لماذا ترفض الصين مشروع القرار الأميركي بشأن غزة؟
يأتي الرفض الصيني لمشروع القرار، منسجماً مع رفضها لتخريب عملية السلام في الشرق الأوسط، والتي كانت الولايات المتحدة المسؤولة الأولى عنه بسبب سياساتها الظالمة.
فشل مجلس الأمن الدولي في تبنّي مشروع القرار الأميركي بشأن غزة يوم الأربعاء، حيث صوّتت ضده الإمارات وروسيا والصين، وامتنعت البرازيل وموزمبيق عن التصويت، في حين وافقت 10 دول على مشروع القرار.
جاء الرفض الصيني لمشروع القرار، بعد التشاور مع عدد من الدول العربية، على قاعدة أنه يخالف روح قرارات الأمم المتحدة السابقة ويفرّق المجتمع الدولي ولا يجمعه، وهو ببساطة لا يصلح للتبنّي، لأنه لا يقدّم حلّاً في اتجاه وقف إطلاق النار. ترى الصين أن القرار يسمح بتصعيد الحرب على حساب المدنيين، كما أنه لا يدين القصف العشوائي، ولا يدعو إلى التحقيق في جريمة المستشفى الأهلي، ولا يطلب رفع الحصار عن غزة.
يأتي الرفض الصيني لمشروع القرار، منسجماً مع رفضها لتخريب عملية السلام في الشرق الأوسط، والتي كانت الولايات المتحدة المسؤولة الأولى عنه بسبب سياساتها الظالمة. بسبب دعم واشنطن، مارست "إسرائيل" الاعتداءات السياسية والعسكرية والأمنية على فلسطين بشكل متزايد في السنوات الأخيرة.
منذ تعثّر عملية السلام عام 2000، أصبحت "إسرائيل" مهيمنة بشكل متزايد على العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، مما جعل حلّ القضية الفلسطينية أكثر صعوبة. وأدى الحصار المطوّل والعمليات العسكرية خلال الاحتلال الإسرائيلي لغزة من عام 2007 إلى عام 2018 إلى شبه انهيار الاقتصاد في غزة، وقد أصبح قطاع غرة الآن واحداً من أفقر المناطق وأكثرها فوضى في العالم.
في الآونة الأخيرة، تعاظم الدعم الأميركي لـ "إسرائيل" من أجل الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، في الوقت الذي واصلت فيه التراجع الاستراتيجي من الشرق الأوسط وتجاهل حقّ الفلسطينيين في الوجود وإقامة الدولة، وأعطت الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية لبناء المزيد من المستوطنات الجديدة والاعتداء على الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية باستمرار، وخاصة أن "الجيش" والشرطة الإسرائيلية اقتحمت مراراً وتكراراً المسجد الأقصى والأماكن المقدّسة الأخرى.
كما دفعت الولايات المتحدة بقوة بعض الدول العربية إلى التوقيع على "اتفاقيات أبراهم" مع "إسرائيل" لتحقيق تطبيع العلاقات معها. وقد أدت كل هذه الأمور إلى المزيد من التوتر، تكلّل بالحرب الدائرة الآن.
بعد تصاعد الصراع، غضّت الولايات المتحدة النظر عن الأزمة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة. وواصلت في الوقت نفسه تعزيز دعمها العسكري لـ "إسرائيل"، فإجراءات الولايات المتحدة تمثّل صبّ الزيت على النار. ومنذ الـ 12 من هذا الشهر، قام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن برحلته إلى الشرق الأوسط، حيث زار "إسرائيل" والأردن وقطر والبحرين والسعودية والإمارات، وحثّ الدول على إدانة هجمات حماس. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبلينكن بصراحة إن ردّ الفعل الإسرائيلي تجاوز مبدأ حقّ الدفاع عن النفس إلى العقاب الجماعي لقطاع غزة. فيمكن القول إن الولايات المتحدة لم تؤدِ دوراً بنّاءً في تهدئة الوضع، وستؤدي إلى مزيد من التدهور.
وفي الـ 16 من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، صوّتت الولايات المتحدة ضد مشروع القرار الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة في مجلس الأمن الدولي. إن مضمون هذا المشروع هو إدانة عملية تستهدف المدنيين والمطالبة بالإفراج عن جميع الرهائن من كلا الجانبين، ودعوة جميع الدول إلى عدم عرقلة إنشاء ممرات إنسانية في قطاع غزة وضمان وصول المساعدات إلى غزة.
لكن حتى مثل هذا المشروع تعرّض للفشل في تبنّيه بسبب الفيتو من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا. وأعرب المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة عن أسفه الشديد لعدم التوصل إلى الاتفاق في تبنّي هذا المشروع الإنساني، وشدّد على أنه لا ينبغي تسييس المسائل الإنسانية، وأن حماية المدنيين ينبغي أن تكون أولوية لجميع الأطراف.
وفشل مجلس الأمن الدولي للمرة الثانية في تبنّي مشروع قرار بشأن هدنة إنسانية في غزة في الـ 18 من تشرين الأول/أكتوبر، حيث صوّتت 12 دولة بما في ذلك الصين لصالحه، ولكنّ الولايات المتحدة صوّتت ضده مرة أخرى. والأمر يظهر اللامبالاة المطلقة للولايات المتحدة تجاه الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.
في الوقت الحاضر، لا يزال الصراع مستمراً، ومن المرجّح أن يتصاعد في الفترة المقبلة. الأمر الذي يثبت مرة أخرى أن الولايات المتحدة والدول الغربية غير قادرة على تحقيق السلام والاستقرار الحقيقيّين بسبب انحيازها إلى جانب معيّن تحت غطاء السلام، كما كشف عن جوهر استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في الشرق الأوسط. يجب على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى أن تدرك أنه طالما لم يتمّ حلّ القضية الفلسطينية، فلن يكون هناك سلام حقيقي في الشرق الأوسط، ويجب أن تتوقّف فوراً عن سياستها المنحازة لـ "إسرائيل".
بعد اندلاع الصراع، أصدرت الصين صوت العدالة وبذلت جهوداً حميدة لتعزيز الحوار والسلام، وقدّمت مساعدات إنسانية عاجلة إلى غزة. قد التقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أو تحدّث عبر الهاتف مع كل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، والممثّل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ووزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان وأطراف أخرى.
وأكد وانغ خلال هذه المحادثات أن "القضية الفلسطينية ظلت لبّاً لقضية الشرق الأوسط، وجرحاً نازفاً لا يزال مفتوحاً في عالم اليوم. وأنّ مصدر القضية هذه يكمن في انعدام تحقيق تطلّع إقامة دولة فلسطين المستقلة لمدة طويلة، وانعدام تصحيح الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني".
وإضافة إلى ذلك، قد زار مبعوث الحكومة الصينية الخاص لقضايا الشرق الأوسط السفير تشاي جيون دول المنطقة لتبادل وجهات النظر مع الأطراف المعنية. كما أنه حضر قمة دولية حول "تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية" التي تستضيفها مصر. والصين ستواصل العمل مع المجتمع الدولي لبذل جهود دؤوب لتخفيف حدة التوتر الحالي، والدفع بوقف إطلاق النار، وتجنّب الكوارث الإنسانية.