"النبي" في الجامعة الأميركية في بيروت: الشعر يحاور الأركيولوجيا
"مهرجان بيروت للأفلام الفنية" يحتفي بمئوية كتاب "النبيّ" لجبران خليل جبران، وتشمل الفعاليات عروض أفلام وحلقات نقاش ومحاضرات حول الفن والثقافة والسينما.
أعلن "مهرجان بيروت للأفلام الفنية" (BAFF) عن إطلاق احتفالية مئوية كتاب "النبيّ" لجبران خليل جبران، وذلك ضمن البرنامج الثقافي المواكب لفعالياته من عروض أفلام، وحلقات نقاش، ومحاضرات حول الفن والثقافة والسينما من مختلف جوانبها.
وانطلقت الاحتفالية يوم أمس الثلاثاء بدعم من مؤسسة سعد الله ولبنى خليل، في متحف الآثار في الجامعة الأميركية في بيروت، وتستمر حتى 19 كانون الأول/ديسمبر المقبل، على أن تعاد بصيغة متجدّدة في الربيع المقبل في جامعة القديس يوسف (اليسوعية)، وفي "متحف جبران" في بشري.
وتشمل المناسبة عروضاً ممسرحة بعنوان "النبيّ في المتحف: الشعر يحاور الأركيولوجيا"، والعرض أداء سالي جابر، وعلاء عيتاني، وإخراج لينا أبيض، وتنسيق ألفرد الخوري.
ويقول المدير الفني للاحتفالية ألفرد خوري لــ"الميادين الثقافية" إن: "هذه الحكاية المثالية تكتسب بُعداً آخر عندما نأخذ بعين الاعتبار أن جبران كتب هذا الكتاب في نيويورك بعد سنوات قليلة على انتهاء الحرب العالميّة الأولى، وأنّه هو نفسه قد عاش تجربة الهجرة، والاغتراب، والفقر، وفقد أمه، وإخوته الذين أودى بهم المرض".
ويضيف أنه "على الرغم من أن "النبيّ" لا يتضمّن إشارات مباشرةً إلى أحداث تاريخيّة أو شخصيّة، إلا أنّه لا يُمكننا إلّا أن نجد فيه صدىً للمجاعة الكبرى التي حلّت بجبل لبنان بين عامي 1915 و1918، والتي آلمت جبران عميقاً، فضلاً عن مذابح الأرمن، وسواها من المجازر، ومشاريع التهجير، والطّرد، والاستعمار التي كانت تنفَّذ في المنطقة في تلك الفترة من الزمن".
ويرى خوري إن إحياء عرض هذا الكتاب، "يضيء على علاقة كتاب "النبيّ" بثقافات شرق المتوسّط، وكتب العالم القديم، وهو بذلك يهدف إلى إضفاء بُعد جديد على عالميّة كتاب جبران، وجذوره الأدبيّة والحضاريّة، فمن خلال دعوة "النبيّ" إلى متحف متخصص بعلم الآثار، وتحديداً آثار الشرق الأوسط من مصر حتّى إيران، ومنذ العصر الحجري، حتّى القرن التاسع عشر، يقدّم هذا العرض الكتاب كوثيقة عابرة للأزمنة والثقافات".
وفي نشرة مرافقة للاحتفالية صادرة عن المهرجان، فإن الطبعة الأولى من الكتاب صدرت في نيويورك عام 1923، ومنذ ذلك الحين توالت طبعاتُه من دون انقطاع. وقد بيع منه أكثر من 11 مليون نسخة في طبعته الأميركيّة.
لكن "النبي" لم يتجاوز عتبة المئة من السنين فقط، بل أيضاً في الجغرافيا واللغات، فقد بات الكتاب مترجماً إلى عشرات اللغات وهو بذلك من أكثر الكتب ترجمةً في التاريخ.
ونظراً لهذا الانتشار الواسع، يعتقد خوري أن الكتاب "يمثّل دليلاً على طابعه العالميّ، سواء على مستوى البناء الأدبيّ الجمالي، أو على مستوى المضمون الفلسفي الروحاني"، مضيفاً عن التساؤل حول معنى قراءته اليوم أنه "في كيفية تقاطع رسالته العابرة للأزمنة، واللغات مع عالمنا المعولم الذي يتباهى بالسرعة، والتعدديّة، والتواصل الدائم، في حين أن أكثر ما "يوحّد" عالمنا اليوم هو سلسلة الأزمات، والتحدّيات التي باتت تهدّد الحياة على الكوكب، كالتغيّر المناخي، وموجات الهجرة، والحروب الأهليّة، والحروب عن بُعد، وشحّ الموارد والأوبئة الفتّاكة".
"النبيّ" هو حكاية مدينة ونبيّ. المدينة هي أورفليس، والنبيّ هو المصطفى، "المختار الحبيب". بعد 12 سنة من الإقامة بين أهل أورفليس، تأتي ساعة الرحيل، فيجتمع الشعب حول المصطفى ويسألونه أن يشاركهم شيئاً من حكمته وتعاليمه، قبل أن تحمله السفينة إلى جزيرة مولده.
واحد تلو الآخر، يطلب أهل أورفليس إلى المصطفى أن يحدّثهم عن القضايا التي تعنيهم، كالحبّ، والزواج، والعمل، والفرح، والحزن، والمنازل، والعقل، والعاطفة، والصداقة، وغيرها، فيشرعُ في الحديث ويدلّهم إلى طرق المعرفة والحب والسلم.
"يقترح العرض قراءةً مُمَسْرحة للنبيّ"، يفيد خوري، ويوضح أنه "يقيم حواراً بين فصوله الــ 26، ومحفوظات المتحف الآتية من حضارات وأزمنة متنّوعة، ومن خلال هذا الحوار يُضيء الكتاب على الأركيولوجيا، التي تدلّنا بدورها على الأبعاد الإنسانيّة والروحيّة في الكتاب".
أمّا فكرة الحوار، فهي نابعة من كتاب جبران نفسه، يقول خوري، ويرى أنها "تحثّنا على التفكير في مسائل الرمزيّة والجماليّة والمعنى، وعلى اختبار علاقة الأدب بغيره من الفنون كالنحت والتصوير والزخرفة والعمارة".
ويختم خوري أنه بهكذا تصوّر، "يبدو لنا "النبي" أكثر من مجرد وعاء من الحكم الجاهزة والتعاليم المعلّبة، ليغدو حواراً حقيقياً مفتوحاً على التأويل والقضايا الراهنة، في بحث مستمّر عن ُطرق الحب ومعرفة الذات واحترام الآخر والتناغم بين الإنسان والطبيعة".