شريهان.. أيقونة سينمائية ودرامية من زمنٍ ماضٍ
تاريخها الفني أبعد من الرقصات الاستعراضية و"فوازير رمضان".. كيف شقّت شريهان طريقها إلى النجومية وأصبحت أيقونة؟
حينما تخطر في الأذهان النجمة المصرية شريهان، نتذكر فوراً أدوارها المميزة في "فوازير رمضان"، ومن منا لم يشاهدها؟ كنا صغاراً نتحلّق حول شاشة التلفاز، نشاهد باستمرار رقصات شريهان وخفة حركتها ولطافتها في الأداء، التي جعلتنا جميعاً من محبّي هذه النجمة.
لكنّ الحقيقة أنّ تاريخ شريهان أوسع من رقصات استعراضية عدة، وحلقات من "فوازير رمضان". شريهان أيقونة سينمائية ودرامية بامتياز، تنجح في ما تفعل وتجيد اختيار الأعمال بصورة كبيرة، لتمثّل أو تعبّر عن جزء من الهوية المصرية، أو تعكس صورة عميقة لواقع مليء بالتناقضات.
سلمى بنت محمد في "عرق البلح"
فيلم "عرق البلح" هو أسطورة مصرية سينمائية، استطاع في أواخر تسعينيات القرن الماضي أن يجذب إشادة النقاد وكذلك الجمهور، وهو عبارة عن توليفة غريبة نادراً ما اجتمعت سوياً في عمل درامي أو سينمائي واحد، ما أهّله لاحتلال المرتبة الــ 18 ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في السينما العربية، بحسب استفتاء لنقاد سينمائيين ومثقفين قام به "مهرجان دبي السينمائي الدولي" في العام 2013، وحصل الفنان محمد نجاتي على لقب أفضل ممثل فيه، فيما حصدت شريهان لقب أفضل ممثلة.
في فترة التسعينيات كانت شريهان في أوج تألقها الفني في فوازير "حاجات ومحتاجات" و"ألف ليلة وليلة"، لكنّها كانت على موعد مع تجربة مختلفة عنها. من يصدق أنّ تلك النجمة الجميلة الاستعراضية في مسرحيات مثل "شارع محمد علي"، أو "علشان خاطر عيونك"، قد تكون صعيدية تقليدية تحكي عن فلولكلور قرية في أقصى صعيد مصر، سافر رجالها للعمل في دول الخليج، فصارت النسوة وحدهن في البلدة يكابدن احتياجاتهن؟
العديد من الدلائل تؤكّد براعة شريهان في دورها هذا، خاصة مشاركتها في الطقوس التي ظهرت واضحة بالسحرية الواقعية لرضوان الكاشف، ومنها "العديد"، وهي عادة صعيدية جنوبية تختص بالنواح والبكاء أوقات الحزن، ومنها الغناء الفلكلوري مثلما فعلت في أغنية "بيبة" الشهيرة.
كان يمكن أن تكون القصة بسيطة تحكي عن غربة المصريين في الخارج، لكنّ رضوان الكاشف أرادها مميزة، لذلك اختار نجوم ونجمات مميزين ومعالجة أكثر دقة، تحكي عن الصعيد بشكل واقعي سحري.
"الطوق والإسورة" حلم شريهان الذي تحقق
"كان حلم بلهث عليه. كنت شايفة فيا ممثلة ومكنتش شايفة إني حققته. الفيلم حققلي جزء كبير من حلمي اللي كنت بتمناه، وحقق نجاح مش طبيعي"، هكذا حكت شريهان عن فيلم "الطوق والإسورة" (1986) في أحد البرامج الحوارية، الذي يُعتبر أحد أنجح أفلامها، وهو من تأليف الأديب يحيى الطاهر عبد الله، وإخراج خيري بشارة.
العمل مع مخرج مثل بشارة حقق لشريهان ما كانت تحلم به، من إبراز مواهبها كفنانة بعيداً من الفوازير والاستعراضات، التي كانت جزءاً كبيراً من مسيرتها خلال تلك الفترة. تعلّمت شريهان من العمل في فيلم واحد مع بشارة ما كانت تحتاج 10 سنوات و20 فيلماً لتتعلمه من دونه، بحسب قولها.
لم يكن "الطوق والأسورة" (بطولة عزت العلايلي وفردوس عبد الحميد) مجرد فيلم عادي، يحكي قصة بطلها العجز الجنسي، وهو التابوه الأشهر ليس فقط في مدينة الأقصر، حيث تدور قصته، ولكن في مصر كلها. تؤدي شريهان دوراً بطولياً واستثنائياً جعل النقاد ينتبهون إليها في تلك الفترة، حيث احتل الفيلم المركز الـ20 فى قائمة أفضل 100 فيلم في ذاكرة السينما المصرية، وفق استفتاء النقاد الذي أجري بمناسبة مرور 100 عام على أول عرض سينمائي في مدينة الإسكندرية، كما أنّه حصل على المرتبة 22 ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في السينما العربية، بحسب استفتاء "مهرجان دبي السينمائي الدولي".
"دمي ودموعي وابتسامتي"
نضجت شريهان فنياً خلال تسعينيات من القرن الماضي، بعد المؤشرات التي كانت واضحة على اختياراتها الفنية في الثمانينيات. ثم شاركت في التسعينيات في بطولة أحد أهم الأعمال الدرامية، وهو "دمي ودموعي وابتسامتي" (1997)، من تأليف الأديب إحسان عبد القدوس وإخراج تيسير عبود، الذي كان آخر أعمالها الدرامية.
يحكي الفيلم قصة فتاة شديدة الجمال، تضطر للزواج من شاب عادي للتغطية على علاقتها غير الرسمية مع رجل أعمال كبير، التي تجري بموافقة الزوج الذي أحبته، لكنّها في ما بعد تضحي بعلاقتها معه من أجل إنقاذ عائلتها من ظروف قاسية.
شريهان و"اللعب" مع الكبار
يمكن اعتبار شريهان من الفنانات المحظوظات درامياً، أكثر من كونها محظوظة سينمائياً، لأنّها خلال مسيرة درامية قصيرة لم يتجاوز عمرها 14 عاماً، شاركت في عدة أعمال درامية حالفها الحظ فيها لأن تكون إلى جوار أكبر الفنانين في مصر آنذاك، لتكتمل تجربتها الفنية وتنهل من خبرتهم.
فقد قدمت مسلسل "دعوني أعيش"، في العام 1984، مع كل من الفنانين صفية العمري وسناء جميل وسمير غانم، وفي العام نفسه شاركت في مسلسل "الليل والقمر"، إلى جانب كلٍّ من عمر فتحي ومحمد عناني. وقبل ذلك بعامين، شاركت في بطولة مسلسل "سر التغريبة"، مع نبيل الحلفاوي ونبيل نور الدين.
وفي العام 1983، قدّمت مسلسل "وعادت الأيام" مع الفنانة رغدة، وفي العام 1987 قدّمت مسلسل "رحمة" مع الفنانين عمر الحريري وعبد الله غيث. وبعدها بعام، شاركت الفنان كمال الشناوي في مسلسل "نار ودخان"، الذي أخرجه أحمد السبعاوي.
وفي العام 1990، قدّمت مسلسل "الامتحان"، مع جميل راتب وسناء جميل وسلوى خطاب، بالإضافة إلى التجارب التلفزيونية التالية: "الجلاد والحب" و"بلاغ للنائب العام" و"حسن ونعيمة"، إلى جانب سهرة تلفزيونية بعنوان "القلوب عند بعضها".
شريهان وسر التألق السينمائي والدرامي
ترى الناقدة الفنية منار خالد، في تصريح لـ"الميادين الثقافية"، أنّ "شريهان ليست ممثلة قوية في المطلق، لكنّها شخصية لها حضورٌ طاغٍ وكاريزما عالية، استطاع المخرجون أن يُخرِجوا أداءات تمثيلية جيدة منها، كما في أفلام "الطوق والإسورة" و"عرق البلح" و"خلي بالك من عقلك"، لكنَّ بعض المخرجين الآخرين اعتمدوا على الجانب الاستعراضي لديها، لأنّه مضمون النجاح".
وتضيف خالد أنّه "تمّ تقديم شريهان في بعض الأعمال التلفزيونية كفنانة استعراضية بالأساس، مثل مسلسل "المعجزة"، بينما تمّ تقديمها في مسلسلات أخرى كممثلة، مثل "دمي ودموعي وابتسامتي" و"نار ودخان"، والذي لم تستطِع فيه شريهان أن تتجرّد من عباءتها الاستعراضية تماماً".
أما الناقدة السينمائية أروى تاج الدين فتعتبر في حديثها لـ"الميادين الثقافية"، أنّ "اختيارات شريهان كانت في البداية مرتبطة بالتيار السائد، والأفلام الميلودرامية التقليدية المسيطرة على سوق السينما المصرية في ذلك الوقت، ومع ذلك فإن اختياراتها كانت ذكية وناضجة جداً، على الرغم من صغر سنها وقلة خبرتها في ذلك الوقت".
وتابعت أنّه "على الرغم من موهبتها المتوسطة تمكّن المخرج خيري بشارة، في فيلم "الطوق والإسورة" من تشكيلها، وأخرج منها أداءً قوياً في شخصيتي الأم والابنة".
وتضيف تاج الدين أنّه "بعد النجاح الذي حققه "الطوق والإسورة"، ربما أدركت شيريهان قيمة العمل مع مخرجين أصحاب رؤية سينمائية، قادرين على أن يصنعوا منها ممثلة جيدة، فتضمّنت مسيرتها السينمائية أسماء مخرجين كبار مثل رضوان الكاشف ومحمد خان ورأفت الميهي".