ألفريد سمعان: رحلة نضال عبر الشعر والمسرح والسياسة
عايش فترة الانقلابات في العراق، وسُجِن غير مرة بسبب آرائه وانتمائه السياسي، ونجا من "قطار الموت".. من هو ألفريد سمعان؟
أقسمتُ أن أهدي لتحرير الشعوب دمَ الحياة
أقسمتُ أن تخلو سجون الظالمين من الأباة
أقسمتُ أنتزع السلام العالمي من الغزاة
بالقبضة الحنقى
بنور الوعي يشمخُ في ثبات
وبقلب إنسان تمرّس بالسياط وبالطغاة
أقسمتُ أن أهدي لنصر الكادحين دمَ الحياة
هذا مقطع من قصيدة بعنوان "قسم"، من ضمن قصائد ديوان للشاعر العراقي الراحل ألفريد سمعان (1928 - 2021) يحمل العنوان نفسه، صدر سنة 1954، ويقول في موضع آخر:
قسمي هذا لم يكن في يوم من الأيام
قسمَ فرد
بل كان وما زال وسيظلّ
قسم كلّ الحاقدين عن وعي
والسائرين بقوة وعناد
نحو السلم والحياة السعيدة والمستقبل الأفضل.
عبر تلك الروح الشعرية النضالية، وذلك القَسَم الإنساني لأخيه الإنسان المكافح من أجل العيش بكرامة، يوجز ألفريد سمعان حياته وجوهر شعره، وما شعره إلا انعكاس لدفاعه عن مبادئه وقضاياه، بل قضيته الكبرى، ألا وهي الدفاع عن حرية الإنسان.
يمثّل الشاعر العراقي، ألفريد سمعان، مرحلة هامة من تاريخ العراق السياسي وتاريخ تطور الشعر فيه، فقد صدر أول ديوان له سنة 1952، أي أنّه سبق ولادة الجمهورية العراقية بـ6 سنوات، وقد نُشِرت قصائد الديوان قبل جمعها في كتاب في صحف ومجلات عديدة.
عاش سمعان في عراق الانقلابات والأحزاب والتشكيلات الجديدة، وانتمى إلى الحزب الشيوعي، ليدخل بعد ذلك ميدان الشعر وهو يمتلك وعياً سياسياً، وقد ترافقت مسيرته في الشعر والمسرح والسياسة، وواكبت مراحل هامة من تاريخ العراق، على مدى نصف قرن من الزمن.
دافع عن حرية الإنسان حتى دخل السجن!
ولد ألفريد سمعان في الموصل، وتنقّل وهو طفل مع عائلته في شتى أرجاء العراق، لأنّ والده كان يعمل كضابط جوازات، ويتقن اللغتين الإنكليزية والألمانية. سكن في طفولته مع أسرته في مدينة البصرة، حيث درس الابتدائية وأنهى الإعدادية، ثم انتقل إلى سوريا لدراسة القانون، ليعود إلى بغداد ويلتحق بكلية الحقوق، التي تخرّج منها سنة 1961، على الرغم من اعتقاله بسبب نشاطه السياسي اليساري. بدأ سمعان تجربة الكتابة في عقدَي الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، مع بزوغ الحراك السياسي الذي قادته تيارات قومية ويسارية.
سُجِن سمعان أكثر من مرة، بسبب انتمائه إلى الحزب الشيوعي، ووُضِع أخيراً مع 500 من رفاقه داخل ما سمّي "قطار الموت"، وكان أحد الناجين منه بعد أن حُكم عليه بالسجن 10 سنوات، لذلك طغت "الواقعية الاشتراكية" على أغلب نتاجه المسرحي والشعري، وبرزت آراؤه الاشتراكية بوضوح من خلال عمله الصحافي، وكذلك في سلوكه خلال مزاولته مهنة المحاماة لأكثر من عقدين.
ساعدته تجربة السجن التي خاضها في أن يصير أشد تماسكاً في الدفاع عن كرامة الإنسان وحريته، إذ يقول في حوارٍ معه: "سُجِنتُ أكثر من مرة، وتعرّفتُ إلى سجنَي "نقرة السلمان" و"أبي غريب" ضمن سلسلة السجون التي دخلتها، وقد كان إلى جانبي المناضل الوطني والتقدمي فهد في لحظاته الأخيرة، وكنت أحد ركاب "قطار الموت"، حين حُشِرنا في قاطرة شحن، ومات أحد الذين كانوا معي، وأوشكنا على النهاية".
الاتحاد العام للأدباء والكُتّاب في العراق
كان ألفريد سمعان من أبرز المساهمين في تأسيس "اتحاد الأدباء والكُتّاب" في العراق سنة 1959، رفقة محمد مهدي الجواهري وعبد الوهاب البياتي ولميعة عباس عمارة ويوسف العاني وسعدي يوسف وآخرين، ثم تولّى منصب أمين عام الاتحاد بين عامَي 2003 و2016.
يصف الأديب العراقي، ورئيس اتحاد أدباء واسط سابقاً، طه الزرباطي، رفيقه ألفريد سمعان حين كان أميناً عاماً للاتحاد، في حديثٍ لـ"الميادين الثقافية" بالقول: "رجل يقترب من التسعين، يجد موطئ قدم في وطنه أميناً عاماً لاتحاد الأدباء والكُتّاب لأكثر من دورتين، في الوطن الذي أصبح "ديمقراطياً" بمجنزرات محتل، سلّمَ السلطة لكلّ مَن تناقضَ مع الديمقراطية، إلى أقصى الإثنية والطائفية والمناطقية".
ويضيف: "جسّد ألفريد سمعان إشكالية عراقية لما بعد التغيير، وقد كان أميناً عاماً وحامياً قانونياً لحقوق اتحاده، وأحياناً جندياً يصرُّ على البقاء في موقعه بعد أن يغادر الجميع، يُعتدى عليه من قبل العابثين. عمره، حرصه، إصراره، أمانته التي لا يختلف عليها أحد، لم تَسلم كلّها من إشكالية المزاج العراقي، لا سيّما المثقف الذي يصر على التغيير حين ينتقد مسؤولاً لا يجامل في الحق، لا يفكّر باستعمال أموال الاتحاد دعاية انتخابية أو وجاهة شخصية، والمؤلم في تجربة الأقليات الأصيلة في وطننا أنّ المثقف لم يقف معهم وهم يبحثون عن بلدان بديلة، وهم يُهدَّدون ويُهجَّرون، بغيابهم تنفرط قلادة الوطن".
ويختم بتساؤل وجداني: "متى نتّفق نحن العراقيين؟ لقد مات سمعان في غربةٍ إجابةً عن سؤالهِ المُرّ".
ألفريد سمعان شاعراً و مسرحياً
يعبّر ألفريد سمعان في إحدى حواراته عن رؤيته للشعر، حيث يقول: "الشعر عندي قضية، والقضية عندي تترجم من أجل سعادة الإنسان، من أجل كرامته وحريته".
ولا يختلف تعريف المسرح لدى سمعان كثيراً عن الشعر، فهو ينطلق منتقّلاً من جنس أدبي إلى آخر من أجل القضية نفسها. إذ تجلّى في شعره ومسرحه النضال الإنساني الذي اتّخذ من الحزب الشيوعي أرضية له، كما أنّه يستلهم في أدبه الموروث الأسطوري، مثل مسرحية "ليمونة"، وقصيدة "سيدة النجاة"، ويوظّف كذلك الدينين المسيحي والإسلامي في شعره، كما في قصيدة "صلوات"، عبر استدعاء رمزية الحسين، ثمّ وهو يعرّج على الهوية المسيحية في المقطع الثاني.
أصدر سمعان أكثر من 20 مجموعة شعرية، وكتب بدر شاكر السيّاب مقدّمة مجموعته الأولى، "في طريق الحياة"، التي نُشِرت في العام 1952، لتتبعها مجموعات أخرى منها "قسم" (1954)، "رماد الوهج" (1957)، "كلمات مضيئة" (1960)، "طوفان" (1962)، و"الرُّبّان" (1976).
في العام 2016، أصدر سمعان آخر ديوان شعري له بعنوان "لائحة اتهام"، إلى جانب كتاب آخر تضمّن فصولاً من سيرته الذاتية، وتأمّلاته في السياسة والثقافة والحياة، اختار له عنوان "مع المسيرة الثورية.. الخطوات الأولى".
أما في المسرح، فقد خلّف سمعان عدّة مسرحيات، منها "الحطاب والأسد"، و"ليمونة" (مسرحية شعرية)، ومجموعات قصصية مثل "النواقيس لا تدق"، و"نبوءة متأخرة"، و"أشرعة الصدى البعيد".
بقي ألفريد سمعان، منذ بداية تشكّل وعيه وتجربته في الصحافة والمسرح والشعر، مناضلاً إنسانياً ذا طابع فريد، إلى أن غيّبه الموت في العاصمة الأردنية عمّان، في الـ5 من كانون الثاني/يناير سنة 2021، عن عمر ناهز 93 عاماً. وكان قد غادر العراق قبل ذلك بسنوات، بعد تعرّض بيته للسرقة واتحاد الأدباء والكُتّاب الذي كان يرأسه للاعتداء.