إلى آموس هوكستين.. هل نايا والأطفال اللبنانيون الشهداء "غير أبرياء"؟

سيعرف اللبنانيون أن الحرب انتهت لمّا يتم تنظيف سمائهم من هذا الظل الثقيل جداً، والكريه جداً، والمجرم جداً، والذي له اسم، مجرد نطقه يسبب لهم مزيداً من كره الاحتلال: "الأم  كا"!

زميلتي مهى قالت لي عن نص كانت تدققه. إنه من أيام التدقيق في المكتب. تنبّهت أنا للأمر، وقلت لها: صرنا نستطيع الحديث عن التدقيق في المكتب والتدقيق في ما بعد المكتب!

ضحكت زميلتي. قالت أمراً مفاده إن مياهاً كثيرة ستجري تحت هذا الجسر. سوف نعتاد، كثيراً، على القول، أو ربما علينا أن نعتاد، أو نحن مجبَرون على أن نعتاد: ما قبل النزوح وما بعد النزوح!

فعلاً، صعب أن أقول هذا الكلام تحت السماء نفسها التي كانت تظللني قبل 3 أسابيع: أنا بعد النزوح لستُ أنا الذي كان قبل النزوح! ثمة أمور كثيرة داخلي تهشّمت! ليس العدوان، الذي دمر كل شيء، هو الذي هشّمها، بل هشمها كيف كنت أرى، قبل نزوحي، هذا العدوان! حينها لم أكن أراه على حقيقته كما أراه حالياً، علماً بأني لم أغيّر نظارتي. وحدها نظارتي قبل النزوح، وقبل العدوان، ما زلت أضعها نفسها على عينيّ بعد النزوح وبعد العدوان!
وحدها نظارتي شاهد ودليل على حالي قبل النزوح… وحالي بعد النزوح!

ثمة مفردة جديدة ستدخل أيضاً ضمن صبحيات اللبنانيين وكلامهم من خلف ظهور بعضهم البعض، والتي أدخلها ضمن مصطلحات ما بعد النزوح، الموفدُ الأميركي، آموس هوكستين. قال هوكستين حرفياً، ولم يعترض أحد، أو ربما لم يجرؤ على الاعتراض أحد: "حمى الله الأبرياء في لبنان"!

"سعادته"، هوكستين، قسّم اللبنانيين، من دون أخذ رأيهم، إلى: "أبرياء"… و"غير أبرياء"! وضمن "غير الأبرياء"، الذين عناهم سعادته، الأطفالُ والنساء والشيوخ والعجزة، الذين نزحوا عن بيوتهم، والذين استُشهدوا تحت ركام بيوتهم!

إحدى هؤلاء اللبنانيين "غير الأبرياء"، وفق تقييم هوكستين للبنانيين، نايا، التي كانت قبل العدوان الإسرلئيلي طفلةً "بتاخد العقل"، تضحك وتفرقع ضحكتها في السماء، التي هطل منها صاروخ لئيم أزهق عمرها وطفولتها وضحكتها!

ومن هؤلاء اللبنانيين "غير الأبرياء" أيضاً، وفق تقييم هوكستين للبنانيين، الأطفال الثلاثة من عائلة عثمان، الذين قتلهم العدوان الإسرائيلي في حي النبي إنعام، في بعلبك، تزامناً مع زيارة هوكستين!

هل شاهد هوكستين نايا؟ هل رأى صور الأطفال البعلبكيين، علي وحسن وحسين عثمان، والذين قتلهم الاحتلال خلال وجود "سعادته" في بيروت؟

هل يمكن لدولة الرئيس نبيه بري ودولة الرئيس نجيب ميقاتي أن يسألا هوكستين: هل نايا والأطفال من آل عثمان، ومئات الأطفال في جنوبي لبنان وبعلبك الهرمل والضاحية، ممن قتلهم الاحتلال: هل هؤلاء الأطفال لبنانيون… "غير أبرياء"؟ هل مفهوم البراءة قبل النزوح وقبل العدوان، لم يعد المفهوم نفسه بعد النزوح وبعد العدوان؟

أيضاً وأيضاً، ثمة مفردات جديدة ستدخل في قاموس لغة اللبنانيين، وفي قاموس تخاطبهم، وفي قاموس خبريات صبحياتهم. سيُضطر اللبنانيون، حتى زمن لا يريدون أن يكون طويلاً، على مصطلحات كريهة، لكنها باتت مثل الهواء، الممتزج برائحة البارود، ورائحة دخان حرائق البيوت التي دمرها الاحتلال، ورائحة جثث الأطفال التي أحرقتها صواريخ الاحتلال "الذكية" جداً... والمجرمة جداً، والحاقدة جداً.

سيعتادون، مرغَمين، على مصطلحات تذكّرهم بالعدوان، وبمآسي العدوان، مثل: ما قبل "الأم كا"، وما بعد "الأم كا"! هذه الطائرة "الثرثارة" اللعينة، التي تذكّر اللبنانيين بأنهم مراقَبون؛ بأن أنفاسهم يتم إحصاؤها وعدّها؛ بأنهم يعيشون تحت سماء باتت تحتلها طائرات العدوان.

سيعرف اللبنانيون أن الحرب انتهت لمّا يتم تنظيف سمائهم من هذا الظل الثقيل جداً، والكريه جداً، والمجرم جداً، والذي له اسم، مجرد نطقه يسبب لهم مزيداً من كره الاحتلال: "الأم  كا"! الاسم الرديف لقتل الأطفال. الاسم الرديف للاحتلال!

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.