تماثيل "التراكوتا" تنير المتحف اليوناني الروماني
يعدّ المتحف اليوناني الروماني من أكبر متاحف الإسكندرية وقد أنشىء عام 1892. افتتحه الخديوي عباس حلمي الثاني وصمّمه ديتريش ويستون.
بعد احتجاب دام 20 عاماً، عادت الحياة إلى المتحف اليوناني الروماني في مدينة الإسكندرية. هكذا ظهرت تماثيل "التراكوتا" الملونة بحلّتها البهية في قاعة مهيبة داخل واحد من أجمل المباني الأثرية في مصر، والذي يحمل بصمات الأجداد في تصميم قريب من المعبد المصري القديم.
جالت "الميادين الثقافية" في المتحف الذي أعيد افتتاحه في تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد عملية ترميم قادتها وزارة الآثار المصرية، ليعود هذا الصرح التاريخي والأثري إلى ممارسة دوره في الإضاءة على المشتركات والروابط التاريخية والثقافية بين الحضارتين المصرية واليونانية.
في حديثنا معها، قدمت ولاء مصطفى، مديرة المتحف، شرحاً مفصلاً لأهمية تماثيل "التراكوتا"، وتقسيم قاعات العرض وصولاً إلى وظيفة المتحف الثقافية، فضلاً عن شرح ليوميات الإنسان المصري في العصور المختلفة.
ولمن لا يعرف ما هي "التراكوتا"، فإنها تماثيل مصنوعة من الطين الأحمر، بدأت شهرتها، وفق مصطفى، في عصور ما قبل الميلاد في مدينة نقراطيس بمنطقة أبو قير بالإسكندرية.
وما يعرض داخل المتحف اليوم، مجموعة من التماثيل لسيدات مصريات في الإسكندرية يمثلن حياة النساء في العصر الهيلينستي، ومكانتهن الكبيرة. فالمرأة المصرية حينها كان لها ذمة مالية منفصلة ولها وظائف ومهن، بعكس المرأة في اليونان التي كانت تعدّ مواطناً من الدرجة الثانية.
فنساء الإسكندرية كنّ متعلمات ويشاركن في الحكم، وشكّلن أيقونات للزينة والموضة. هذا ما تظهره تماثيلهن حيث يمكن رؤية طيّات الثياب كدلالة على المكانة والثراء. كما تقدم هذه التماثيل صورة عن المهن والوظائف المختلفة في العصر اليوناني، وتعرض للزائر شكل المصريين في ذلك العصر.
ورافقت هذه التماثيل مجموعة من الحلي والأحجار الكريمة وأواني الزينة والمرايا النادرة التي وجدت فى منطقة الإبراهيمية بالإسكندرية، بجوار قربان النذور للإنجاب وغيرها من أشكال الحياة اليومية للنساء حينها.
ويتكوّن المتحف من طابقين يضمان قاعات تشمل الحياة اليومية، والحياة ما بعد الموت، والحياة الدينية والعقيدة، والحياة بعد الموت.
وتبدأ القاعات في الطابق الأرضي حيث القسم الذي يعرض الحياة المصرية في العصر اليوناني، والذي يحمل بعض سمات العصر المصري القديم سواء عبر شكل التماثيل، أو وجود بعض التيمات المصرية مثل مفتاح الحياة "عنخ" وزهرة اللوتس والشمس المجنحة.
ومن المعروضات جدارية ملونة نادرة لأقدم ساقية في التاريخ بجوار رسم لأبي قردان وتمثال مبتور لــ"السقا"، وشكل وممرات مكونة من الطوب "اللبِن"، بالإضافة إلى مجسم لفرن لإعداد الخبز، وانتهاء ببعض شواهد القبور.
أما بقية القاعات فتتضمن قطعاً من عصور مختلفة، بدءاً من الدولة المصرية الوسطى حيث نشاهد تمثالاً وردياً من الغرانيت لرمسيس الثاني، قبل الانتقال إلى قاعات تضم شواهد على العصر اليوناني، والتي تؤشر على مدى تأثر الفن المصري بنظيره اليوناني، وصولاً إلى مومياوات يونانية وبطلمية ومقتنيات للإسكندر الأكبر، وكذلك تماثيل لآلهة مصرية مثل حربوقراط وسيرابيس معبودة البطالمة التي تتخذ شكل تمثال كبير لثور أسود، ثم تمثال إيزيس التي تمسك جرة لحفظ ماء النيل.
ويقدم المتحف أيضاً تماثيل لأباطرة رومان مثل بطليموس الرابع وبطليموس السادس ودقلديانوس، وتمثال لإله الخمر "باخوس" الذي سمّي أحد أهم أحياء الاسكندرية باسمه، بالإضافة إلى تمثال لملكة بطلمية وتمثال لرأس الإسكندر الأكبر وتمثال لإله النيل. وتشرح هذه المجموعة اختلاف علاقة المواطن بالحاكم في مصر بعكس ما كانت عليه في العصر الروماني، ويظهر ذلك في الزي الحربي الذي يرتديه الأباطرة الرومان. كما توجد قاعة تعرض الحياة اليومية في العصر الروماني على شكل محاكاة للمنزل الروماني في مصر من حجرة الطعام والحمام والمطبخ إلى طريقة جلسة الاتكاء للرجل الروماني.
وفي الطابق الثاني، قاعة كبيرة ومخصصة لتماثيل الآلهة مثل إله النيل محاطاً بتماثيل نصفية لأباطرة رومان، وقسم يعرفنا بالنشاط التجاري في ذلك العصر، حيث يعرض مركباً شراعياً بالحجم الطبيعي، ثم عرض للسوق وعملية البيع والشراء، وقسم سك العملات اليونانية والرومانية في الإسكندرية وتيجان، وقاعة تضم تماثيل لفلاسفة وعلماء، مع عرض لطرق الدفن اليونانية والمصرية.
خلال جولتنا داخل المتحف انتقلنا إلى القسم الذي يعرفنا إلى بدايات المسيحية في مصر وتحديداً في الإسكندرية، حيث يعرض محاكاة للشكل الأول للكنيسة في شمال مصر ،والتي كانت وفقاً لولاء مصطفى مكونة من وسط وجناحين، وتميزت بحمل بعض المعالم والنقوش المصرية القديمة، حيث أعيد استخدام قطع من المعابد المصرية في الكنائس، وكذلك بعض الأنسجة من العصر القبطي والآنية الفخارية التي تحمل رموزاً مسيحية.
ويتميز المتحف فضلاً عن استخدام تقنيات حديثة في العرض والمحاكاة، بوجود فلسفة لونية لا يتسع للزائر إلا أن يلاحظها. فالمقتنيات المصرية من العصر اليوناني تختلف لونياً عن تلك التي تنتمي إلى العصر الروماني، ويغلب على قاعات عصر اليوناني اللون الأزرق لتأثرهم بالبحر المتوسط؛ فيما يظهر واضحاً تأثر الرومان بلون الطمي "توفا"، وهو أحمر قرمزي نجده في اللباس العسكري الروماني.
ويعد المتحف اليوناني الروماني من أكبر متاحف الإسكندرية حيث أنشىء عام 1892. افتتحه الخديوي عباس حلمي الثاني وصممه ديتريش ويستون.
ويضم المتحف اليوم نحو 20 آلف قطعة أثرية تغطي الفترة الزمنية الممتدة من القرن الثالث ق.م إلى القرن الثالث ميلادي، ليكون بذلك أكبر متحف متخصص في تلك الحقبة الزمنية، علماً أن مكتبة المتحف تحتوي على نحو 12 ألف كتاب بالعديد من لغات العالم، فضلاً عن تقديم المتحف لعديد من الأنشطة الفنية للأطفال والندوات الثقافية.