في العام 2021.. الأسرى الفلسطينيون يثبتون أنَّهم من "شعب الله المقاوم"
في ظلِّ كلّ الإجراءات العنصرية التي يتبعها الاحتلال الصهيوني لكسر عزيمة الشعب الفلسطيني وإرادته، إلا أنَّ التاريخ والحاضر مليئان بالنماذج البطولية التي سطّرها المعتقلون.
على غرار الأعوام والعقود السابقة من الاحتلال والعنصرية التي يمارسها الكيان الصهيوني، ما زالت الإرادة الفلسطينية التي يفيض بها الشعب الفلسطيني من المقاومة والتحدّي والصمود تشكّل حالة قلق لقيادات الاحتلال، إذ لم توفّر حكومات الكيان الصهيوني منذ أن زرعته الصهيونية العالمية في المنطقة، بالتآمر مع الانتداب البريطاني في أيار/مايو 1948 وحتى قبل تأسيسه، أيّ وسيلة في محاولة تكريس وجوده وفرض الأمر الواقع على المستوى الداخلي المتمثل بالجغرافيا الفلسطينية المحتلة أو على الصعيد الإقليمي والدولي على حد سواء.
وقد تنوَّعت صور ممارساته العنصرية التي طالت الحجر والبشر. وإضافة إلى تغير الواقع الديموغرافي وتوسيع رقعة المستوطنات وارتكاب مجازر جماعية لترهيب الفلسطينيين ومصادر الأراضي واستملاكها، في إطار تطبيق المشروع الصهيوني الذي حدد معالمه الأولى الحاخام يهودا القالعي، وترجمه ثيودور هرتزل، من خلال تبنيه وطرحه الصهيونية السياسية وتحويلها إلى عمل مؤطر ذي برنامج وإيديولوجيا ترتكز على العنصرية اللامحدودة، وهو ما يفسر لجوء هذا الكيان إلى سياسة الاعتقال وقمع الحريات بشكل يظهر هذا الوجه العنصري، ويفنّد ادعاءات ديمقراطيته المزعومة، ويطبّق من خلالها مضامين تبنيه مفهوم "الغويم" الذي "يشير إلى اعتبار جميع شعوب العالم في مرتبة أدنى من الصهاينة اليهود".
ملف الأسرى
على الرغم من تبني المجلس الوطني الفلسطيني يوم 17 نيسان/أبريل 1974 يوماً وطنياً للوفاء "للأسرى الفلسطينيين" في السجون الإسرائيلية، وتنامي عدد المنظمات الفلسطينية والدولية "غير الحكومية" الناشطة في هذا الإطار، وتراكم القوانين الدولية المهتمة بهذا الملف، فإنّ كل ذلك لم يمنع حكومات الإسرائيلية المتعاقبة من تغيير سلوكها "الغوغائي" واللإنساني في تعاطيها مع ملف المعتقلين، بل وظّفت هذا الملف لتحقيق عدة أهداف وغايات، تتمثّل بفرض سلوكها الصهيوني اللاإنساني من ناحية، والانتقام من حركات المقاومة الفدائية التي أوقعت الخسائر بالاحتلال، ولم تسلم بالأمر الواقع، من ناحية ثانية، رغم كلّ التحديات التي واجهتها وضعف إمكانياتها، ولتحقيق أهداف داخليّة دفعت رؤساء حكومة الكيان ووزراء دفاعها إلى التفنّن في أشكال تعذيب المعتقلين لرفع رصيدهم الشعبي.
هذا الواقع لا يمكن إنكاره أو تجاهله في ظل المعطيات المتراكمة التي تشكّل واقع إدانة جنائية دولية تحيط بسلوك الكيان المغتصب، الذي يسعى في المقابل لإنكارها وتضليل محتواها، وأبرزها اعتقال "إسرائيل" نحو مليون فلسطيني منذ العام 1967 (تاريخ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة)، وهو ما يؤكد تأثير نمو المقاومة الفدائية. وقد بلغ عدد المعتقلين داخل السجون حتى شهر أيلول/سبتمبر 2021 ما يزيد على 6214 ألف معتقل، وفق نادي الأسير.
ومن بين إجمالي المعتقلين، نحو 148 طفلاً في معتقلات عوفر (غربي رام الله) ومجدو والدامون الواقعة (شمالي الأراضي المحتلة)، فيما بلغ عدد المعتقلين المرضى حتى مطلع آب/أغسطس الماضي قرابة 760 معتقلاً، من بينهم 300 حالة مرضية مزمنة تحتاج إلى علاج مستمر، منهم 12 معتقلاً مصاباً بالسرطان.
ويستمرّ الكيان الإسرائيلي باعتقال 26 فلسطينياً منذ ما قبل اتفاق أوسلو (العام 1993) الموقّع بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال، ويُطلق عليهم "قدامى الأسرى". من أبرز وأشهر قدامى الأسرى، كريم يونس وماهر يونس، اللذان أمضيا نحو 39 عاماً في السجون الإسرائيلية، إضافةً إلى نائل البرغوثي، الَّذي أمضى أطول فترة اعتقال وصلت إلى 40 عاماً.
يُضاف إلى ذلك، أنَّ السجون الإسرائيلية تضمّ 51 أسيراً منذ ما يزيد على 20 عاماً بشكل متواصل، يعرفون بـ"عمداء الأسرى". واللافت في ملف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين أنَّ من بينهم 541 معتقلاً محكوماً بالسجن المؤبّد عدة مرات.
ومما يؤكّد واقع الأسرى المرير الذي يمكن الاستدلال عليه من خلال معرفتنا، استشهد 222 فلسطينياً في السجون الاحتلال منذ العام 1967، بينهم 67 جراء الإهمال الطبي، و75 بالقتل العمد، و73 بسبب التعذيب، و7 بسبب القمع وإطلاق النار المباشر عليهم من جنود وحراس السجون، مثل فارس بارود، وعمر عوني يونس، ونصار طقاطقة، وبسام السايح، وسامي أبو دياك.
ولم تكتفِ حكومة الاحتلال بالقتل المتعمد للأسرى، بل زادت رصيدها العنصري بالاحتفاظ بجثث هؤلاء الشهداء في ثلاجات خاصّة، في محاولةٍ منها لتحويلهم إلى "عبرة لكلّ من يقاوم عنجهية هذا الاحتلال بكلّ الأشكال والوسائل الممكنة والمتاحة".
وفي هذا الإطار، ولتأكيد ذلك، تعتقل "إسرائيل" 6 نواب سابقين في المجلس التشريعي الفلسطيني، هم: مروان البرغوثي (حركة فتح)، وأحمد سعدات (أمين عام الجبهة الشعبية)، وخالدة جرار (جبهة شعبية)، ومحمد جمال النتشة، وحسن يوسف، محمد أبو طير (من الحركات في غزة(.
ولم يقتصر الاعتقال على الذكور فقط، بل يشمل هذا الملف العنصر النسائي، إذ قامت قوات الاحتلال باعتقال 16 ألف امرأة فلسطينية، وزجّتهنّ في سجونها منذ العام 1967. ويقبع معظمهنّ في سجن الدامون شمال الأراضي المحتلة.
ويتعرّض الأسرى في سجون الكيان المغتصب لمختلف أشكال التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، والتي تطال كل الشرائح، من دون احترام لمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان وغيرها من المبادئ الدولية والإنسانية والطبيعية
الاعتقال الإداري
يعتبر الاعتقال الإداري سياسة قديمة حديثة ورثتها سلطات حكومة الاحتلال من الانتداب البريطاني. وقد فرضتها السلطات البريطانية في أيلول/سبتمبر 1945، تحت مسمى "أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ"، وأدرجتها حكومة الاحتلال ضمن المادة (111) من قانون الطوارئ لديها. وقد استخدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلية هذه السّياسة بشكل متصاعد منذ السنوات الأولى لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967.
وعلى الرغم من إعلان الكيان تخلّيه عن هذا الاعتقال في العام 1982 بعد إطلاق سراح آخر معتقل فلسطيني إداري، هو علي عوض الجمال، من السجون الإسرائيلية في آذار/مارس 1982، نتيجة تعرّضه لضغوط خارجية، فإن السلطات الإسرائيلية سرعان ما أعلنت العودة إلى تطبيق الاعتقال الإداري مع انطلاقة شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 8/12/1987، إذ صعدت استخدام هذه السياسة، ليطرأ على أثرها ارتفاع ملحوظ على عدد المعتقلين الإداريين الفلسطينيين.
ترتكز هذه السياسة على اعتقال الفلسطينيين وحرمانهم من كلِّ حقوقهم، أي أنَّهم لا يقدمون إلى المحاكمة، ولا يتمّ الإفصاح عن التهم الموجهة إليهم، والسماح لهم أو لمحاميهم بمعاينة المواد الخاصة بالأدلة، في خرق واضح وصريح لبنود القانون الدولي الإنساني، لتكون "إسرائيل" الجهة الوحيدة في العالم التي تمارس هذه السياسة. وتبرّر سلطات الاحتلال وإدارات السجون هذه الإجراءات بأنَّ المعتقلين الإداريين لديهم ملفات سرية لا يمكن الكشف عنها مطلقاً، فلا يعرف المعتقل مدة محكوميته، ولا التهمة الموجهة إليه.
وغالباً ما يستهدف هذا النوع من الاعتقال نخبة من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين، من أطباء ومعلمين ومحامين وصحافيين وطلبة جامعيين وعلماء دين وقيادات سياسية وشعبية ونواب في المجلس التشريعي، ولم تستثنِ سلطات الاحتلال المرضى وكبار السن والنساء وقيادات بارزة في المقاومة.
وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين، فإنَّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي أصدرت بحق الفلسطينيين منذ العام 1967 أكثر من 50 ألف قرار اعتقال إداري، ما بين قرار جديد وتجديد اعتقال.
الأطفال المعتقلون دون 18 عاماً
تشير التقديرات الموثّقة إلى أنّ من بين مليون فلسطيني اعتُقلوا منذ العام 1967 وحتى نهاية أيلول/سبتمبر 2020 ما يزيد عن مليون فلسطيني، من بينهم أكثر من 50 ألف حالة اعتقال سجلت في صفوف الأطفال الفلسطينيين (ما دون 18 عاماً).
وبلغ عدد الأسرى الأطفال والقاصرين رهن الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي في نهاية أيلول/سبتمبر 2021 نحو 265 طفلاً وطفلة في معتقلات "مجدو" و"عوفر" و"الدامون"، إضافة إلى وجود عدد في مراكز التوقيف والتحقيق، فضلاً عن عدة أطفال من القدس تحتجزهم في مراكز اجتماعية خاصّة، لأن أعمارهم تقل عن 14 عاماً، بحسب تقارير "هيئة شؤون الأسرى والمحررين"، يُضاف إليهم أطفال وُلدوا في سجون الاحتلال.
لا تقلّ معاناة هؤلاء الأطفال عن معاناة الراشدين في سجون الاحتلال، ولا يشفع لهم صغر سنهم، بل يتعرَّضون لما يتعرَّض له الكبار من قسوة التعذيب والمحاكمات الجائرة والمعاملة غير الإنسانية التي تنتهك حقوقهم الأساسية وتهدّد مستقبلهم بالضياع، بما يخالف قواعد القانون الدولي واتفاقية الطفل، وخصوصاً المادة 16 من اتفاقية الطفل التي تنصّ على التالي: "لا يجوز أن يجري أيّ تعرّض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته"، وتنص أيضاً على أن "للطفل الحقّ في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرّض أو المساس".
ولا تراعي قوات الاحتلال سنّ الأطفال أثناء تقديمهم إلى المحاكمة، ولا تشكّل لهم محاكم خاصة، فضلاً عن أنها تحدّد سن الطفل بمن يبلغ أقل من 16 عاماً، استناداً إلى الأمر العسكري رقم "132" المتعلّق بالحكم القضائي لتوقيف الأطفال.
ولإظهار السلوك العنصري الممارس بحقّهم، نكتفي بالنظر إلى الأحكام المفروضة على بعضهم. مثلاً، هناك طفل حُكم عليه بالسجن المؤبد، و3 أطفال محكومون لمدة 15 عاماً، و4 أطفال محكومون من 5 إلى 9 سنوات، وأطفال حكموا من سنة إلى 3 سنوات بتهمة الانتماء إلى التنظيمات الفلسطينية، وبقية الأطفال محكومون من 6 إلى 18 شهراً، بتهمة إلقاء الحجارة.
وغالباً ما يكون الحكم مقترناً بغرامات مالية تتراوح بين 1000 و6000 شيكل. وتُصنّف "إسرائيل" بأنها الوحيدة في العالم التي تحاكم الأطفال في المحاكم العسكرية.
تفشّي الأمراض
تتعمّد قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء اعتقالها الفلسطينيين أن تبرحهم ضرباً أو تطلق النار عليهم، زاعمةً بأنهم يريدون القيام بعمل فدائي ضد جنودها، وهي تبقيهم في معظم الأحيان من دون معالجة حتى وفاتهم، أو تتأخر في معالجتهم بغرض إصابتهم بعاهة أو عجز دائم.
كما يعاني بعضهم الحرمان من الرعاية الطبية الحقيقية والمماطلة المتعمّدة في تقديم العلاج، وخصوصاً المرضى المصابين للأمراض المزمنة، إذ تؤكد تقارير المؤسسات المحلية والدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان وتهتم بشؤون الأسرى أنَّ علاج الأسرى المرضى بات موضوعاً تخضعه إدارات السجون الإسرائيلية للمساومة والابتزاز والضغط، وهي تتعمّد إفقار العيادات الطبية في السجون والمعتقلات الإسرائيلية من الخدمات الصحية والمعدات والأدوية الطبية اللازمة والأطباء المتخصصين لمعاينة الحالات المرضية المتعددة.
كما تقوم سلطات الاحتلال بإجراء تجارب على المعتقلين، مثل اللقاحات، وتحويلهم إلى فئران تجارب، فضلاً عن تعريضهم للإصابة بجراثيم قاتلة في حال إطلاق سراح بعضهم، كزرع فيروس الإيدز في أجسادهم. ونتيجة ظروف اعتقال السيّئة، سواء أماكن الاعتقال أو نوعية الطعام السيئة والتعذيب المستمر وسوء النظافة وغيرها، يؤدي ذلك إلى تفشي الأمراض وتفاقم التهابات وتفشي الفيروسات الحادة المعدية والجرب.
ونتيجة عدم وجود غرف عزل للمرضى المصابين بأمراض، ينتشر المرض بسرعة بين الأسرى، نظراً إلى الازدحام الشديد داخل المعتقلات، فمن بين كلّ 5 أشخاص معتقلين، يُصاب 3 بأمراض معدية. كل ذلك يشكل خرقاً فاضحاً لمواد اتفاقيتي (29 و30 و31) من اتفاقية جنيف الثالثة، والمواد (91 و92) من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي أقرت حقهم بالعلاج والرعاية الطبية وتوفير الأدوية المناسبة وإجراء الفحوصات الطبية الدورية لهم.
أبرز سجون الاعتقال الإسرائيلية
لا يتوفّر عدد دقيق للسجون والمعتقلات الإسرائيلية التي يُحتجز فيها الفلسطينيون. تقول بعض التقديرات إنَّها تتجاوز 23 معتقلاً، بسبب وجود معتقلات سرية لا يتمّ الإفصاح عن مكانها وطبيعة الأسرى المحتجزين فيها، ولكنَّ المشترك الوحيد الذي يوحّدها هو سوء الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون فيها، ومن أبرز هذه المعتقلات:
- سجن عسقلان: تعود نشأته إلى عهد الانتداب البريطاني بين 1917 و1948. وقد تأسَّس ليكون مقراً لقيادة الجيش البريطاني، لكنه بعد العام 1967 تحول إلى مركز تحقيق وتوقيف للثوار، ثم أُعدّ في بداية العام 1970 ليكون سجناً مركزياً لاستقبال الأسرى، ووُصف الافتتاح بالأكثر دموية، إذ كان الجيش يضرب الأسرى بالهراوات على أجسادهم وهم يمرون عبر طابورين من الجنود.
- سجن الدامون: أُعيد افتتاحه خلال انتفاضة الأقصى في العام 2000، ويقع في حيفا. وقد تأسس في عهد الانتداب البريطاني.
- سجن جلبوع: يعدّ ذا طبيعة أمنية مشددة جداً، ويقع شمالي "إسرائيل". افتُتح في العام 2004 على يد خبراء إيرلنديين، ويُحتَجز فيه الأسرى المتهمون بتنفيذ عمليات ضد "إسرائيل".
- سجن هشارون: يقع قرب سجن هداريم. تأسَّس في السبعينيات من القرن الماضي، وخُصص مؤخراً للنساء من الأسيرات الأمنيات.
- معسكر اعتقال النقب: افتُتح سجن النقب الصحراوي أوّل مرة في العام 1988، وكان فيه أكثر من 50 ألف معتقل فلسطيني، إلى أن أُغلق في العام 1995، ثم أعيد افتتاحه مع اندلاع أحداث انتفاضة الأقصى في العام 2000، وهو يقع على مقربة من الحدود المصرية.
- سجن ومحكمة عوفر: يقع غرب مدينة رام الله في الضفة الغربية، وهو يتضمّن قسماً لاعتقال الأطفال والنساء.
- سجن نفحة: يتضمَّن سجني رامون (الحديث) ونفحة (القديم)، ويعدّ من أشد السجون وأقساها، وهو مخصّص للمعتقلين من القيادات الفلسطينية، ومحاط بتحصينات أمنية شديدة للغاية، ومعروف بأنه بارد جداً شتاء وشديد الحرارة في الصيف.
- السجن السـري 1391 أو ما عُرف بغوانتنامو الإسرائيلي: مكانه مجهول، ولكن ذكرت صحيفة "هآرتس" أنَّه مبنى من الإسمنت يحظى بتكتم وسرية عاليين. وقد أزالت الرقابة جميع ما ذكر حول موقعه في الإعلام الإسرائيلي.
تُنتهك في داخله كلّ القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية بشكل فظيع، ولم يُعرف عدد المحتجزين فيه، ولم يسمح لأحد بزيارته، وكل من يدخل إليه قد يختفي إلى الأبد، ويصبح في عداد المفقودين، وهو السجن الوحيد الذي لا يعرف المعتقلون فيه مكان احتجازهم. وعندما حاول بعضهم الاستيضاح، ردَّ عليهم الحراس بأنّهم محتجزون "في المريخ" أو في "الفضاء الخارجي" أو "خارج حدود إسرائيل".
إرادة لن تموت!
في ظلِّ كلّ الإجراءات العنصرية التي يتبعها الاحتلال الصهيوني لكسر عزيمة الشعب الفلسطيني وإرادته، إلا أنَّ التاريخ والحاضر مليئان بالنماذج البطولية التي سطّرها المعتقلون الَّذين لا يقلون بإرادتهم وعزيمتهم وتحديهم عن المقاومين في ساحات الجبهات. ولعلّ تمكّن 6 أسرى أبطال من الفرار من سجن "جلبوع" في أيلول/سبتمبر من العام الحالي بوسائل بدائية، هزَّ صورة الكيان وعنجهية مؤسساته الأمنية والعسكرية، وأزاح الستار عن انعدام ثقة المستوطنين بهذه المؤسّسات.
وعلى الرغم من أنَّ صورة المضربين عن الطعام، الذين أضرب بعضهم مدة 4 أشهر، وانتصار إرادتهم على كل وسائل القمع الصهيونية، مثل إرادة كايد الفسفوس، واستشهاد سامي العمور مؤخراً، لم تهز ضمير المجتمع الدولي النائم والمتنكّر لما يحصل من جرائم إبادة المنظمة تجاه الشعب الفلسطيني، فإنّها تؤكّد حقيقة تهافت المقاربة التي يزعمها اليهود الصهاينة "بأنهم شعب الله المختار"، لتثبت مقاربة أكثر واقعية وموضوعية وحقيقية رسَّختها أحداث العام 2021، بأن الشعب الفلسطيني "هو شعب الله المقاوم".