كيف تسقط الثورات الملونة الدول الضعيفة

يذكر مؤلفو كتاب "تصدير الثورة .. تكنولوجيا تدمير الدولة"أن "بيت الحرية" هي المؤسسة الأميركية الرئيسية التي عملت على نحو مكشوف على تنظيم الثورة البرتقالية في أوكرانيا.

  • تصدير الثورة .. تكنولوجيا تدمير الدولة
    تصدير الثورة .. تكنولوجيا تدمير الدولة

قد يكون كتاب "تصدير الثورة .. تكنولوجيا تدمير الدولة" الموسوعي من الكتب القليلة التي تسلط الضوء على مخططات "الثورات المخملية والبرتقالية" في منطقة القوقاز واَسيا الوسطى وكيفية تكتيكاتها واستراتيجياتها لتفكيك الدول الضعيفة ذات السيادة المنقوصة.

صدر كتاب "تصدير الثورة: تكنولوجيا تدمير الدولة" عن الهيئة العامة السورية للكتاب في دمشق.  وقد تولى تأليفه أربعة باحثين روس، هم سيرغي قره مورزا، والكسندر الكسندروف، وسيرغي تيليغين، وميخائيل موراشكين، إثر قيام "الثورة البرتقالية" عام 2004 في أوكرانيا، حيث كانت المؤشرات حينذاك توحي بأن مايحدث في مجال النفوذ الجيوسياسي الروسي (صربيا، جورجيا، أوكرانيا، وقرقيزيا)  يهدد الأمن القومي الروسي.

ويؤكد الكتاب أن تكنولوجية الثورات المخملية استغلت ضعف بنية غالبية الدول المعاصرة التي تؤمن باحترام حرية الكلمة من خلال مرحلتين:

المرحلة الاولى: غُرست في هذه الدول في عقول جماهيرها وخصوصاً في عقول العاملين في دوائر حماية القانون فكرة عدم جواز استعمال العنف بحق من لا يقدم على الإعتداء العنفي. ونجح ترسيخ مركب نقص الدولة كبرنامج "فيروس" في اَلية السلطة في البلدان ذات النوع الإنتقالي كلها التي تخلت الشريحة الحاكمة فيها عن متابعة المشروع البديل "لمشروع الغرب الليبرالي الديمقراطي" بعد أن وقعت أسيرة إغراء أن تكون "مقبولة" في عداد نخبة المجتمع الدولي العولمية.

ويكشف الكتاب أن التخلي عن الشمولية أي السوفياتية في المجال السياسي والتخلي عن خطيئة الدولة في مجال الإقتصاد تنتج في هذه المرحلة ثورات مخملية. 

أما المرحلة الثانية من هذا الإنتقال فتتم حيث يلزم الأمر من خلال الإستعاضة عن "سلطة ما بعد الشمولية" أو ما بعد السوفياتية بفريق سلطة من الدائرة النخبوية المجهزة خصيصاً، كما حدث حين بدلوا ميخائيل ساكاشفيلي محل الرئيس السابق إدوارد شيفارنادزه، أو ليونيد كوتشما بدل فيكتور يوشينكو. دورة الإستبدال الثانية للسلطة هذه نظمت وفاقاً لمخطط الثورات البرتقالية. فقد تم فيها تنشيط برنامج الفيروس الذي غرس في المرحلة الأولى.

ويلفت الكتاب إلى أن الولايات المتحدة الأميركية استخدمت ما يسمى تكنولوجيا الثورات المخملية في جورجيا عام 2003 بحجة تزوير نتائج الإنتخابات البرلمانية حيث أجبر الرئيس الجورجي إدوارد شيفرنادزه على الاستقالة في العام نفسه.

وقد صرّح بانتيليمون جيور جادزة، الأمين الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي الجورجي الموحد عقب أحداث "ثورة الورود" في جورجيا عام 2003، وفي ظل أحداث مماثلة، ضربت الفضاء "ما بعد السوفياتي"، وعرفت بالثورات الملونة، بقوله: "تجنبوا أية ثورات وردية وبرتقالية وعنبية وكتانية وكرزية، لأنها جميعها شبيهة بتسونامي الورود الجورجي".

"الثورة البرتقالية" في أوكرانيا

كان من المقرر أن تجري في خريف 2004 الإنتخابات الرئاسية في أوكرانيا، وكان المرشحان الرئاسيان هما: فكتور يانكوفيتش ويوشينكو، والأخير رشحته المعارضة، وقد قامت الثورة البرتقالية في أثناء هذه الإنتخابات تحديداً. وبحسب مؤلفي الكتاب، تم التحضير لهذه الثورة قبل مدة طويلة من هذا التاريخ بصفتها عملية خاصة كبيرة للولايات المتحدة والغرب عموماً، وهذا التحضير لم يكن خفياً، فقد كان ثمة أنباء عنه في الصحافة الغربية، وهذه حقيقة لا تعد مادة للجدل بل ينبغي دراستها كدرس من دروس التاريخ.

فقد كتبت صحيفة وول ستريت جورنال في مقالها الافتتاحي في 11 شباط/ فبراير 2004 بعد أن نجحت "ثورة الورود" في جورجيا: يمكننا أن نأمل بأن دور الأنموذج "الكستنائي" في كييف جاء الآن، ولدى أوكرانيا فرصة لافتة لتكرار نجاح الديمقراطية في جورجيا، لكن شرط أن يلعب الغرب والمعارضة الأوكرانية بأوراقهما على نحو صحيح.

وظهرت منظمات قادرة على إخراج مسرحيات سياسية في هيئة أعمال ومناظر جماهيرية، وفي هيئة أعمال تحريض دموية، ما كان يتم تخيّل أبعادها من قبل، وصار استخدام تكنولوجيا "المسرحية السياسية" أسلوباً عاماً للاستيلاء على السلطة.
يقول فيلسوف فرنسي: إن تكنولوجيا التلاعب بالوعي المعاصرة قادرة على أن تدمر في الإنسان المعرفة التي حصل عليها من التجربة التاريخية الواقعية، ويحل محلها معرفة مصممة اصطناعياً من قبل المخرجين.

ويضع مؤلفو الكتاب أمثلة على ذلك، منها ما حدث في إحدى مدن رومانيا، ومنها مدينة تيميشوارا، حيث وقعت مسرحية للإطاحة برئيس البلاد عام 1989، وتم على عجل نبش جثث أناس دفنوا حديثاً، وتجميع جثث أخرى من برادات الموتى، ثم تم تشويهها لكي تحاكي أمام كاميرات التلفزيون القتل الجماعي، وكان واضحاً من التقارير التلفزيونية الواردة أنها جثث جلبت من برادات الموتى، وخطوط القطب بادية عليها، ورأى الناس هذه القطب، لكنهم صدقوا تعليقات المذيعين

ويذكر مؤلفو الكتاب أن مؤسسة "بيت الحرية" برئاسة جيمس فولس الرئيس السابق لإدارة الماستخبارات المركزية الأميركية في عهد الرئيس بيل كلينتون، هي المؤسسة الأميركية الرئيسية التي عملت على نحو مكشوف على تنظيم الثورة البرتقالية، وموّلها المليونير الأميركي المعروف جورج سورس، والذي موّل أيضاً الإطاحة بالنظامين في صربيا وجورجيا.

و يشير الكتاب إلى أن مؤسسة "بيت الحرية" قد أعلنت أول مرة في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2004 أن روسيا "دولة غير حرة" واضعة إياها في صف واحد مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان حسب تصنيفاته، وبالتالي كان الدور اللاحق بعد أوكرانيا لروسيا إلا أن ذلك فشل.

وينقل مؤلفو الكتاب قول ي. زامياتينا الخبيرة في شؤون البلقان قولها: في تلك المرحلة راحوا يلعبون فيها بالورقة الأوكرانية. قرأت مقالاً لرونالد أسموس مساعد وزير الخارجيةالأميركي السابق أشار في المؤتمر المنعقد في كييف في شباط/ فبراير 2004 إلى أن حلف الناتو والإتحاد الأوروبي يستطيعان ضم أوكرانيا، وأن يبنيا بسرعة وبلا أي ضجيج زائد وقائع جديدة ستضطر روسيا إلى التأقلم معها.

يتوقف مؤلفو الكتاب عند رأي رفعت شيخ دينوف أحد القيادات السياسية والحزبية في روسيا، حول الثورة البرتقالية في كييف بقوله: يدل الوضع الأوكراني على أن الاَلية الحقوقية لشرعنة السلطة المثبة في الدستور والمفروضة فعلياً من قبل  الغرب على اوكرانيا وروسيا في بداية تسعنيات القرن العشرين وان دولة القانون ليستا سوى مصيدة. يمكننا ألأن تصور استراتيجية الغرب على أنها استراتيجية ثنائية الخطوة.

الخطوة الأولى: نقل السلطة إلى يد دمية جديدة "ديمقراطية" ومسايرة للموضة هي الإنتخابات وتعلّم التعامل معها وتربية فئة من التكنولوجيين السياسيين والمستشارين السياسيين وجعلها أداة معتادة مع (الخروقات المميزة الناتجة عن خصوصيات الشعب الثقافية والذهنية) لتغيير السلطة أو استمرارها، والخطوة الثانية: تخلي استخدام هذه الأداة وبناء سيناريو فعل مضاد مؤسس على عمل أعلى من الاَلية الإنتخابية الديمقراطية، أي استخدام مرجعيات السلطة المعاصرة: السلطات الحيوية وسلطات التأويل.

يؤكد الكتاب أن الثورات المخملية تنجح في في الدول الضعيفة ذات السيادة المنقوصة وهي الدول التي تضطر أن توازن أفعالها مع ما تقوله واشنطن. فالدول المستقلة فعلاً غير حساسة تجاه هذه التكنولوجيات. ويعطي الكتاب مثلاً على ذلك بقوله: الثورة البرتقالية غير ممكنة في الولايات المتحدة ما دام البوليس يفرق هناك التجمعات والمسيرات غير القانونية بغض النظر عن سلوك المشاركين فيها ورد فعل المجتمع الدولي. ويضيف: إذا كانت الدول قادرة على مواجهة (اللاعنف) كما في بيلاروسيا فإن المسرحية تلغى ببساطة.

ويبين الكتاب أيضاً أن احدى المراحل الرئيسية فيما يسمى الثورات المخملية هي أعمال العنف في الشوارع التي يقوم بها حشد غير مسلح وتجري عادة في عاصمة الدولة وأن هذه الأعمال عبارة عن مسرحية سياسية كبرى توضع باستخدام وسائل تقنية وفنية خاصة وتبدي تأثيراً كبيراً قوياً في وعي حشد الناس المنخرط فيها وكذلك في وعي المشاهدين من خلال التلفزيون لتصبح هذه الحشود مسرحيات تستدعى لبثها وسائل الإعلام العالمية.

ويشير الكتاب إلى تباين تعاطي صناع السياسة الأميركية مع هذه الظاهرة فالديمقراطيون يفضلونها بينما لا يخجل الجمهوريون من القيام بالتدخل العسكري المكشوف، موضحاً الدور الذي لعبه كل من جورج سوروس وجيمس وولسي الذي شغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) في الفترة من عام 1993 حتى 1995 خلال إدارة كلينتون. أذ يعد الأول من أنصار ما يسمى الثورات المخملية، أما وولسي الذي اختلف مع  كلينتون وبات مقرباً من المحافظين الجدد فهو من الدعاة البارزين للمقولة الأخرى "صراع الحضارات".

ويقول مؤلفو الكتاب عن قيام الثورات المخملية في بلدان أوروبا الشرقية عام 1989 إنها اندلعت كلها في وقت واحد عملياً بغض النظر عن المستوى المختلف لتطور هذه البلدان ولمستوى التناقض الإجتماعي فيها ولمدى سيطرة حكوماتها حيث قامت فيها جميعاً تحركات داخلية وفقاً لسيناريو متشابه في العام نفسه الذي تقرر فيه مصير الإتحاد السوفياتي كلياُ في المحادثات النشطة بين غورباتشوف والولايات المتحدة الأميركية. ويؤكد الكتاب أن الكثيرين من المفكرين عبر التاريخ توصلوا إلى نتيجة مفادها "أن الطريقة الوحيدة للإنتصار على الثورة هو إنجازها".

يذكر عياد عيد مترجم الكتاب أن عنوان الكتاب الأصلي بالروسية هو "تصدير الثورة .. يوشينكو وساكاشفيلي" حيث اضطر مترجم الكتاب إلى تغيير العنوان لأن هذين الإسمين لا يعنيان الكثير لدى عامة القراء لدينا وأن بقاء العنوان على حاله قد يوحي بأنه يتحدث عن أمور لا علاقة لنا بها بحسب رأي المترجم.