السينما في اليمن: ذكريات وجدران تصحو من السبات
للسينما في اليمن تاريخ يعود إلى قرن مضى.. من هم روادها؟ وأين أصبحت اليوم؟
يعود تاريخ السينما اليمنية ودورها إلى مطلع القرن الماضي، حيث عُرِض أوّل فيلم صامت لشارلي شابلن في ساحة العروض، في مدينة خور مكسر عام 1918، وذلك إبان الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن.
تاريخ السينما في اليمن
على الرغم من أنَّ الاحتلال البريطاني للجنوب اليمني سيطر على الموارد، إلا أنّه حمل معه العديد من أوجه النهضة الثقافية والتجارية، حيث عرفت عدن السينما خلال هذه الفترة، لتزدهر لاحقاً وتصبح أحد معالم المدينة، التي احتضنت أول دار سينما في اليمن.
وأنشئت أول دار عرض سينمائي محلية في عدن في ثلاثينيات القرن الماضي في كريتر، قرب حي الميدان، أطلق عليها اسم سينما "هريكن" (Hurricane)، وجاءت هذه التسمية من طائرة مقاتلة بريطانية تحمل الاسم نفسه. وبلغت المساحة الأولية لهذه السينما نحو 600 متر مربع، ثم أصبحت مساحتها ضعف ذلك في العام 1942.
وبحلول العام 1972، ارتفع عدد صالات العرض السينمائي في مدينة عدن وحدها إلى 10 صالات، بالإضافة إلى 4 صالات امتلكها طه حمود، المعروف باسم "ملك السينما".
وهذه الصالات هي: السينما الأهلية، أو "سينما البادري"، لصاحبها حسين إسماعيل خدابخش، وتقع في كريتر. وسينما البنيان أو "برافين" في كريتر أيضاً. وسينما بلقيس لصاحبها جعفر مرزا. وسينما "ريجل" أو "شاهيناز"، للملقب بـ"مستر حق" في خور مكسر. والسينما الشعبية لعبده عبد القادر في الشيخ عثمان، وسينما دار سعد، وسينما البريقة في مديرية البريقة المجاورة، المعروفة باسم "عدن الصغرى".
وبالنسبة للمحافظات الشمالية، فيعود أول ظهور لدور السينما فيها إلى العام 1962، إبان ثورة الجمهورية اليمنية التي أطاحت بالإمام أحمد حميد الدين، وانتشرت أغلب هذه الدور في 3 محافظات، هي صنعاء والحُديدة وتعز.
وافتتحت في العاصمة صنعاء أول صالة سينما في العام 1959، كما افتتحت سينما "بلقيس صنعاء" في العام 1967، التي امتلكها رجل الأعمال سيف ثابت، وتم افتتاح فرعٍ لها في تعز، أقيمت فيه حفلات غنائية لكبار الفنانين، مثل علي الأنسي، كما أقيمت فيها أنشطة مسرحية، مثل مسرحيات عبد الله شاكر.
بدورها، عرفت مدينة زبيد التاريخية السينما منذ السبعينيات، بعد افتتاح "شركة السينما الأهلية"، التي استمرت حتى الثمانينيات، ثم أقفلت بعد ذلك إلى يومنا هذا.
وبعد إعلان الوحدة بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي سنة 1990، ارتفع عدد دور العرض في اليمن بشكل عام، ليصل إلى حوالى 40 في عدن وضواحيها، مقابل 9 فقط في صنعاء.
قيود وتحديات
واجهت السينما اليمنية الكثير من التحديات، خصوصاً في العقد الأخير من القرن العشرين، بعد إعلان الوحدة اليمنية، التي أعاقت في ما بعد قدرتها على الاستمرار. حيث فرضت دولة الوحدة قيوداً على عرض بعض الأفلام، خاصَّةً تلك التي تمسّ مواضيع أو قضايا أو شخصيات ذات صلة بالقومية العربية، وبعد ذلك برز مطلب إغلاق هذه الدور، في ظل سعي دولة الوحدة إلى إرضاء جميع التيارات في المجتمع اليمني، بما فيها التيار الديني.
وفي السنوات الأخيرة، تعرّضت بعض دور السينما للهدم، منها على سبيل المثال "سينما الشرقية" في مدينة عدن، حيث نشرت وسائل إعلام صوراً وثّقت هدمها من قِبل جرافات في العام 2019، بذريعة بناء مركز تجاري مكانها، وهي إحدى أقدم دور السينما في عدن، حيث أنشئت عام 1965 في مديرية الشيخ عثمان.
كما عانى مُلَّاك دور السينما من شحّ الإيرادات، التي لم تستطِع تغطية نفقات التشغيل، وعجزت عن توفير المبالغ المالية لشراء الأفلام الجديدة، وضاعف من الصعوبات الضرائب التي فرضتها الدولة.
في حديثٍ لـ"الميادين الثقافية"، قال لطفي طه محمد حمود الهاشمي، حفيد طه حمود، مالك سينما "هريكن"، إنّه "في الأسبوع الأول لتسلمنا دار السينما، أنا ووالدي، فوجئنا بقدوم 3 موظفين من مصلحة الضرائب، وأتذكر كيف شرح لهم والدي أنّه لم يمضِ أسبوعٌ واحدٌ على تسلمنا السينما، التي صودرت منذ 30 عاماً لم نجنِ خلالها أيَّ دخلٍ، لكنهم قالوا إنّهم يريدون منا إعداد تقريرٍ شهريٍّ بعدد التذاكر المُباعة، ودفع 30% من دخلنا لمصلحة ضرائب الدخل والواجبات".
ونتيجةً لتلك التحديات التي واجهت دور السينما، والقيود التي فُرضت عليها، والتي انعكست على مُلَّاكها الذين أصيبوا باليأس، قام بعضهم بالتخلي عن خدمات دور السينما، واستخدامها في أغراض أخرى.
أما في الوقت الحالي، فمن أصل 49 دار عرض سينمائي كانت موجودة في اليمن، لا توجد في الخدمة سوى بعض الدور التي تحوّلت من عرض الأفلام السينمائية إلى عرض أفلام الأسطوانات المدمجة (DVD)، أو عرض مباريات كرة القدم العالمية، أو تحوّلت إلى قاعات لإقامة حفلات الأعراس (مثل سينما التواهي)، أو جرى بيعها لتُهدم لاحقاً، وما تبقّى فهو مجرّد أطلالٍ شاهدةٍ على مواكبة اليمن لموجة الحداثة والفن.
نجاحات رغم الصعوبات
على الرغم من الجمود والركود الراهنين المسيطرين على الواقع السينمائي في اليمن، إلا أنَّ هناك نجاحات حققتها مجموعات من الشباب اليمني، الذين يحاولون تنشيط السينما والمنافسة بما ينجزوه، وقد فازت بعض هذه الإنجازات بجوائز عربية ودولية.
فقد حصل الفيلم القصير "صورة"، الذي تناول قضية تهميش المرأة، وأنجزته المخرجة سوسن العريقي، على جائزة "أفضل فكرة" في "مهرجان طيبة للأفلام القصيرة" في القاهرة سنة 2012. كما نال الفيلم ذاته، الذي لا تتجاوز مدّته 4 دقائق، جائزة لجنة التحكيم في "مهرجان مكناس الدولي لسينما الشباب" في المغرب.
ورُشِّح فيلم "ليس للكرامة جدران"، للمخرجة سارة إسحاق، إلى جائزة "الأوسكار" عن فئة "أفضل فيلم وثائقي قصير".
وطُرح الفيلم في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2012، وهو يحكي قصة خروج تظاهرة غير مسلّحة في شوارع العاصمة صنعاء أيام ثورة 2011.
وأخرجت اليمنية خديجة السلامي فيلم "أنا نجوم، ابنة العاشرة ومطلقة"، في العام 2014، الذي يروي قصة الطفلة نجود محمد علي، أول طفلة يمنية تحصل على الطلاق متحدّيةً والديها، بعدما زُوّجت قسراً.
وكان فيلم "10 أيام قبل الزفة"، الصادر في 21 آب/أغسطس من العام 2018، للمخرج عمرو جمال، أول فيلم طويل يُعرض جماهيرياً في صالةِ عرضٍ للجمهور المحلّي في اليمن منذ 40 سنةً.
وحقق هذا الفيلم نجاحاً كبيراً على المستويين المحلي والعالمي، وعُرِض في أعرق صالات السينما في كل من الولايات المتحدة، كندا، ألمانيا، دبي، والقاهرة.
كما عُرِض في العديد من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية، التجارية والخاصة، وحاز جوائز عدّة، وتمَّ ترشيحه في فئة "أفضل فيلم أجنبي" ضمن جائزة "الأوسكار" في العام 2019.