"حصن الغراب" في اليمن: أرقى الفنون في دهاليز الحصون
يُعتبر "حصن الغراب" في منطقة ثلا من أبرز المعالم الأثرية في محافظة عمران اليمنية.. فما هي أهميته التاريخية؟ وماذا عن واقعه الحالي؟
يطلق أﻫﺎﻟﻲ ﺛﻼ اليمنية على حصن مدينتهم اﺳﻢ "ﺣﺼﻦ الغراب"، وهو أبرز معلم أثري في المدينة الواقعة في محافظة عمران، ويُرجع بعض المؤرخين وعلماء الآثار بناءه إلى العصور اﻟﺤِﻤﻴَﺮﻳّﺔ، وهو يجمع في قِدَمه بين آثار الحضارة الحميرية وبين آثار السلطنة والأئمة.
يوصف هذا الحصن بـ "الحصين"، كونه جعل من نفسه، وبالتالي من المدينة التي يقع فيها، ملاذاً آمناً لكل هارب أو متحصن أو معارض أو داعية، وقد تكسرت أمامه كل وسائل الهجوم، كما أنه كان مقراً للعديد من العلماء والدعاة والأئمة والأمراء.
الطريق إلى الحصن
لكي تصل إلى قمة الحصن يجب أن تجتاز 365 درجة، وهي ما يعادل أيام سنة كاملة بفصولها الأربعة، ولا مجال لعبور تلك القمة إلا من باب واحد منحوت في الصخر بأيدٍ ذات بأس شديد.
ويسيطر "حصن الغراب" على مدينة ثلا بارتفاعٍ يبلغ 2960 متراً، ويبعد 45 كيلومتراً تقريباً من العاصمة صنعاء، ويعتبر خط الدفاع الثاني عن مدينة ثلا بعد سورها العظيم، المبني من الحجر والذي يبلغ طوله 1162 متراً، ويتخلله 26 برجاً، بعضها دائري والبعض الآخر نصف دائري الشكل.
يسيطر "حصن الغراب" على مدينة ثلا بارتفاعٍ يبلغ 2960 متراً، ويبعد 45 كيلومتراً تقريباً من العاصمة صنعاء، ويعتبر خط الدفاع الثاني عن مدينة ثلا بعد سورها العظيم.
يتم الدخول إلى البرج بوساطة سلم يؤدي إلى ممر، وفي نهاية هذا الممر، توجد غرفة ينفتح في جدرانها عدد من المزاغل (نوافذ بفتحات واسعة من الداخل وضيقة من الخارج)، كانت تستخدم لرمي السهام صوب من يحاول اقتحام المدينة.
الحصن من الأعلى
يتكوّن الحصن من مجموعة من المباني الحجرية هدمت غالبيتها. ومن المباني التي لا تزال قائمة مبنى برجي يتكوّن من 3 طوابق سقفها من الخشب مسطح الشكل.
ويوجد في ساحة الحصن الواسعة عدد من البرك والمدافن الصخرية، التي كانت تستخدم لتخزين المحاصيل الزراعية من الحبوب الزائدة عن الحاجة المطلوبة، ويغطي القضاض هذه البرك والمدافن.
من المباني التي لا تزال قائمة في الحصن، مبنى برجي يتكوّن من 3 طوابق سقفها من الخشب، مسطح الشكل.
وبحسب الروايات المتوارثة، فقد كان المقيمون في الحصن يتزودون طوال العام بالمياه من هذه البرك والخزانات المحفورة في الصخر، ويتزودون بالحبوب من المدافن الصخرية التي يبلغ عددها أكثر من 40 مدفناً. والمدفن عبارة عن حفرة دائرية في الصخر يصل عمقها أحياناً إلى 7 أمتار، فيما قطر الفتحة حوالى متر واحد.
كما توجد بعض الكهوف المنحوتة في الصخر على شكل غرف صغيرة متجاورة، تقع عند حافة قمة الجبل بالقرب من السور، كانت تستخدم للسكن في العصور القديمة.
أهمية الحصن
للحصن أهمية استراتيجية، ﻓﻬﻮ يشرف ﻋﻠﻰ الطرق والممرات اﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ التي ﺗﺮﺑﻂ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ وﻣﺪﻳﻨﺔ ﺻﻨﻌﺎﺀ ﺑﺎﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ، كما يشرف أﻳﻀﺎً ﻋﻠﻰ عددٍ من الوديان والقيعان الزراعية الخصبة.
ومما يتميز به الحصن وجود ﻋﺪد ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﻮر اﻟﺼﺨﺮﻳﺔ في ﺑﻄﻦ ﺍﻟﺠﺒﻞ. واكتشف فريق من اليمنيين في تنقيبات أجروها مؤخراً وجود "البوابة السبئية"، التي تتكون من أبراج وأسوار وممرات ﺿﻴﻘﺔ ﻣﺘﻌﺮﺟﺔ ذات أرضيات ﻣﺮﺻﻮﻓﺔ ﺑﺎﻷﺣﺠﺎر، وﻣﺪاﺧﻞ وأنفاق ﺳﺮﻳﺔ وبوابات داخلية ﺗﺮﺑﻂ ﻫﺬﻩ الممرات ببعضها، بالإضافة إلى ﻃﺮﻳق ﻣﻌﺒﺪ ﺻﺎﻋﺪ إﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻟﺤﺼﻦ.
اكتشف فريق من اليمنيين في تنقيبات أجروها مؤخراً وجود "البوابة السبئية"، التي تتكون من أبراج وأسوار وممرات ﺿﻴﻘﺔ ﻣﺘﻌﺮﺟﺔ ذات أرضيات ﻣﺮﺻﻮﻓﺔ ﺑﺎﻷﺣﺠﺎر.
وتذكر مصادر تأريخية أنه في العصر العثماني كانت جيوش من القبائل اليمنية تنطلق من مدينة ثلا باتجاه مدينة صنعاء، لمحاربة الاحتلال العثماني لليمن ومقاومته.
وتشير الروايات والقصص إلى أنه في النصف الثاني من القرن الـ10 الهجري/الـ16 الميلادي، اتخذ الإمام المطهر بن شرف الدين (توفي سنة 980هجرية/1572م ميلادية) من الحصن مقراً له.
الحصن حالياً
واجه "حصن الغراب" الغزاة والطامعين بقوة كبيرة، حتى نسجت فيه العديد من الأساطير والقصص، إلا أن تلك القوة والمنعة لم تعفه من التغير مع الزمن، إذ تعرضت الأجزاء الخارجية لحصن مدينة ثلا للتدمير خلال القرون الثلاثة الماضية، كما تم استبدال ألواح ومصندقات من الخشب بسقف المسجد الجميل الواقع في الجزء الشمالي الشرقي من الحصن، الذي كان ثرياً بأنواعٍ من العناصر الزخرفية الملونة البديعة.
قوة الحصن ومنعته لم تعفِه من التغير مع الزمن،إذ تعرضت الأجزاء الخارجية منه للتدمير خلال القرون الثلاثة الماضية.
كما قام العثمانيون بتغيير بعضٍ من ملامح الحصن، لتتلاءم مع الظروف التي عاشها جنودهم آنذاك، واستبدلوا الشرفات الصغيرة التي كانت ممراً لعبور الأسلحة القديمة من سيوف وسهام، وجعلوها أوسع لتسمح ببروز فوهات المدافع منها.
مستقبل الحصن
من الممكن في الوقت الحاضر الاستفادة من بعض الكهوف المنحوتة في الصخر على شكل غرف صغيرة متجاورة عند حافة قمة الجبل بالقرب من السور، والتي كانت تستخدم للسكن في العصور القديمة، بتأجيرها للسائحين للاستراحة والاستمتاع بجمال المناظر المحيطة بالحصن والمدينة.
وإذا ما وفرت الخدمات من كهرباء وماء ومطعم سياحي، فإن هذه المنشآت ستدرّ دخلاً مادياً وافراً، يتم إنفاقه في مصلحة الحصن ليكون قِبلة لكل الزائرين.
من الممكن تأجير الكهوف المنحوتة في الصخر على شكل غرف صغيرة للسياح، الذين سيتمكنون حينها من الاستمتاع بجمال المناظر المحيطة بالحصن والمدينة.
وما يضمن مستقبل الحصن سياحياً موقعه في مدينة ثلا الأثرية، التي تتميز بتراثها المعماري التاريخي البديع، والمؤهلة لتكون خامس المدن والمناطق اليمنية المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي، بعد صنعاء وشبام حضرموت وزبيد وجزيرة سقطرى.