350 عاماً على ميلاده: احتفالات بباني الإمبراطورية الروسية
في الذكرى 350 لميلاد القيصر بطرس الأول، الاحتفالات والفعاليات تعمّ أنحاء روسيا بالرجل الذي وضعها في مصاف الدول القوية والمتطورة. فمن يكون بطرس الأول؟ وما هي أهم إنجازاته؟
تحتفل روسيا بالذكرى 350 لميلاد الإمبراطور بطرس الأول (1672-1725)، في 9 حزيران/يونيو، حيث تُقام فعاليات الذكرى السنوية في أنحاء البلاد كافة، وأكبر الاحتفالات وأوسعها نطاقاً ستجري في مدينة سان بطرسبورغ التي أمر بتشييدها ومنحها اسمه وحوّلها إلى عاصمة إمبراطوريته. وتُعدّ هذه المدينة مصدر الإلهام الأول له، وتشتهر بجمالها وقُرب عمرانها من تصاميم المدن الأوروبية.
كان بناء عاصمةٍ جديدةٍ هو المشروع الأكثر جرأةً وطموحاً لبطرس الأكبر، لهذا أصبحت سان بطرسبورغ رمزاً لعظمته وشجاعته.
معارض فنية متنوعة
ستتضمّن الاحتفالات في هذه المناسبة مجموعةً من العروض والحفلات الموسيقية والمهرجانات والمعارض الفنية.
هذه الفعاليات ليست غريبةً عن مدينة سان بطرسبورغ، التي يصفها الشعب الروسي بـ"المتحف الكبير"، نظراً لكثرة الآثار والمنحوتات في كلِّ جزءٍ من شوارعها، التي تمتد على جانبَي نهر النيفا. كما نجد فيها عدداً لا يُحصى من الرموز المتعلقة بالإمبراطور الكبير، فهناك رسوماتٌ جداريةٌ وآثارٌ كاملةُ الطول، وهناك أيضاً تماثيل نصفية، يطلق عليها في روسيا اسم "ببيوست" (Бёст).
وأشهر هذه الآثار نصبٌ تذكاريٌّ موجود في ساحة مجلس الشيوخ، أطلق عليه شاعر روسيا الأعظم، ألكسندر بوشكين، اسم "الفارس البرونزي"، وقد تمَّ الانتهاء من ترميمه بالكامل في هذه المناسبة، وستستضيف العاصمة الإمبراطورية في هذه المناسبة مؤتمراً يحمل اسم "مؤتمر بطرس الدولي"، بينما يناقش باحثون روس وأجانب من أكبر مؤسسات الثقافة والعلوم تراث "العصر البطرسي"، واستراتيجيات الحفاظ عليه والترويج له.
يطلق الروس على مدينة سان بطرسبورغ اسم "المتحف الكبير"، نظراً لكثرة الآثار والمنحوتات في كلِّ جزءٍ من شوارعها، التي تمتد على جانبَي نهر النيفا.
كما ستجتمع أكثر من 100 منظمةٍ ثقافيةٍ من جميع أنحاء البلاد لإجراء البحوث التاريخية والمعارض والبرامج التعليمية.
وأعلن عن إقامة معرضٍ في تموز/يوليو القادم، مخصص لبطرس الأول وعصره، تحت اسم "مانيج" (манеж)، وسيجمع بين المعروضات من عدَّة متاحف، مثل متحف الأرميتاج الشهير (Эрмитаж)، ومحمية متحف قصر بيترغوف، والمتحف الروسي "كونستكاميرا" (Кунсткамера).
كما أعلن المتحف الروسي عن مسابقة موارد الوسائط المتعددة، التي حملت عنوان "بطرس الأكبر وعصره في الفن الروسي"، وتركّز على الأحداث الفنية والثقافية المشرقة في عصره، والتي تجسّدت في شتى مجالات الفن الروسي.
سيُقام في شهر تموز/يوليو القادم معرضٌ مخصص لبطرس الأول وعصره، تحت اسم "مانيج" (манеж)، وسيجمع بين المعروضات من عدَّة متاحف روسية شهيرة.
بدوره، افتتح متحف الموسيقى "قصر شيريميتيف" مشروعاً واسع النطاق، يتضمن معرضاً وفعاليات تعليمية، وحفلات موسيقية مخصصة لأحداث لا تُنسى في تاريخ روسيا، وتغطي الفترة الممتدة من أيام الإمبراطور بطرس الأكبر إلى يومنا هذا.
وخلال صيف العام الجاري، سيُفتتح مشروع "30 لوحة من حياة بطرس الأكبر" في "ميدان المريخ"، وسبق أن أقيمت هذه الفعالية في مدينة سان بطرسبورغ قبل 150 عاماً، واحتوت على 30 لوحة قماشية ضخمة، عندما صوروا الأعمال الرئيسية لحياة القيصر بترتيب زمني، وقاموا بتثبيتها في أجنحةٍ في الهواء الطلق في مرج "تساريتسين" (Царицын луг)، ضمن ميدان المريخ.
عروض عسكرية بحرية
أسَّس الإمبراطور بطرس الأول قواعد هيكلة الدولة الحديثة في روسيا، وأنشأ جيشاً بريّاً وقوَّةً بحريةً لا يُضاهيان، حتى ارتبط اسمه دائماً بالأسطول الروسي، كما أنشأ نظاماً تعليمياً حديثاً يتناسب مع مشروعه لتطوير الدولة الروسية. وفي عهده، تمَّ افتتاح المؤسسات الثقافية الأولى، كمتحف "كونستكاميرا" (Кунсткамера)، والمكتبة العامة وأكاديمية العلوم.
أسَّس الإمبراطور بطرس الأول قواعد هيكلة الدولة الحديثة في روسيا، وأنشأ جيشاً بريّاً وقوَّةً بحريةً لا يُضاهيان، حتى ارتبط اسمه دائماً بالأسطول الروسي.
وتخليداً لذكرى مساهمة بطرس الأول في تطوير الأسطول البحري، ستستضيف المدينة عرضاً بحرياً، بالإضافة إلى مهرجان مدني وطني بعنوان "التراث البحري لبطرس الأكبر". وتتواصل فعاليات معرض "البحر والأسطول" في المتحف البحري المركزي، بعد أن بدأت في شهر أيار/مايو الماضي، وتستمر حتى أيلول/سبتمبر القادم.
بطرس الأول: القيصر الذي نجح في بناء إمبراطورية
ليس عبثاً أن يُطلق على فترة حكم بطرس الأول لقب "حقبة"، فخلال سنوات حكمه التي بدأت في العام 1689، غيرت روسيا هيكلها الداخلي تماماً، وتحولت إلى "الإمبراطورية الروسية"، ولأول مرة في التاريخ أعلنت نفسها في العالم كقوة بحرية عظيمة.
مهما كانت الملاحظات على فترة حكمه وطريقته في إدارة شؤون بلاده، فإنَّ شخصية بطرس مشرقة ومتعددة الأوجه، وهي شخصية مغرية بالنسبة للمؤرخ والفنان على حدٍّ سواء.
لم يكن بطرس مثل أسلافه، وكان من الصعب على معاصريه فهمه، فأسموه "الملك النجار" و"الملك الحداد" و"الملك الجندي". كما كانت صورة "الملك الكاهن" في أذهان الناس تتعارض باستمرار مع الشكل التقليدي للملك الجديد، فقد عمل على التدخّل في كل التفاصيل مهما كانت صغيرةً. وخلال 35 عاماً من حكمه، كانت روسيا في حالة حرب كاملة تقريباً، وقد أثرت الحروب المستمرة على مسار الإصلاحات التي سعى بطرس الأول إلى إنجازها، على الصعد الداخلية والخارجية.
ومهما كانت الملاحظات على فترة حكمه وطريقته في إدارة شؤون بلاده، فإنَّ شخصية بطرس مشرقة ومتعددة الأوجه، وهي شخصية مغرية بالنسبة للمؤرخ والفنان على حدٍّ سواء. حياته المليئة بالدراما تدلّ على قوة معنوية وبدنية هائلة، وقد وصفه الفيلسوف فريدريك إنغلز بأنه "رجل عظيم حقاً".
ويبقى من المؤكّد أنَّ روسيا التي كانت متخلّفة، وتعتبر "الفناء الخلفي لأوروبا"، قد حقّقت في عهده قفزة شاملة وغير مسبوقة إلى الأمام.