يحرسها مسلم.. ما حكاية كنيسة "مار كوركيس" في العراق؟
بعد تعرضها للدمار على يد التنظيمات الإرهابية، تستعيد كنيسة "مار كوركيس" عافيتها تدريجياً. اليوم، يهتم بها ويحرسها مسلم. إليكم حكايتها.
في الأنبار غربي العراق، تطلّ كنيسة "مار كوركيس" على تاريخ يقارب القرن من الزمن، عانت خلاله من الخراب ثم استعادت عافيتها، لتبدو بذلك مؤشراً على التعايش السلمي بين الأديان.
مار كوركيس تشعُّ بعد سنوات من الخراب
يرجع تاريخ بناء الكنيسة إلى عهد الانتداب البريطاني، حيث تمّ إنشاء قاعدة عسكرية في الحبّانية سنة 1932، وكانت الكنيسة تحتوي على 3 هياكل تُقام فيها الصلوات لكلّ الطوائف المسيحية.
بعد الاحتلال الأميركي للعراق ثم سيطرة التنظيمات الإرهابية على محافظة الأنبار، تعرّضت الكنيسة للتفجير في شهر تموز/يوليو سنة 2005. وعلى الرغم من مناشدة أهالي الأنبار الجهات المعنية، إلا أنّ عمليات ترميمها وإعادة تأهيلها لم تتمّ إلا من قِبل فرق تطوعية، منها إذاعة "صوت الشباب" وفريق "لنحيا بسلام"، وجاءت هذه المبادرة في العام 2017 لتعبّر عن المحبة والتعايش السلمي بين أبناء المحافظة.
يقول الإعلامي في إذاعة "صوت الشباب"، مصطفى مهند، لـ"الميادين الثقافية" إنّ: "الكنيسة دُمّرت بالكامل في العام 2003، بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وتعرّضت للخراب والإهمال بعد ذلك، وبالتزامن مع ذلك حدثت موجة نزوح وتهجير للأخوة المسيحيين إلى شمال العراق وإلى خارجه".
ويتابع: "لكنْ أهل الأنبار يعتبرون هذه الكنيسة رمزاً تاريخياً ودينياً للديانة المسيحية العريقة في المحافظة، لذلك جاءت هذه المبادرات من قبل منظمات عدة، الأمر الذي دفع عدداً من المسيحيين لزيارة كنيسة مار كوركيس أكثر من مرة، وبأعداد متزايدة".
الكنيسة يحرسها مسلم
يمثّلُ عبد الجليل عباس إبراهيم النموذج العراقي الأصيل، فهو يسخّر نفسه من أجل خدمة الكنيسة ورعايتها والإقامة فيها، كونها لا تمثّل رمزاً دينياً فحسب، إنّما أثراً للتعايش والأخوة، وتحقيقاً لجوهر الأديان القائم على الإخاء الإنساني، بصرف النظر عن اختلاف الرؤى.
يخبر إبراهيم حكايته لـ"الميادين الثقافية"، فيقول: "تسلمت مفاتيح الكنيسة منذ العام 2007، وسكنتُ فيها مع عائلتي سنة 2014 من أجل المحافظة عليها قَدر المستطاع، بعد أن خرج منها مهجرون كانوا يسكنونها".
ويُضيف: "عشت طفولتي مع أصدقائي المسيحيين، وأتذكّر منهم القس سامي شرلمان وداوم شرلمان... عشتُ معهم ودرسنا معاً في الكنيسة أيضاً".
يكمل الحارس الذي وُلِد في كربلاء لكنّه يعيش في الأنبار: "عندما علم أهل الحبّانية وبعض الأصدقاء المتواجدين داخل العراق وخارجه بحكايتي صارت تصلني بعض المساعدات، فكنت أخصّص جزءاً منها من أجل شراء البذور وبعض المتطلبات الأخرى، للمحافظة على جمالية الكنيسة".
يقوم الرجل بأكثر من دور في خدمة الكنيسة، فهو معني بالحفاظ على كل شيء فيها، الأمر الذي ينعكس فرحاً شخصياً لديه بزيادة أعداد زوّارها. وعن ذلك يقول: "رأيتُ تشجيع الكثير من الناس لي كوني مسلماً وأقوم بخدمة الكنيسة وحراستها واستقبال الزوار، وأفرح كثيراً حين يزور الناس الكنيسة ويجدون الزهور والأشجار بانتظارهم".
الأنبار بيت واحد
يتميز العراق بوجود نسيج مجتمعي من أديان وقوميات مختلفة، لا سيّما محافظة الأنبار، التي احتضنت منذ السنوات الأولى لتأسيس الدولة العراقية مختلف شرائح الشعب، وهذا التنوع يضيف للمحافظة تماسكاً واستقراراً، ويعزّز مفهوم التنوع في المدينة.
تتجسّد تلك الحقيقة في مشاهد استقبال العوائل المسيحية بالورود وأغصان الزيتون عند زيارتهم الكنيسة، فيظهر مدى ترحيب الأهالي المسلمين بأخوتهم المسيحيين، واهتمامهم بالإرث المسيحي في المحافظة.
تشرح الإعلامية والحقوقية آية علي المشهداني، في حديثها إلى "الميادين الثقافية" أنّه "بعد أن استقرت محافظة الأنبار أمنياً واقتصادياً، فكّرتُ في أن تتمحور رسالتي في الإعلام حول التعايش السلمي، وأطلقتُ حملةً من أجل تنظيف الكنائس، وإيصال رسالة إلى كل أنحاء العالم بأنّ محافظة الأنبار هي حاضنة لكل الأطياف والديانات، وليست حاضنة للإرهاب كما كان يشاع".
وتضيف: "ذهبنا إلى الكنيسة وقمنا بتنظيفها وإشعال الشموع، زيّنا شجرة الميلاد وأوصلنا رسالتنا، وفي وقت قصير لاقت الحملة صدى ونجاحاً واسعين، حيث زار الكنيسة نحو 300 شخص من الديانة المسيحية من بلدان مختلفة، وأقاموا القداس فيها، فعادت للكنيسة إلى وضعها الطبيعي".
تقوم المشهداني كل سنةٍ بتزيين شجرة الميلاد، وإرسال الدعوات من أجل الحفاظ على الكنيسة وزيارتها بصورة مستمرة، ما يشير إلى المحبة الراسخة بين أبناء المدينة الواحدة.