الشّعر والـ AI: تلاقح المشاعر والخوارزميات!

التقاء الشعر بالذكاء الاصطناعي يفتح باباً إلى عالم جديد من الإبداع والتحدي. بينما نستمر في استكشاف هذا الفضاء، يجب أن نبقى حذرين لأجل حفظ التوازن بين التكنولوجيا واللمسة الإنسانية التي تجعل الشعر خالداً.

في عالم يتحوّل بسرعة نحو التكنولوجيا، يعدّ الشعر من أعمق التعبيرات البشرية التي تسطّر الأفكار والمشاعر والأحاسيس. فعلى مدار العصور، ظل الشعر يعبّر عن الكوامن والانفعالات الإنسانيّة الفردية والجماعية، ويسجّل كيفية تفاعل الكائن البشري مع الولادة والموت، الفرح والحزن، الانتصار والانكسار، اللقاء والفراق وسواها من حالات وأمزجة يعيشها الإنسان في خضم حياة حافلة بالتجارب والأحداث.

لكن، ما الذي يحدث عندما يلتقي هذا الإبداع البشري الخالد بالذكاء الاصطناعي؟ هل يمكن للآلات أن تكتب شعراً يلامس قلوب البشر ويخاطب عقولهم، أم أن هذا المجال سيظل وقفاً على الإنسان؟

أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على توليد القصائد عبر استخدام الشبكات العصبية والتعلّم الآلي. لقد تم تدريب هذه الأنظمة على فهم قواعد اللغة والقافية والإيقاع، مستفيدة من مكتبات شاسعة من الدواوين الشعرية الكلاسيكية والحديثة من مختلف الحقبات والثقافات.

مشاريع مثل "DeepSpeare" و"Google's PoemPortraits" قدمت أمثلة مبكرة لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد القصائد، إذ تُظهِر بعض القدرة على محاكاة أساليب الشعراء المعروفين. فضلاً عن العديد من البرامج والنماذج التي تم تدريبها على "اللغة البشرية"، الأمر الذي يمكّنها من إنشاء قصائد بأساليب شعرية متنوعة. ومع ذلك، فإن جودة القصيدة وعمقها يختلفان بناءً على تعقيد النموذج وبيانات التدريب التي تم استخدامها.

لكنّ أبرز التحديات الرئيسية التي يواجهها الذكاء الاصطناعي في كتابة الشعر تكمن في مقدرته على نقل العاطفة الإنسانية الحقيقية. فالشعر يعتمد بشكل كبير على التجارب الفردية الخاصة. الفرح، الألم، الأمل، الحب، الشوق  وسواها من كوامن النفس البشرية التي يصعب على الآلة أن تحاكيها، أقلّه حتى الآن.

على الرغم من ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات العاطفية من القصائد المخزنة لديه وإعادة إنتاج نماذج مشابهة لها، ما يجعله قادراً على توليد نوع من الإبداع الصناعي يمكن أن يكون ملهماً بطريقة مختلفة، ويضع مزيداً من التحديات أمام علاقة الإنسان بالآلة.

يوفر الذكاء الاصطناعي فرصة جديدة للتعاون بين الإنسان والآلة. يمكن للشعراء استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لتوليد أفكار جديدة، تجربة أساليب شعرية مختلفة، أو حتى اعتبار الآلة كاتباً مشاركاً. هذا النوع من التعاون يمكن أن يؤدي إلى صنف جديد من الأشعار حيث تلتقي الحساسية البشرية بالدقة الخوارزمية.

مع ذلك، هناك تحديات أخلاقية وفنية. كيف نضمن أن الشعر المولّد بواسطة الذكاء الاصطناعي لن يتم استخدامه للتضليل أو لخلق أعمال تفتقد إلى العمق الإنساني؟ وما هي حقوق الملكية الفكرية لهذه الأشعار؟ بالإضافة إلى ذلك، هل سيؤثر هذا على القيمة التي يكتنزها الشعر البشري؟

التقاء الشعر بالذكاء الاصطناعي يفتح باباً إلى عالم جديد من الإبداع والتحدي. بينما نستمر في استكشاف هذا الفضاء، يجب أن نبقى حذرين لأجل حفظ التوازن بين التكنولوجيا واللمسة الإنسانية التي تجعل الشعر خالداً. ربما لن تحل الآلات محل الشعراء، ولكن يمكن أن تكون شريكاً قوياً في رحلة البحث عن جمال العبارة وعمق المعنى.

مع تقدم الذكاء الاصطناعي، يمكن أن نتوقع تطبيقات أكثر تعقيداً وإبداعاً في مجال الشعر. قد يصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من عملية الكتابة الشعرية، ليس فقط كمولّد للنصوص، ولكن كمساعد في تحليل الأنماط الشعرية، فهم السياقات الثقافية، وحتى في ترجمة الشعر بطريقة تحتفظ بالمعنى والشعرية.

في نهاية المطاف، الشعر والذكاء الاصطناعي يمكن أن يكونا شريكين في تطوير فن الكلمة، إذ يلتقي العقل البشري بالقدرات التحليلية للآلة لخلق أشكال جديدة من الجماليات وأنماط التعبير الأدبي شعراً ونثراً.

أما السؤال الذي يبقى مفتوحاً بلا إجابة فهو: هل يصل الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة يستطيع فيها ابتكار نصوص شعرية من تلقاء نفسه، ومن دون الاتكاء على البيانات المخزّنة مسبقاً، ومن دون محاكاة قصائد البشر. هل يبتكر الذكاء الاصطناعي قصيدته الخاصة؟ وينافس الشعراء الآليّون الشعراء البشريين؟
وحده قابل الأيام كفيل بإجابة حاسمة.

**
في الصُّور الشعاعية (*)
في تحليل الدَّمِ والفحوصات المخبرية
في الشهيق والزفير والأخيلة المحمومة
في النوم، وفي أحلام اليقظة
في المسام، وفي نسغ العظام
في تخطيط القلب والرأس
في الوريد التاجي
وفي وردة الروح
لا أعراضَ سواكِ.
——————
* من كتاب الشاعر  "قلبي يقيني".