واشنطن وتشكيل النظام الجديد في سوريا

تفيد الرسالة الإسرائيلية إلى السوريين أنها حررت سوريا معهم، ولكن إذا تجاوزوا  خطوطها  الحمر، فستعاملهم كإرهابيين إسلاميين.. فهل سيتمكن حكام سوريا الجدد من الاعتراض؟

0:00
  • أخضعت الولايات المتحدة سوريا بواسطة تركيا و
    أخضعت الولايات المتحدة سوريا بواسطة تركيا و "إسرائيل".

تعرض الأسد لضغوط من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن من جهة، وروسيا من جهة أخرى، للابتعاد عن الحرب مع "إسرائيل" بعد عملية "طوفان الأقصى".

العروض المغرية التي قدّمت للأسد أكّدت خلاصه إذا ابتعد عن إيران، وأغلق طرق الإمداد عن حزب الله. الانطباع  الذي ساد أن الأسد  يلعب لعبة مزدوجة أضرّت بالثقة بينه وبين إيران، لكن الموقف الحقيقي الذي كسر الأسد كان مصدره روسيا. 

فالحرب الأوكرانية غيّرت التركيز الروسي على سوريا. كانت روسيا تريد من الأسد إعادة تنظيم الهياكل المؤسسية، ولا سيما الجيش. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان غاضباً بسبب عدم كفاءة الإدارة السورية في إدارة الاقتصاد، عدا عن عرقلة الأسد عمل اللجنة الدستورية في جنيف. وكان بوتين قد استعمل نفوذه لتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، لكن لم يبد الأسد مرونة  بهذا الخصوص، واعتقد أن العرب سوف يدعمونه في هذا الموقف، فهو كان يؤمن بوحدة الأراضي السورية ويقف ضد الاحتلال التركي .

عاد  الأسد من موسكو بعد سقوط حلب وهو يعي أنه جرى إسقاطه، وصلت سياسة روسيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت  تركز على سوريا، إلى طريق مسدود.

في المقابل، على الجانبين الإيراني والعراقي، بدأ التساؤل حول معنى الدخول في حرب لا يقاتل فيها الجيش السوري. وكان قد تم إضعاف خطوط الدعم التي من شأنها إنقاذ الأسد.

وتعرضت إيران لضربات قاتلة من الهجمات الإسرائيلية داخل سوريا. وكان حزب الله، الذي  أمّن الخطوط اللبنانية- السورية في حرب القصير عام 2013 قد تعرض لضربات قوية في لبنان.

مع انهيار النظام  سقط الحاجز أمام نظام الشرق الأوسط الجديد الذي يركز على حماية "إسرائيل".

مع سيطرة "هيئة تحرير الشام"،  قامت "إسرائيل" بتوسيع احتلالها وضرب قوة سوريا، فاحتلت أجزاء من جبل الشيخ حيث الموارد المائية، التي كانت تحت السيطرة السورية ودخلت المنطقة العازلة المسمّاة خط وقف إطلاق النار.

وأعادت احتلال القنيطرة التي أعادتها إلى سوريا عام 1973، إلى جانب بعض القرى، وأصبحت  القوات الإسرائيلية على مسافة 25-30 كيلومتراً من دمشق. قدمت "إسرائيل" ذلك على أنه "إنشاء منطقة في  العمق".

وبعد تدميرها جميع الأصول العسكرية لسوريا، تم ضرب المراكز العسكرية، والقواعد الجوية، أساطيل الطائرات المروحية والمقاتلة، منظومات صواريخ أرض- جو، السفن البحرية في خليج ميناء البيضاء وميناء اللاذقية، مرافق إنتاج الأسلحة، مستودعات الذخيرة، مرافق الحرس الجمهوري في سوريا، دمشق وريفها، والمؤسسات العلمية في منطقة برزة. 

كما دمرت تركيا 12 شاحنة محمّلة بالصواريخ والأسلحة الثقيلة والذخائر ومستودعين للذخيرة. ودمرت الطائرات  الإسرائيلية السفن الحربية والمنشآت الاستراتيجية السورية بذريعة منع خلق واقع مماثل لما كان في غزة قبل 7 أكتوبر.

كانت "إسرائيل" قد قدّمت السلاح والمال إلى 12 من الجماعات المسلحة، بمن فيهم جبهة "النصرة"، لكنها اليوم ترسم خطوطاً حمر للمعارضة مفادها أن هذا البلد لن يتمتع بقدرة دفاعية رادعة.

فيما عدّ نتنياهو رحيل الأسد يوماً تاريخياً، ورأى أن ما حصل هو نتيجة مباشرة للضربات التي وجّهتها "إسرائيل" لإيران وحزب الله، الداعمين الرئيسيين لنظام الأسد، وأكّد أن "مرتفعات الجولان ستبقى أرضاً إسرائيلية إلى الأبد".

تفيد  الرسالة الإسرائيلية إلى السوريين أنها حررت سوريا معهم، ولكن إذا تجاوزوا  خطوطها  الحمر، فستعاملهم كإرهابيين إسلاميين.. فهل سيتمكن حكام سوريا الجدد من الاعتراض، وهم  الممتنون لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة.

توزيع الأدوار بين تركيا والكرد والولايات المتحدة 

لا يزال مكان الحكومة الانتقالية المدعومة من تركيا، و"الجيش الوطني السوري" في دمشق غير واضح.. يأمل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان  في جعل "الجيش الوطني السوري" اللبنة الأساسية للنظام الجديد. ويحاول الجهاز الحكومي ترشيد "هيئة تحرير الشام".

تعمل الولايات المتحدة على تشكيل النظام الجديد، وتعدّ مقترحاً لرفع عقوبات "قيصر" وشطب "هيئة تحرير الشام" من قائمة التنظيمات الإرهابية، وقامت إدارة بايدن بدراسة ومراجعة القائمة السوداء لتسهيل الأمور على الدول التي ستعمل مع الإدارة الجديدة.

تحاول "قوات سوريا الديمقراطية" المتمركزة على احتياطيات الهيدروكربون ومخازن الحبوب القيمة في سوريا استغلال هذه الميزة للدخول في المعادلة الجديدة وعملية الحل السياسي.

وهي معادلة يُحاول الأميركي إرساءها رغماً عن أنقرة. قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي وجّه رسالة مفادها أنهم مستعدون للحوار مع حكام دمشق.

تعزز الولايات المتحدة  قواتها من العراق إلى سوريا، وتستهدف القوات التابعة لسوريا وإيران، ويقول البنتاغون إن أولويته هي حماية الجنود الأميركيين في المنطقة، تتواصل الولايات المتحدة مع كل من "هيئة تحرير الشام" وتركيا لصالح "قوات سوريا الديمقراطية". كما تم التوصل إلى اتفاق بوساطة أميركية بشأن انسحاب القوات الكردية  من منبج.

ومن غير المعروف إلى أي مدى ستمنع الوساطة الأميركية التحركات نحو شرق الفرات. لكن هناك اتصالات تهدف إلى كبح جماح تركيا. وزير الدفاع ومدير وكالة المخابرات المركزية  بيرنز، ووزير الخارجية بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان يجتمعون مع نظرائهم الأتراك. هناك رغبة في وقف الهجمات على الكرد.

السيناتور ليندسي غراهام يقول إنه "يجب ألا نسمح بتهديد القوات الكردية من قبل تركيا أو الإسلاميين الذين سيطروا على سوريا". لكنه يقول أيضاً إن تركيا تستحق منطقة عازلة منزوعة السلاح. يعتمد الكرد على التحالف الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة، يتوقعون أيضاً دعماً ملموساً من إسرائيل ".

أخضعت الولايات المتحدة سوريا بواسطة تركيا و "إسرائيل"، وهي دولة عربية لا تقع في فلك السياسة الأميركية، أما المهمة الحالية فهي عدم السماح لها بالعودة كقوة معادية لـ"إسرائيل".