وصفة إردوغان جاهزة. ما العمل؟
لولا صمود سوريا وجهة أخطر وأشرس حرب كونية لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً، لما كنا الآن نتحدث عن الدور المحتمل للرئيس السيسي في المعادلات الإقليمية المعقدة، وستكون مصر هدفاً لها بأي شكل من الأشكال.
بعد 3 أيام من مباحثاته مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والتي تناولا فيها مجمل القضايا الثنائية والمشتركة، بما فيها الوضع في سوريا، تحدث الرئيس إردوغان عن "الخطوات التي يلقيها وسيلقيها على طريق العلاقات مع مصر وسوريا"، وقال عنها إنها "تهدف إلى تأسيس محور تضامني ضد التهديد التوسعي الإسرائيلي الخطير والمتزايد".
وتحدَّث إردوغان في مدينة إزميت شرق إسطنبول خلال مؤتمر لطلاب مدارس الأئمة والخطباء، وعبَّر عن "قلقه من العدوان الصهيوني في غزة والضفة الغربية"، وقال: "إسرائيل لن تتوقف، بل ستحتل رام الله أيضاً إن استمرت بهذا الشّكل، وستضع مناطق أخرى نصب عينيها، إلى أن يأتي الدور على دول أخرى في المنطقة، مثل لبنان وسوريا. كما أنها ستطمع في الأراضي التركية وحتى ما بين دجلة والفرات"، وأضاف: "لذا، أقول إن حماس تقاوم باسم المسلمين، وتدافع ليس عن غزة فحسب، بل عن الأراضي الإسلامية وعن تركيا أيضاً، وهو ما يتطلب المزيد من يقظة الدول الإسلامية والتعاون في ما بينها وإدراك الخطر الذي يحدق بها. والخطوة الوحيدة التي ستوقف غطرسة واستهتار وإرهاب "الدولة" الإسرائيلية هي تحالف الدول الإسلامية".
كلام الرئيس إردوغان هذا لا بد من ترجمته عملياً عبر خطوات ملموسة تحقق ما تحدث عنه أكثر من مرة قبل الآن. ويتطلب ذلك في الدرجة الأولى خطوة عملية من "أم الدنيا مصر" باتجاه سوريا؛ "قلب العروبة النابض"، كما سماها الرئيس الراحل عبد الناصر.
ويعرف الجميع جيداً أنه لولا صمود هذا "القلب" في وجهة أخطر وأشرس حرب كونية لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً، لما كنا الآن نتحدث عن الدور المحتمل للرئيس السيسي في المعادلات الإقليمية المعقدة، وستكون مصر هدفاً لها بأي شكل من الأشكال، وهو ما لا يخفيه قادة الكيان الصهيوني.
ويعرف الجميع أيضاً أنه لولا صمود سوريا وحلفائها، لما حالف الحظ الرئيس السيسي بإطاحة حكم الإخوان المسلمين وحلفائهم من فصائل الإسلام السياسي، المعتدل منه والمتطرف، كما هو الحال في القاعدة والنصرة وداعش وعشرات المجموعات المسلحة التي دمرت المنطقة برمتها، وبدرجات متفاوتة، وكادت أن تحقق أهدافها خدمة للمشروع الصهيوني /الإمبريالي.
وكان هدفه النهائي هو السيطرة الكاملة على المنطقة بكل شعوبها ودولها، وإن كان البعض من حكامها في خدمة هذا المشروع منذ سنوات طويلة أوصلت المنطقة إلى ما وصلت إليه في سنوات الربيع العربي الدموي، والآن في حرب الإبادة الصهيونية في غزة والضفة الغربية، وهو ما يتطلب موقفاً عملياً وسريعاً وفق كلام الرئيس إردوغان.
وما عليه إلا أن يترجم ذلك عملياً بصفته رئيس دولة إسلامية غير عربية، حالها حال إيران، بعدما فشلت الجامعة العربية، ومن بعدها دول مجلس التعاون الإسلامي، في اتخاذ أي موقف رادعٍ للهمجية الصهيونية التي يعرف الجميع أن سوريا هي خط الدفاع الأول والرئيسي، ولكن بدعم شقيقاتها، وفي مقدمتها الجارة تركيا التي تملك، ومعها الجارة إيران، العديد من أوراق القوة المؤثرة في مجريات الأحداث ووضع حد نهائي لها وقبل فوات الأوان. وبانتظار الموقف العربي الموحد تجاه سوريا الذي لا يفهم أحد سبب تأخره، يستطيع الرئيس إردوغان أن يبادر إلى تسريع هذا الموقف بعد مصالحته الأخيرة مع القاهرة، ومن قبلها أبو ظبي والرياض، وهو ما يتطلب منه الاتفاق على الحد الأدنى من الشروط التركية -السورية الخاصة بالمصالحة التي يتحدث عنها الطرفان، كل من زاويته الخاصة التي تعرقل مثل هذه المصالحة بأسرع ما يمكن، وقبل أن يحقق الكيان الصهيوني أهدافه التي تحدث عنها الرئيس إردوغان.
ويعرف الجميع أن أي مبادرة عملية منه تستطيع أن تحسم معظم الملفات العالقة، وأهمها سحب القوات التركية من الأراضي السورية، بعدما تراجع الرئيس الأسد عن شرطه هذا، مكتفياً بتعهدات شخصية من إردوغان وبضمانات روسية يزداد ثقة الرئيس الأسد بها بانضمام الرئيس السيسي إليها، وهو ما تحدث عنه الرئيس إردوغان.
ويبقى الرهان على مصداقيته في تصريحاته الأخيرة التي تتطلب منه إلقاء خطوات عملية وسريعة لتحقيق ما تحدث عنه في ما يتعلق بإقامة تحالف تركي-سوري-مصري، قال عنه إنه كفيل بمواجهة المشروع الصهيوني الذي سيسقط دون محالة، وهذه المرة إلى الأبد، بعد الهزيمة التي مني بها هذا المشروع بكل عناصره أمام صمود الشعب الفلسطيني وحلفائه في لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران ودول عربية أخرى.
وإن تخلصت تركيا من عقدها التقليدية، فالحظ سيحالف الجميع في فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة بعيداً عن العداءات والأحقاد والحروب التي أثقلت كاهل الجميع، بما في ذلك تركيا، بسبب دورها في ما يسمى بالربيع العربي.
وقد آن الأوان للرئيس إردوغان أن يعيد النظر في معطيات وتفاصيل ونتاج هذا الدور حتى يتسنى لتركيا أن تؤدي دوراً جديداً وبعقلية ومنهاج جديد سيساعدها ويساعد الكل لتغيير خارطة المنطقة برمتها بعد تلقين الكيان الصهيوني الدرس الذي يستحقه ويجبره على الانسحاب من كل الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة ومحاسبته على مجازره بحق الشعب الفلسطيني.
ويعرف الجميع أن الشرط الأهم، وإن لم يكن الوحيد لذلك، هو عودة أنقرة إلى مسارها الطبيعي في العلاقة مع دمشق، كما فعلت بعد استلام العدالة والتنمية السلطة نهاية 2002 بعدما قام رئيس الوزراء آنذاك عبد الله غول بأول زيارة خارجية إلى دمشق.
وتحولت سوريا بعدها إلى بوابة الانفتاح الرئيسية التي دخل منها الأتراك إلى المنطقة العربية، وبعقلية تختلف عن عقلية السلطان سليم بعد معركة مرج دابق في آب/أغسطس 1516. وبالعودة إلى هذه العقلية وذكرياتها التاريخية في سنوات الربيع العربي، خرج الأتراك مرة أخرى من البوابة السورية التي سبق أن خرجوا منها بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1918.
وما على الرئيس إردوغان في هذه الحالة إلا أن يستخلص الدروس من هذه التجارب ويتفق والرئيس الأسد فوراً وقبل فوات الأوان على ما يمكن الاتفاق عليه كبداية عملية على طريق المصالحة النهائية والانتقال إلى المرحلة التالية في التحالف الذي تحدث عنه، والذي يتفق مع الحقيقة الجغرافية التي ستسد الطريق على أطماع المشروع الصهيوني، وهو ما سيسد الطريق على أطماع الكيان الصهيوني و"دولته" العبرية من النيل إلى الفرات ودجلة، وهو ما تحدث عنه إردوغان في خطابه الأخير.
وقد يكون مؤشراً لتحرك تركي جديد قد نرى ملامحه، وربما نتائجه، خلال الأيام القليلة القادمة بعدما اقتنع الجميع، وفي مقدمتهم إردوغان، بأن الصيغة الوحيدة التي تستطيع أن تلقن الكيان الصهيوني الدرس الذي يستحقه هو التحالف التركي-السوري، أي من النيل إلى الفرات، بكل مكوناته الجغرافية الأخرى!
وإلا سيكون الجميع شركاء في الجريمة التي تهدف إلى إبادة الشعب الفلسطيني؛ خط الدفاع الأول عن الأمة العربية والإسلامية باعتراف إردوغان، وهو الوحيد الذي يستطيع أن يغير الكثير من قواعد اللعبة التي قال إنها باتت تشكّل خطراً على الجميع، بما فيها تركيا، التي عليها أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية والجغرافية بمصداقية كافية لوقوف الآخرين إلى جانبها!