ثلاث قصائد لعبد العزيز المقالح
بمناسبة رحيل الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح، اخترنا للقراء ثلاث قصائد من أشعاره هي: فوق ضريح عبد الناصر، على قبر دمشق، وهابيل الأخير.
قصيدة فوق ضريح عبد الناصر
هنا ينام متعباً
من أتعب الأيام والفصول
من عبرت خيوله فوق جبين الشمس والزمن
فما ونى ولا وهن
حتى ونت من تحته الخيول
واستسلمت لراحة الكفن
فآثر القفول
ونام موهن البدن
***
من أيقظ العيون
... هنا
ينام متعب الجفون
***
بالأمس مرّ في سمائنا
على جواد الفجر كالصباح
أيقظنا من الخدر
مرّ بكفه فوق مواقع الجراح
قال لنا: أنتم بشر
كنا نسينا أننا بشر
وأن شمسنا مشلولة الجناح
فاستيقظت سهولنا، وانتفض القدر
على جبالنا المجنونة الرياح
***
يا اخوتي هل تذكرون حين مر
كيف بكى حزناً على "بلقيس" و "بن ذي يزن"
ماتا فلم يضمهما قبر ولم يسترهما كفن
كان على سفر
فثار واستقر
وصاح في الأطلال والدمن
ثوري، تحركي
فثارت الأحجار والشجر
وثارت اليمن
***
تناثرت من حولها سجون "القات" والكهوف
تقاطرت من قبرها الالوف
والفارس الذي أيقظها ممتشقاً حسامه
يضرب وجه الليل والإمامه
ويسحق (الأقزام) والسيوف
وخلفه، أمامه
تشتجر الأخطار والحتوف
لا الليل .. لا عواصف الشتاء
و لا زئير الرمل والجبال
تثني حوافر الجواد الممعن التحليق في الفضاء
تهز ذرة احتمال
عبر يقين الفارس المتشح الضياء
حتى تكسرت على طريقه النصال
واحترقت كهوف الليل والفناء
ولامس الجبين الأسمر السماء
***
وبعد ألف رحلة ورحلة إنتصار
يعود للديار فارس النهار
يعود متعباً ليستريح
لينفض الجراح والغبار
هنا على جوانب الضريح
وفي غد يستأنف المسار
من جوف قبره يصيح
متابعاً بقية الحوار
************
قصيدة على قبر دمشق
دمشق التي قاتلت
ودمشق التي احترقت
ثم عادت من النار، لم تحترق
كيف تحترق الآن في السلم؟
تفقد لون ضفائرها؟
كيف يهجُرها "بردى"
وينامُ على قبرها "قاسيون"؟
**
أيها القمر الذهبي - الذي كان -
كيف ترى طفلة الشام
يجلدها العابثون
فلا تتحرك أشجارُك الشامخاتُ
ولا حجر من "أميّة"
يا سيد الأفق .. رُد
ألا تستطيع؟
هل استعجمت في زمان الحروب الحروف؟
**
أيها المتعبون
الطريق طويل..
وأعناقنا لا تهابُ المسير
الخيول التي نمتطيها دماءُ قرانا
وأحزان أجدادنا
فاستريحوا
لأن الخيول الجريحة
ظامئة للمسير.
**********
قصيدة هابيل الأخير
هابيل ...
كم عام مر وأنت قتيل
مطروح في الطرقات
تبحث عن حفار قبور بين الأموات
قابيل الآثم حين رآك
مقتولاً فر إلى البحر
ابتلعته الأسماك
وبقيت بلا قبر - وحدك - يبكي الجسد العريان
خجلاً
وتمر حواليه الغربان
علّ بقايا إنسان
يشهد رحلتها اليومية
كيف توارى في حزن موتاها
في رعبٍ قتلاها
لكن العام يمر
تتعاقب حول الجثة أعوام
والجسد العاري الحر
مطروح في الطرقات
تسطو الديدان على عينيه
تثني سوأته الريح
تنزو حشرات الليل عليه
وتسير على الوجه الظلمات
**
لو كنت القاتل يا هابيل
ما كنت بلا قبرٍ
كان البحر أو النيل
قبراً يخفي وجهك من ضوء الشمس
عن حزن الأمس
فتحسس خنجرك المسموم
أغمده بلا خوف
افتح قلب أخيك المحموم
إني أدعوك لكي تبقى أنت القاتل
أنت الضارب وجه الباطل
**
هابيل ...
أقتل ...
أقتل إياك تقول:
أنا المقتول
أنا المقتول