لماذا لم تبلغ الدراما مستوى الرواية في العراق؟
في الوقت الذي حجزت فيه الرواية العراقية مكانةً مرموقةً وتوّجت بالجوائز، بقيت الأعمال الدرامية خجولة الحضور وقاصرةً عن نقل نبض الشارع... ما هي أسباب هذا التفاوت اللافت؟
يبدو لمتابعِ الأدب والفنّ العراقيَّين أنَّ الأدبَ يخطو خطواتٍ متطوّرةً جداً بالمقارنة مع السينما، التي تكاد تكون معدومةً، والمسرح الذي يعاني الإهمال، والدراما التي تتعثّر خجولةً من دون أن تواكب مثيلاتها في الدول العربية، ومن دون أن تقنع ذائقة المشاهد العراقيّ نفسه.
تفاوت لافت
عبر عقودٍ من الزمن، تمكّن الكثير من الروائيين العراقيين من كسر المقولة النمطية الراسخة بأنَّ العراق بلد شعراء لا بلد روائيين، حيث تزدهر الرواية العراقية اليوم، لا بعدد كتّابها في الداخل والخارج فحسب، إنما بتنوّع مواضيعها وتقنياتها. وإذا كانت الأعمال الروائية لم تلقَ اهتماماً من قِبَل شركات الإنتاج والمخرجين، فإنها لاقت صدىً كبيراً لدى القرّاء والنّقّاد محلياً وعربياً، بل تُرجم عددٌ منها إلى لغاتٍ عالميةٍ، ونال كتّابها جوائزَ وحظيوا بتكريماتٍ.
اكتفت المسلسلاتُ العراقية بالمقابل بنقل قصصٍ مباشرةٍ من الواقع المُعاش، فلا يلاحظ المُشاهدُ أيَّ اشتغالٍ فنيٍّ رفيعٍ، ولا تبهره أية معالجةٍ خلاّقةٍ، سواء من حيث الصورة أو الحوار أو تجسيد الشخصيات. تعيد الكوميديا إطلاق النكات التي يبتكرها الفكاهيون في المقاهي، أو في "فيسبوك"، والدراما تتخلّلها أخطاءٌ كارثيةٌ لا مجال لحصرها.
اكتفت المسلسلاتُ العراقية بنقل قصصٍ مباشرةٍ من الواقع المُعاش، فلا يلاحظ المُشاهدُ أيَّ اشتغالٍ فنيٍّ رفيعٍ، ولا تبهره أية معالجةٍ خلاّقةٍ.
والحال أنَّنا لا نظلم التجارب الدرامية أو السينمائية المعقولة نسبياً، بقدر ما نتأسّف لأن يتمَّ ذلك في بلدٍ غنيٍ بالروائيين والقصّاصين الجيّدين، الروّاد والمعاصرين، وبحكاياته وتاريخه المثير، إذ تشكّل المادة المكتوبة اللبنة الأساس لنجاح أي عمل يُعرض على الشاشة أو على خشبة المسرح، كما أنّه غنيٌّ بإمكاناته المادية أيضاً. فما الذي يجعل الدراما العراقية خجولةً ومتواضعةً بالمقارنة مع دراما بلدانٍ عربيةٍ أخرى؟ ولماذا لم تستطع الدراما العراقية صنع أرشيف روائيّ، كما فعلتْ الدراما والسينما المصرية مثلاً مع أعمال نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس؟
إهمال مزمن وتجارب فردية
أجرت "الميادين الثقافية" استطلاعاً شمل عدداً من المتشغلين في حقلَيّ الأدب والدراما، قال لنا خلاله الروائي العراقي كريم كطافة إنّ "غياب صناعة السينما في العراق ليس وليد اليوم، ربما تجلّى الآن بشكلٍ أوضحَ فحسب، إذ تكفي إطلالةٌ بسيطةٌ على دور العرض السينمائي التي كانت مزدهرةً إبّان السبعينات وما قبلها، وكيف تحوّلت إلى خرائبَ مهجورةٍ أو مخازنَ للبضائع".
وأضاف صاحب رواية "قرابين الظهيرة" إنَّ "الأفلام التي أُنتجت في العراق بدءاً من أربعينات القرن الماضي إلى الآن، سواء كانت مأخوذة من روايات أم لا، لم تكن كلها سوى مشاريعَ ومحاولاتٍ فرديةٍ منعزلةٍ، لا يمكن لأيِّ باحثٍ أن يقيس عليها، لافتقارها إلى خصيصة التراكم والاستمرار" .
من جهته، نفى الروائي محمد حيّاوي أن تكون الدراما العراقية قد نجحت بتوظيف الرواية، وأرجع السبب في ذلك إلى أنَّ "توظيف الروايات في الأفلام أو الدراما التلفزيونية يلزمه صناعة سينما ودراما رصينة وراسخة، وبنية تحتية في البلد، وهذا ما نفتقر إليه في الواقع".
نفى الروائي محمد حيّاوي أن تكون الدراما العراقية قد نجحت بتوظيف الرواية، وأرجع السبب في ذلك إلى غياب الصناعة الدراميّة.
وبيّن أنَّ "أغلب التجارب على هذا الصعيد كانت تجارب فردية، تفتقر إلى الجدية والاحترافية والدعم الاقتصادي، الذي يرتكز بالدرجة الأساس على وجود جمهورٍ حقيقيٍّ مستعدٍّ للدفع من أجل المُشاهدة، ووسائل عرضٍ جماهيريةٍ واسعةٍ كصالات العرض السينمائي ومحطات البث التلفزيوني".
أما المخرج والفنان علي ريسان فله رؤيةٌ مُغايرةٌ حول سبب عدم نجاح الدراما العراقية في تجسيد أعمال روائية هامة، حيث أرجع ذلك إلى "روح النرجسية التي يحملها معظم كتّاب السيناريو، وهنا أعني التفكير بشكلٍ نفعيٍّ في الحصول على عقد السيناريو، وتلافي إشكال حقوق كاتب الرواية، كما هو معمولٌ به في معظم دول العالم، ومنها الدول العربية".
"النخلة والجيران" حالة خاصة
وعن السبب في نجاح تجربة نقل رواية "النخلة والجيران"، التي كتبها الروائي والمترجم غائب طعمة فرمان، إلى المسرح، حيث قدّمتها "فرقة المسرح الفني الحديث"، كما أنّه أُنجِزَ منها مسلسل تلفزيوني، يقول حيّاوي إنّه "صدق المعالجة الروائية الواقعية التي انتهجها الكاتب الراحل غائب طعمة فرمان، ومشاركة نخبةٍ واسعةٍ من نجوم المسرح العراقي الكبار آنذاك، أمثال يوسف العاني وناهدة الرماح وفاضل خليل ومقداد عبد الرضا، وغيرهم من كبار فناني المسرح العراقي".
ويؤكّد صاحب رواية "خان الشابندر" أنَّ "هناك عدداً لا بأس به من الروايات العراقية التي تصلح للتحويل إلى السينما والدراما، خصوصاً تلك التي تعتمد خطوطاً دراميةً واضحةً، ومعالجاتٍ واقعيةً عميقةً لقضايا المجتمع العراقي"، ويضيف إنَّ "المخرج أو المنتج أو المعني الحصيف لن يَعدم القدرة على اكتشاف الصالح من الروايات العراقية الجيدة".
بدوره يجد الفنان علي ريسان أنَّ معظم روايات فرمان من الممكن أن تتحوّل إلى دراما تلفزيونية أو أفلام أو نصوص مسرحية، ففرمان "قريبٌ من نبض التحوّلات الاجتماعية، وهو لا يختلف عن الأديب نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس"، بحسب ريسان.
يجد الفنان علي ريسان أنَّ معظم روايات فرمان من الممكن أن تتحوّل إلى دراما تلفزيونية أو أفلام أو نصوص مسرحية، بسبب قُرب فرمان من نبض التحوّلات الاجتماعية.
ويُردف أنَّ "هناك الكثير من القصّاصين والروائيين العراقيين الذين يستحقون أن تُحوَّل رواياتهم إلى دراما رائعة، لكن بشروطِ عملٍ دراميٍّ احترافيٍّ، بدءاً من إنتاجٍ مفتوحٍ بميزانيةٍ جيّدةٍ". وهذا الأمر برأيه يحتاج إلى "طاقمٍ مُحترِفٍ في التصوير والصوت والمونتاج، إضافةً إلى ممثلين محترفين غير نمطيين، يمتلكون منجزاً وحضوراً ملفتاً على الشاشة".