روسيا والغرب: لمن الغلبة؟

يرد الباحث ألكسندر رار على التساؤل عما إذا كان العالم مهدداً بحرب عالمية جديدة بالقول إن الحرب الباردة لن تنتهي يوماً ما.

  • روسيا والغرب: لمن الغلبة؟
    روسيا والغرب: لمن الغلبة؟

 

يعتبر الباحث الألماني من أصول روسية ألكسندر رار، من أهم الخبراء الغربيين البارزين في الشؤون الروسية. وعلى مدى العقدين الماضيين، ألف رار العديد من الأعمال التحليلية التي كرست لموضوع العلاقات بين روسيا والغرب. وفي عام 1986 نشر أول كتاب له حول سيرة الرئيس السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف.

ترأس رار مركز الشؤون الروسية والأوروبية الآسيوية في ألمانيا. وعمل مديراً للمجلس الألماني للسياسة الخارجية، حتى عام 2012. ثم انتقل للعمل في "وينترشال" أكبر شركة طاقة مستشار ألمانيا، قبل أن يصبح مستشاراً لشركة غازبروم" للشؤون الأوروبية عام 2015. 

يقول الباحث ألكسندر رار في كتابه "روسيا والغرب... لمن الغلبة؟" الصادرة ترجمته العربية عن المركز القومي للترجمة في القاهرة: في أثناء الحرب الباردة، كان الغرب يعتقد أنه عندما تتخلص روسيا من الشيوعية، سيقوم الغرب ببناء البيت الأوروبي المشترك، حيث سيعيش الجميع في ود ووئام. وبعد انهيار الشيوعية، تبنت روسيا كثيراً من عناصر النموذج الأوروبي السياسي، من حيث الرؤية للعالم المحيط.

وكانت الفكرة الأساسية، التي أكدها رار مراراً في كتاباته، هو الحاجة إلى التعاون البناء بين روسيا والغرب. فروسيا هي جزء لا يتجزأ من الحضارة الأوروبية. 

ويؤكد الباحث رار أن روسيا لن تقبل ببناء منظومة الأمن الأوروبي بالإعتماد فقط على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. ولأنها غير قادرة على الانضمام إلى أي من المنظمتين، فإن هذا يعني أنها ستظل خارج المنظومة الأوروبية للعقدين المقبلين، وربما لقرن قادم. وهو أمر غير مفيد لموسكو، وسوف تستمر برفضه في مواجهة مخططات بلدان أوروبا الشرقية التي تسعى لطردها من أوروبا.

ويوضح رار حالة الاتحاد الأوروبي بقوله: يخضع هذا  الاتحاد إلى قواعد حلف الناتو، حتى فيما يتعلق بالتعاون في مجال الطاقة مع روسيا، حيث تفرض واشنطن قواعدها على الاتحاد الأوروبي، كما تقيّد اتفاقية الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي، وتربط بشكل نهائي الاتحاد الأوروبي بالفضاء الاقتصادي والمعلوماتي والقانوني الأميركي، حيث تقوم الجغرافيا السياسية الأميركية على مبدأ تجنّب قيام اتحاد قاري أوروبي يضم روسيا، وتسيطر على النخب الأوروبية نظرية وحلم إقامة تحالف عبر الأطلسي.

ويؤكد المؤلف رار أن جوهر الصراع الحالي، بين روسيا والغرب هو جيوسياسي من الدرجة الأولى. فقد وقعت كل بلدان حلف وارسو تقريباً، بما فيها دول البلقان، تحت نفوذ الغرب. غير أن روسيا لم تقبل بانضمام أوكرانيا وبيلاروسيا (روسيا البيضاء) إلى دائرة النفوذ الغربية. ويوضح المؤلف أن روسيا رفضت النموذج الغربي، وقدمت مشروعاً لبناء أوروبا جديدة، أثار مخاوف الغرب.

ويلفت المؤلف الألماني النظر إلى المئات من المؤتمرات التي نظمتها المعاهد البحثية الغربية ومختلف المؤسسات العلمية خلال تسعينات والعقد الأول من القرن الحالي. وشهدت هذه الفعاليات قدراً كبيراً من التفاهم المتبادل، غير أن أعضاء الوفود الروسية المشاركة دائماً ما كانوا يجدون أنفسهم محاصرين بتساؤلات حول غياب الديمقراطية في بلادهم. وغالباً ما كان يدعى إلى هذه المؤتمرات الباحثون الروس المناهضون للكرملين، الذين كانوا يدعمون التوجّه إلى الغرب، ثم اختفى التفاهم بين الطرفين، وتحولت السجالات البراغماتية إلى اتهامات متبادلة ومشاعر غضب بين الطرفين.

وقال رار إنه تحدث في أثناء العمل على كتابه هذا "روسيا والغرب... لمن الغلبة؟" مع زملاء وسياسيين روس، وحاول إقناعهم بأن القوى التي تدعم إقامة علاقات جيدة مع روسيا في الغرب في حاجة إلى شركاء لهم في أفكارهم داخل روسيا. فاللوبي الشرقي في أوروبا لا يستطيع القيام بدور فعال من دون وجود لوبي غربي مناظر في روسيا. ولكنه للأسف لم يتلقَ رداً شافياً من زملائه في موسكو.

وقد نتج عن ذلك ضياع الثقة بين النخب السياسية فى كل من روسيا وأوروبا، مما خلق المشاكل أمام روسيا، لانتهاج سياسة خارجية متوازنة.

ويوضح الكتاب كيف تحولت وسائل الإعلام إلى "أحزاب حرب" على الساحة الدولية. فكثير من الصحافيين الغربيين في التسعينات سافروا إلى روسيا، وعملوا وعاشوا فيها، وعشقوا هذا البلد بوضعه الذي كان عليه حينها. كان هؤلاء يلعبون دوراً ليس فقط صحافياً، بل سياسياً أيضاً. وتمت دعوتهم كذلك إلى روسيا، حيث قاموا بتعليم الروس مبادئ الديمقراطية واقتصاد السوق وبناء المجتمع المدني. وعندما توقف كل ذلك في العقد الماضي، أصيب هؤلاء باليأس والإحباط، ثم سرعان ما تحول هذا اليأس إلى عدوانية وهجوم على روسيا وكل ما يحدث فيها، وعلى شخص الرئيس فلاديمير بوتين. وربما كانت موسكو مذنبة في ذلك، حيث كان بمقدورها إقامة جسر من التعاون المحدود بينها وبين وسائل الإعلام الغربية، بحسب الكاتب.

وقد أدى ذلك إلى جعل وسائل الإعلام الغربية تقوم بتوجيه أسهم النقد إلى روسيا، لعدم توافقها مع قواعد الديمقراطية الغربية، فيما أطلقت روسيا على نفسها اسم "أوروبا الأخرى".

ولأن الأجواء السياسية بهذا المستوى فقد قال رار عن قمة بايدن – بوتين الأخيرة في جنيف، "هناك نخب في الولايات المتحدة تناهض أي تقارب مع روسيا ولهذا بالنسبة إلى بايدن سيكون تمرير نجاح القمة أصعب بكثير".

ويرد الباحث رار على التساؤل عما إذا كان العالم مهدداً بحرب عالمية جديدة أم لا؟  فيجيب: أن الحرب الباردة لن تنتهي يوماً ما.

إن تدهور علاقات روسيا مع دول حلف الناتو تجعل الرئيس بوتين ينحو إلى التوجه شرقاً صوب التحالفات الأوروآسيوية (الأوراسية). يقول يفغيني بريماكوف رئيس الوزراء الروسي الأسبق: إن الشرق الاوسط كان وسيبقى تاريخياً ضمن مجال مصالح روسيا الخاصة وكانت هذه المنطقة تاريخياً بمثابة "خاصرة" روسيا. ولهذا لا معنى لاستغراب بعض السياسيين الأميركيين وكذلك الروس من موقف روسيا النشيط من الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط. ويمكن القول إن اهتمام روسيا بهذه المنطقة يشبه مثلاً اهتمام الولايات المتحدة بالأوضاع في أميركا اللاتينية.

نال رار أعلى جائزة في ألمانيا للمساهمته في تطوير العلاقات الروسية-الألمانية. ولا يزال يدير أنشطة العديد من المنظمات التي تهدف إلى تطوير العلاقات الروسية - الألمانية. وهو عضو مؤسس في نادي فالداي الدولي منذ إنشائها، التي أسست للحوار بين خبراء غربيين والنخبة السياسية الروسية. وكجزء من هذا النادي، التقى رار شخصياً مع الرئيس بوتين.