بترام شلش: تساؤلات بالريشة واللون
في تعليق له بالترافق مع المعرض، يمزج شلش بين الراهن والعصر، حيث يسمع "... طبولاً أخرى، رنيناً، براميل"، كما يقول، ويرى "مطبوعات كايزر، رؤى مجسمة: جماهير متجمعة، متجمعة". تكرار هاجس بما لا تُدرك معانيه.
في معرضه الإفرادي الثالث بعنوان Stereo Vision، يبدو الفنان اللبناني، بترام شلش، في حركة صعود وهبوط، يمكن وصفها بالاضطراب المشوب بالقلق إزاء المصير المجهول على مستوى محلي، وآخر عالمي على حدٍّ سواء.
لا غرابة أن يجد المشاهد انعكاس الواقع على الفنان في منطقة لا يتوقف فيها التوتر، ولا تهدأ العواصف، حاملة معها نذر اختبار الواقع بمرارة، والخوف من المقبل على وقع الوافد من الأحداث والتطورات.
طوّر شلش (1988) فنّه بالتجربة الشخصية، وقاده شغفه بالفن إلى مشارب مختلفة، فامتلك قدرة فنية تعبيرية محترفة بالريشة واللون.
في معرضه الراهن في غاليري "جانين ربيز" في بيروت، تتداخل الرؤى والتوقعات تحت وطأة الوافد إليه من مناخات الواقع المتفاعل بسلبيات تفوق الإيجابيات بما لا يُقارَن، وتتداخل في مخيلته وقائع اليوم المتناوبة، ومناخات العصر الفارضة ذاتها على الحياة من دون إمكانية لردّ ما يمكن وصفه بغير المرغوب فيه.
في تعليق له بالترافق مع المعرض، يمزج شلش بين الراهن والعصر،حيث يسمع "... طبول أخرى، رنين، براميل"، كما يقول، ويرى "مطبوعات كايزر، رؤى مجسمة: جماهير متجمعة، متجمعة". تكرار هاجس بما لا تُدرك معانيه.
يتابع هواجسه، وما يختلج فيه، وما يخشاه حيث "لا مكان قريب، هنا - تمزق، هناك. ارتعاش، إقليم، رعب".
ويتابع على مستوى العصر حيث يرى "استهلاك – افتراض - استئناف"، إنّها سمات من العصر الاستهلاكي الطاغي، والعمل الافتراضي تحمله إلينا تقنيات العصر التي توصف بأنها "المتطورة" رغم وحشيتها، وقساوة استلابها لأفراد العصر المعولم. هل ستنظر إلى الشمس في عينها اليوم؟ يتساءل شلش عن الغد؛ عما هو آتٍ؛ عن مجهول يرى ولا يرى، فيقول بما يشبه الهذيان:"لا ولا، لا هذا ولا ذاك؟".
هكذا يتضّح أن ممارسة شلش متجذرة في تداخل الأشكال والأفكار، حيث تخلق أعمالاً تستكشف تعقيد الوقائع والأحداث، من خلال التجريب المستمر مع الأشياء والأماكن المتداخلة كمحاولة محفوفة بالإحباط لــــ "تسجيل الضوء المتسرب بين أوراق الشجر والتقاطه".
وتبدو الأعمال المعروضة محاولة لتفكيك الأحداث، والصور، والتجربة الجماعية، وتحويلها إلى استعارات تصويرية في سلسلة لوحات متنوّعة في أحجامها، يطغى عليها اللون البني الفاتح، والبني الغامق التي تكرّس المَيْل إلى التّضاد، مع مشحات تزيينية بألوان مختلفة كالأصفر والأحمر والبنفسجي.
ويغلب على الأعمال الطابع التجريدي، الذي يفترض غياب المعنى، إلّا أن أعمال شلش كأنها تكتنز في دواخلها، وخلفيات مراياها، معاني مختلفة. ثمة ما يريد قوله، ولا يقوله، كأنه يخشاه، متردِّداً. اضطراب لا مفرّ منه، ينتقل بسلاسة من الواقع إلى اللوحة، مكتفياً بنبضات ريشة تمسح التلاوين بمساحات عريضة فارغة على حساب بقية أجزاء اللوحة.
في لوحة زيتية على الحرير، متوسطة الحجم، اسمها "هنا بالقرب" (Here Near)، تتماوج الألوان بتناوب شبه أفقي، من البنيّ الشفّاف، إلى البنيّ العادي، فالداكن، والوسط شكل صخور كأنها متاريس حرب في جبال بعيدة، ترسل صداها، ولا تظهر.
"هناك" (There) زيتية على خشب متوسطة الحجم، سماء بلا زرقة، ولا غيوم، متمشِّحة بالمتراوح بين الانتظار، والجلف الكامن خلف نصوب متباسقة إلى الأعلى، في غموض موقف، وما هو مرتقب.
ثم في لوحة "تحت الشمس" (Under the Sun)، زيتية على حرير، حيث ينجلي الأزرق في فضائها، وتنكشف خيمة ترمق الأفق، بتساؤل ثقيل، مجهول الإجابة. تتشح ببعض ألوان تكسر رتابة البني بين فاتحه، والملبّد منه.
ثم لوحتان بلا عنوان، زيتيتان على خشب، متوسطتا الحجم، تتابعان مسار المعرض في مساحات متمشّحة واسعة بالبني المتناوب الألوان، وصولاً إلى مجموعات لوحات صغيرة من المناخات عينها، تضفي تنوّعاً متناغماً كاسرة في الشكل انسياق الألوان المتقاربة.
يذكر أن بترام شلش رسام لبناني علّم نفسه بنفسه، وتشتمل ممارسته على الرسم، والسيراميك، والتصوير الفوتوغرافي، والفن الرقمي.
خلفيته في صناعة المجوهرات ترفد أعماله باستكشاف موضوعات الإدراك والهوية، وتنبع أعماله ومعانيه من الطبيعة واللغة البصرية، حيث تتكثّف التطلعات السياسية، والأحداث التاريخية، والتأمّلات في صور شعرية مجازية.
يدعو فنه إلى مشاركة أعمق في تعقيدات الحياة المعاصرة، وكان أحد الحائزين على "جائزة مؤسسة بوغوسيان للفنون البصرية" عام 2024، وتمت دعوته إلى الإقامة الفنية في Arts dans les Cités من قبل جمعية Peites Cités de Caractère de Bretagne، بالتعاون مع "المعهد الثقافي الفرنسي" في لبنان.
بالإضافة إلى ذلك، له العديد من المساهمات في المعارض الجماعية منذ عام 2015، وأقيم أول معرض فردي له بعنوان "اضمحلال الكذب" عام 2018 في KED – بيروت، وأقام معرضه الفردي الثاني "The Mourning Ater" في ARTLAB عام 2019.
كما شارك في معارض جماعية، مثل "30 عاماً من الألوان" (2023)، و"تطلعات اليوم (Visions of Today) (2021)، و"أوكتوبر 17" بين عامي 2019 و2020، و"بتصرّف"، وهو معرض لصالح المكتبة الوطنية اللبنانية عام 2016.
تُعرض أعماله في مجموعات خاصة في لبنان وأمستردام وفرنسا.