"فيسبوك" ينحو بعيداً عن عالم السّياسة؟
"فيسبوك" سيكون بحلة جديدة بعيدة عن السياسية، ما يعني أنَّ رواد مواقع التواصل الاجتماعي المهتمين بالمحتوى السياسي وموجّهي الحملات السياسية سيبحثون عن منصة بديلة تتلاءم مع اهتماماتهم.
في عالم العملاق الأزرق، يجذبك حتماً ما تتصفّحه. وإذا ما كنت مهتمّاً بالسيارات، على سبيل المثال، فإن كل ما يُعنى بهذا المجال يظهر في صفحتك تلقائياً، لتقضي وقتاً ممتعاً أثناء تصفحك المنصة التي تزدحم شيئاً فشيئاً بالصور والإعلانات والصفحات التي تتعلق بالسيارات، ولتغرق بذلك ساعات وساعات مستمتعاً بتصفّحها.
يعود ذلك إلى خوارزميات التّطبيق التي تزيد من نشر المحتوى الذي يتلاءم واهتماماتك، بناء على الصفحات التي تزورها أو الإعلانات التي تنقر عليها، ولكن هذا الأمر سيتغير؛ ففي خطوة جريئة في مجال خوارزميات الإعلانات الإلكترونية، أعلن عملاق مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مؤخراً أنه سيقوم بإيقاف حملات التوجيه الإعلاني لمستخدميه، والمستندة إلى اهتماماتهم في بعض المواضيع، أبرزها تلك التي تُعنى بالانتماء السياسي والصحة والدين، إذ إنَّ الشركة كانت تتيح للمعلنين إمكانية توجيه حملاتهم الإعلانية بدقة إلى المستخدمين، وتمكّنهم من الاختيار من بين آلاف فئات الاهتمامات التي تُصنّف الأشخاص تبعاً للصفحات التي تصفّحوها أو الإعلانات التي نقروا عليها. وستتوقف هذه الخدمة اعتباراً من 19 كانون الثاني/يناير المقبل.
إذاً، ستكون كبرى الأدوات الانتخابية من دون إعلانات سياسية بعد اليوم! والواقع أنَّ المحتوى السياسي في منصة "فيسبوك" ككل يلقى تحجيماً، إذ أعلن مارك زوكربيرغ منذ شهرين خطة لخفض نسبة تداول الأخبار السياسية في الصفحات الرئيسية لمستخدمي "فيسبوك"، بهدف خفض نسب الخلافات والنزاعات الكلامية التي تنتج من مثل هذه الأخبار، إذ يحاول زوكربيرغ التخلّص من السمعة التي التصقت بإدارة "فيسبوك" بأنها تسهم في جعله مكاناً مثيراً للغضب والصراعات. وتقوم الشركة حالياً باختبار هذه السياسة الجديدة في 80 دولة، تشمل الولايات المتحدة والسويد وإسبانيا وأيرلندا وكندا والبرازيل وإندونيسيا.
تخفيف المحتوى السياسي والإعلانات السياسية يعني اكتساب المنصة نمطاً جديداً، في الوقت الذي كانت تُعتبر إحدى أهم الأدوات الانتخابية، إذ إنَّ الجمهور يعتمد في الحصول على المعلومات السياسية والأخبار على منصات التواصل الاجتماعي، التي يُصنف "فيسبوك" أحد عمالقتها.
وفي هذا السياق، نشر موقع الإحصاءات الأميركي "ستاتستكا" أنَّ الرئيس السابق دونالد ترامب كان قد أنفق بين كانون الثاني/يناير وأيار/مايو 2020 حوالى 41 مليون دولار أميركي على إعلانات سياسية لموقع "فيسبوك"، ما يعني أنَّ الشركة تتخلّى عن جزء ضخم من أرباحها، إذا ما اعتُمدت هذه السياسة الجديدة بشأن المحتوى السياسي.
خفض الأرباح ربما يشير إلى أن هذه السياسة ليست خيار الشركة، بل جاءت بسبب الضغوطات التي تُمارس عليها، إذ يُعرف عن الرئيس الأميركي جو بايدن انتقاداته السابقة لمنصات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً "فيسبوك" ومديره التنفيذي مارك زوكربيرغ، فقد اتهم الشبكة "بالفشل في وقف انتشار المعلومات المضلّلة والمؤامرات والإعلانات المليئة بالكذب"، في إشارة إلى ما يُعنى بالمحتوى السياسي.
وفي موازاة ذلك، صرح روبرت رايش، وزير العمل الأميركي السابق، حول إمكانية تأثير رئاسة بايدن في ضوابط النشر في "فيسبوك": "إذا كان الديمقراطيون يسيطرون على مجلسي الشيوخ والنواب، يمكنني توقع إجبار فيسبوك على تحمل مسؤولية نشر المحتوى، ومراقبة الإعلانات، وتعديل الخوارزمية الخاصة به"، ما يؤكد فرضية وجود ضغوطات على الشركة.
وإذا ما كان ذلك خيار الشركة أو ضغوطات تُمارس عليها، فإن "فيسبوك" سيكون بحلة جديدة بعيدة عن السياسية، ما يعني أنَّ رواد مواقع التواصل الاجتماعي المهتمين بالمحتوى السياسي وموجّهي الحملات السياسية سيبحثون عن منصة بديلة تتلاءم مع اهتماماتهم.
ويبدو أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان السبّاق في هذه الخطوة، إذ إنه أطلق منذ حوالى شهر منصة للتواصل الاجتماعي باسم "تروث سوشيال" (TRUTH Social)، لمنافسة شبكتي التواصل الاجتماعي "تويتر" و"فيسبوك"، وذلك بعد حظره في المنصتين.
والجدير بالذكر أنَّ "ترامب" كان قد استخدمها بكثافة خلال حملته الانتخابية في العام 2016 وأثناء رئاسته للولايات المتحدة. وقد تم حظره في هاتين المنصتين وعدد من شبكات التواصل الاجتماعي الكبرى في أعقاب الهجوم على الكابيتول الأميركي، إذ إنه "أوجد بيئة فيها مخاطر جدية للانزلاق نحو العنف"، بسبب ما نشره من تعليقات، وفقاً لمجلس الإشراف على "فيسبوك".
إذاً، ابتكر ترامب حلاً خاصاً به، لكن ماذا عن ملايين المهتمين بالشأن السياسي في "فيسبوك"؟ هل سيتنقل رواد "فيسبوك" ذوو الاهتمامات السياسية والمعلنين السياسيين إلى منصة أخرى تواكب اهتماماتهم كمنصة "تويتر" أم سيتيح انسحاب "فيسبوك" من عالم السياسة الفرصة أمام المطورين لإطلاق منصات تُعنى بالشأن السياسي؟ وإلى أي مدى ستكون منصات التواصل الاجتماعي التي تُعنى بالشأن السياسي بعيدة عن ضغوطات السلطة؟