من يريد نفي المطران المقاوم؟ عطا الله حنّا "باقٍ في القدس"!
المطران عطا الله حنّا، الذي يعرفه مشاهدو "الميادين" وقرّاؤها جيّداً، كما يعرفه القاصي والداني، ويعرفه الشرق والغرب جيّداً، هو منارةً مقدسية لا تخفت في أحلك الظروف.
ليس رجل دين كالآخرين. فموقعه ودوره وشجاعته جعلته، في ظروف استثنائيّة، رمزاً استثنائياً. إنّه معروف على نطاق واسع في بلده فلسطين، تحت الاحتلال، وفي العالم العربي والعالم: أسطورة، جبهة مقاوِمة قائمة في حد ذاته. "ثيودسيوس من سبسطية"، أو المطران عطا الله حنّا، الذي يعرفه مشاهدو "الميادين" وقرّاؤها جيّداً، كما يعرفه القاصي والداني، يعرفه الشرق والغرب جيّداً، يحبّه ويقتدي به العرب، منارةً مقدسية لا تخفت في أحلك الظروف.
رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس المحتلة، نراه في كل الجبهات، مع المقاومين في غزّة، في نابلس وجنين، إلى جانب المرابطين في الأقصى، متضامناً مع أهالي سلوان والشيخ جراح المتشبثين ببيوتهم في وجه حملات المصادَرة المتوحشة. المطران تراه فوق كل المنابر، الدينية والدنيويّة، داعياً لا يكلّ إلى المقاومة، في كل أشكالها، وإلى الوحدة الوطنيّة، بعيداً عن آفات الفتنة والتعصّب والتمييز الطائفي أو المذهبي. وإلى التضامن العالمي مع شعب فلسطين.
إنّه صوت الضمير، مطران الكنيسة الأرثوذكسيّة في القدس، الفدائي الآتي من تقاليد "لاهوت التحرير" إلى قلب المعركة في فلسطين، إلى قلب فلسطين، أي القدس المحتلّة. والآن، تحت غطاء "الترقية" و"التكريم" صدر قرار صادم ومثير للتساؤلات والشكوك، بنقله إلى محافظة عكا، وكيلاً بطريركياً لكنيسة عكا وتوابعها.
هذا القرار عَدَّه الرأي العام، وكل المعنيين بالقضية الفلسطينيّة، من الداخل المحتل إلى محطات الشتات الأوروبية والأميركية، مروراً بكل العواصم العربيّة، شكلاً دبلوماسياً من أشكال الاقتلاع. كيف يُسحب المطران المقاوم، الآن، من أرض المعركة في القدس، في عزّ حملات التهويد والاقتلاع، ومخططات الاستيلاء على الأقصى في أوجها، وفي ظل خطاب فاشي يزيد في الصهيونية وضوحاً ودمويّة، في سعيها لارتكاب النكبة الثانية في فلسطين؟
هذه السياسات، التي يتصدى لها المطران من موقعه المؤثّر، متوجّهاً إلى الرأي العام العالمي. نذكر، على سبيل المثال، الوثيقة الشهيرة الصادرة عام 2010 في عدة لغات، وتحمل مناشدة من مسيحيّي الأراضي المقدسة إلى مسيحيي العالم كافةً، من أجل "ضرورة التحرك حمايةً للمقدسات في فلسطين، وتحديداً في مدينة القدس، بسبب ما تمثّله من مكانة دينية خاصة لدى الطوائف المسيحية في كل بقاع العالم".
الأب عطا الله، الذي يزعج الاحتلال ويُعَوّق مخططاته، يوازي جبهة كاملة متكاملة. إلى جانب مكانته الدينية، ورصيد الاحترام الذي يحظى به في العالم، تُضاف بلاغته وتفانيه وشجاعته وقدرته على الفضح والكشف وإقناع الرأي العام داخل طائفته التي يرفض تمييزها من سائر أبناء الشعب الفلسطيني، وداخل وطنه المحتل، وعلى مستوى العالم. ما زلنا نذكر كيف وقف في يوم شتائي قارس، على رأس وفد ديني في قلب المسجد الأقصى المبارك، ودان "إسرائيل" ومخططاتها، القائمة على الاستيلاء على المقدسات الإسلامية. وطالب العالم، باسم فلسطين وشعبها، بأن يحاسب كيان الاحتلال، ويوقف ممارساته، ويُنصف شعباً كاملاً يرزح تحت نير الاحتلال.
المطران، تراه في كل الجبهات العربية أيضاً. حين ضربت الكارثة سوريا، تحرّك المطران على رغم الظروف الصعبة في القدس وفلسطين المحتلّة، داعياً إلى "الوقوف إلى جانب سوريا، التي تعاني كارثة الزلزال المدمّر"، ومطلِقاً مبادرة لإرسال المساعدات، داعياً كل الأحرار في العالم إلى التحرك "من أجل كسر الحصار الظالم وغير الأخلاقي على سوريا".
هذا "العربي الفلسطيني، الذي يفتخر بأنه مسيحي من الشرق"، بحسب تعريفه، خطب في رعيّته، خلال عظة مشهورة: "هناك من يدّعون المسيحية، والمسيحية منهم براء. أولئك الذين يعيشون حالة الجهل، مرتمون في أحضان لها أجندات معروفة بالنسبة إلينا". وحين تعرّض المطران إلياس عودة، متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس، لسيد المقاومة، بكلام ظالم وجارح، في عظة الأحد، انبرى له أخوه عطا الله حنا من القدس مستنكراً وشاجباً: "لقد آلمنا وأحزننا كثيراً ما سمعناه اليوم من تصريحات غير مبرَّرة وغير مقبولة، في كاتدرائية بيروت الأرثوذكسية. الكنيسة ليست مكاناً للتحريض(...) واستخدام منبر الكنيسة للتطاول على شخصية لبنانية مرموقة لها مكانتها ولها احترامها، مرفوض، ولا يمثلنا كمسيحيين، ولا يمثلنا كأرثوذكس، لا في لبنان ولا في فلسطين ولا في هذا المشرق العربي".
عطا الله حنا، المولود في قرية الرامة من أعمال الجليل الأعلى (1965)، لم يبارح القدس منذ عودته إليها متخرجاً في علم اللاهوت من اليونان (جامعة تسالونيكي، عام 1991). عُيِّن راهباً في كنيسة القيامة في العام نفسه. وبرز ناشطاً في الحياة العامة، وصار المتحدث العربي باسم البطريركية، قبل أن يحوز لقب أرشمندريت، ويرتقي في مهمّاته ومناصبه، دائماً في القدس التي بقي لصيقاً لها. ناضل ضد بيع ممتلكات الكنيسة في القدس. تعرّض للاعتقال ومصادرة وثيقة سفره، بل يُشتبه في تعرّضه لمحاولة تسميم في عام 2019، لكنه لم يسكت أو يساوم يوماً. الآن، جاء دور اقتلاعه، بذريعة "دبلوماسيّة"، من عرينه المقدسي. وتعالت أصوات تؤكد أن أهل عكا يتشرفون بوجوده بينهم، لكن مكانه الآن في القدس في خط المواجهة الأول مع الكيان الصهيوني.
الجاليات الفلسطينية في الولايات المتحدة طالبت السلطة الفلسطينية والمملكة الاردنية بالتدخل لدى البطريرك اليوناني، ثيوفيلوس الثالث، لإقناعه بالعدول عن قراره، و"إبقاء المطران عطا الله حنا في موقعه الضروري في القدس المحتلة". أمّا "حركة أبناء البلد" في الداخل الفلسطيني، فدعت إلى "إلغاء هذا القرار السياسي الجائر"، ودعت قواعد الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني إلى "إطلاق حملة شعبية وطنية رفضاً للقرار، وللضغط في اتجاه إلغائه، وإبقاء المطران عطا الله حنا على رأس مهمّاته الكنسية في قدس العروبة".