الأندلس. *كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية - الدار البيضاء - المغرب.