منظمة شانغهاي للتعاون.. كيف يمكن للدول العربية أن تستفيد منها؟
تسعى المزيد من الدول العربية إلى الانضمام إلى منظمة شانغهاي للتعاون، ما يعكس اعترافها بالدور الهام الذي تؤديه منظمة شانغهاي للتعاون في السلام والاستقرار الإقليميين.
عُقدت قمة منظمة شانغهاي للتعاون الـ24 في أستانة، عاصمة كازاخستان، في الفترة الممتدة من 3 إلى 4 يوليو/تموز الجاري، إضافة إلى حضور الرئيس الصيني شي جين بيغ للقمة مع زعماء ومسؤولين رفيعي المستوى من 8 أعضاء دائمين آخرين هم: روسيا والهند وإيران وباكستان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان.
وفي عالم يحدده بشكل متزايد التوتر الجيوسياسي وعدم اليقين الاقتصادي، أدركت دول منظمة شانغهاي للتعاون بشكل متزايد أهمية المنظمة كمنصة لتعزيز التعاون الشامل، وتتطلع المزيد من الدول، منها الدول العربية، إلى الانضمام إليها.
في 4 يوليو/تموز 2023، أصبحت إيران رسمياً عضواً دائماً في منظمة شانغهاي للتعاون. وفي هذا العام، من المتوقع أن تصبح بيلاروسيا عضواً كاملاً خلال القمة الحالية، لتكون بذلك عاشر دولة في التكتل الإقليمي.
وتضم المنظمة أيضاً 14 شريك حوار، منها دول عربية، هي المملكة العربية السعودية ومصر وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت، كما تقدمت الجزائر بطلب لتصبح شريك حوار للمنظمة مؤخراً.
لماذا يمكن لمنظمة شانغهاي للتعاون أن توسع تأثيرها باستمرار؟
السبب الرئيسي هو أداء المنظمة دوراً متزايد الأهمية في الشؤون الدولية والإقليمية، وتقديم مساهمات عملية في الحفاظ على الأمن الإقليمي وتعزيز التنمية المشتركة، بناء على "روح شانغهاي" المتمثل في "الثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والمساواة والتشاور واحترام تنوع الحضارات والسعي لتحقيق التنمية المشتركة".
التكاتف والتعاون للحفاظ على الأمن والاستقرار
عام 2017، أقامت أمانة منظمة شانغهاي للتعاون اتصالات مع المكتب التمثيلي لجامعة الدول العربية في الصين، وعقدت جلسات تقديمية لسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. ومع استمرار تعميق التعاون بين الجانبين، بدأت الدول العربية باتخاذ إجراءات للانضمام إلى منظمة شانغهاي للتعاون.
وفي قمة دوشانبي 2021، وقعت أمانة منظمة شانغهاي للتعاون وأمانة جامعة الدول العربية مذكرة تفاهم بشأن التعاون، وقررت القمة قبول المملكة العربية السعودية ومصر وقطر كشركاء في الحوار. وافقت قمة سمرقند 2022 على انضمام مصر والمملكة العربية السعودية وقطر إلى الحوار، وتم قبول البحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت كشركاء جدد في الحوار.
تسعى المزيد من الدول العربية إلى الانضمام إلى منظمة شانغهاي للتعاون، ما يعكس اعترافها بالدور الهام الذي تؤديه منظمة شانغهاي للتعاون في السلام والاستقرار الإقليميين.
منذ تأسيسها عام 2001، كانت مكافحة الإرهاب من الأهداف والأولويات الرئيسية التي حددتها منظمة شانغهاي للتعاون. وتم تنفيذ عدد من التعاون الفعالة في هذا المجال في السنوات الأخيرة، بما في ذلك التحسن المستمر للآليات مثل اجتماعات وزراء دفاع الدول الأعضاء، وعقد مناورات عسكرية مشتركة متعددة الأطراف أو ثنائية بشأن مكافحة الإرهاب، وتم إجراء تبادلات واسعة النطاق في مجالات تدريب الأفراد المعنيين والدفاع عن الحدود.
وعندما كان الوضع الأمني متوتراً في أفغانستان، أدت المنظمة دوراً هاماً في تفعيل مجموعة الاتصال الأفغانية للمنظمة وآلية التنسيق والتعاون في الجوار الأفغاني وحشد الجهود الدولية المشتركة لدعم إعادة إعمار أفغانستان.
من خلال المناورات العسكرية المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والجهود المنسقة لمكافحة الإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف، تعمل منظمة شانغهاي للتعاون على تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين. وقد قلل هذا الإطار الأمني التعاوني من احتمالات نشوب الصراعات وعزز بيئة أكثر أماناً لجميع الدول الأعضاء. وبعد أن تصبح الدول العربية شريكة حوار لمنظمة شانغهاي للتعاون، يمكنها التعاون مع الدول الأخرى في المنظمة لمكافحة "القوى الثلاث" الإرهاب والانفصالية والتطرف والحفاظ على الأمن والاستقرار الوطني.
عالم اليوم مضطرب، نشهد فيه صراعات وحروباً وتهديدات للأمن والاستقرار، والبلدان تسعى إلى البحث عن منظمات تهدف إلى استعادة الاستقرار السياسي الدولي وتعزيز الأمن الإقليمي. كما توسع منظمة شنغهاي للتعاون تأثيرها في هذا السياق الدولي.
السوق الواسع لتعزيز فرص التنمية
وباعتبارها آلية تعاون عابرة للأقاليم، لا تركز منظمة شانغهاي للتعاون على الأمن فحسب، بل تركز أيضاً على الترابط الاقتصادي. بدءاً من عام 2021، بلغ إجمالي الناتج المحلي للدول الأعضاء في المنظمة نحو 23.3 تريليون دولار أميركي، أي أكثر من 13 مرة مما كانت عليه عند إنشائها.
وزاد إجمالي حجم التجارة الخارجية للدول الأعضاء في منظمة شانغهاي للتعاون ما يقارب 100 مرة خلال 20 عاماً. وحتى نهاية يونيو/حزيران 2022، تجاوزت الاستثمارات الصينية المباشرة في الدول الأعضاء الأخرى في منظمة شانغهاي للتعاون 37.5 مليار دولار أميركي، وقدمت الصين قروضاً بقيمة 150 مليار دولار أميركي في اتحاد بنوك منظمة شانغهاي للتعاون.
تعد الصين عضواً مؤسساً في منظمة شنغهاي للتعاون، ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر شريك تجاري للدول العربية. وفي العام الماضي، تجاوز حجم التجارة بين الصين والدول العربية 430 مليار دولار أميركي. ويمكن للدول العربية توسيع قنوات الاستثمارات العالمية من خلال منظمة شانغهاي للتعاون، وتضيف منظمة شانغهاي للتعاون زخماً جديداً للتنمية الاقتصادية في الدول العربية.
على سبيل المثال، تعاونت العديد من الدول العربية مع الشركات الصينية من خلال المنصات المفتوحة للمناطق التجريبية لمنظمة شانغهاي للتعاون، وأقام مجمع "هاير مصر" الصناعي الصديق للبيئة الذي استثمرته شركة هاير سمارت هوم الصينية حفل وضع الحجر الأساس في مصر في مارس من هذا العام. ويعد المشروع أول مجمع صناعي رقمي لشركة هاير في الشرق الأوسط.
مدافع عن التعددية والتعاون
في الوقت الحالي، مع التغيرات في المشهد السياسي الدولي وأوضاع الشرق الأوسط، تزداد رغبات الدول العربية لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي، وتسعى إلى تعزيز العلاقات والتعاون مع الدول الأخرى بشكل نشط للتخلص من ضغوط الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.
تم تصميم هيكل منظمة شانغهاي للتعاون بهدف تكوين شراكات متعددة الأطراف لمساعدة الأعضاء السياسيين في تنسيق الاستراتيجيات والأساليب لحل القضايا الدولية الملحّة وتلبية الاحتياجات الإقليمية.
تظل المنظمة تمارس التعددية الحقيقية، وتعارض بوضوح الهيمنة والبلطجة، ولم تشكل قط "دائرة صغيرة" مغلقة وحصرية، بل تدعو إلى اتباع مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والالتزام بالمشاورات المكثفة والمساهمات المشتركة والمنافع المشتركة، ما يوفر منصة جديدة ونموذجاً جديداً للتعاون المتعدد الأطراف لتحسين الحوكمة العالمية.
وبناء على الأسباب المذكورة أعلاه، جذبت منظمة شانغهاي للتعاون المزيد من الدول العربية الانضمام إليها.
وفي الوقت الذي يواجه العالم تحديات غير مسبوقة، يعد التعاون المتزايد لمنظمة شانغهاي للتعاون والتزامها بتعزيز الاتصال مثالاً قوياً على الوحدة والتقدم الذي يتحقق من خلال العمل المشترك، وهو ما يحافظ على المنطقة آمنة، ويقدم مساهمات مهمة للسلام والرخاء العالميين.