12 سبباً وراء انتصار "طالبان" وهزيمة حكومة كابول
إضافةً إلى عوامل خارجية، يمكن إدراج المشكلات في الداخل الأفغاني في سياق تحديد الأسباب الحقيقية وراء حصول هذا الانهيار الدراماتيكي.
على الرغم من الرعاية الغربية والأميركية للنظام الذي نشأ في أفغانستان في العام 2001، فإنَّ هذا البلد، سياسة ومجتمعاً، ظل يعاني مشاكل وأزمات بنيوية اقتصادية ومعيشية واجتماعية وثقافية. وإضافةً إلى عوامل خارجية أخرى، يمكن إدراج هذه المشكلات في الداخل الأفغاني في سياق تحديد الأسباب الحقيقية وراء حصول هذا الانهيار الدراماتيكي في كابول، وفي أفغانستان عامة، والذي بدأ مع إعلان الولايات المتحدة أنها بدأت بسحب أول فوج من مقاتليها من هذا البلد قبل نحو 3 أشهر:
أولاً: فشلت الولايات المتحدة في تحقيق هدفها من غزو أفغانستان في العام 2001، وعقب هجمات 11 أيلول/سبتمبر. ويعدّ من أبرز مظاهر هذا الفشل بقاء حركة "طالبان" التي استهدفتها الولايات المتحدة تحت ذريعة أنها تأوي قادة تنظيم "القاعدة"، الذين يعتقد أنهم وراء هجمات أيلول/سبتمبر. ويتجلى الفشل الأميركي في أنها لم تنجح ميدانياً وسياسياً وفكرياً في إيجاد البديل عن رؤية ونظرية وفكر جماعة "طالبان" الذي بقي ينمو في المجتمعات الريفية وبقوة. وقد استطاعت "طالبان" أن تحافظ على بنيتها، مستفيدة من تجربتها في الحرب والتنظيم والإدارة، وذلك مقابل حكومات ضعيفة وهشة وغير ناضجة نشأت في كابول.
ثانياً: الحكومة الأفغانية والحكومات التي سبقتها كانت وثيقة الصلة والتبعية للعواصم الغربية، وتحديداً واشنطن، وكانت تمارس التبعية إلى حد كرهه المجتمع الأفغاني والنخب المثقفة والأوساط الدينية في أفغانستان. وكثيراً ما اتهمت حكومة أشرف غني بأنها معزولة عن المجتمع، وأنها تتذرع بديمقراطية مزيفة، بدليل أن غني صار رئيساً بحصوله على مليوني صوت من أصل 40 مليوناً (تعداد سكان أفغانستان).
ثالثاً: كان الفساد في هياكل الدولة والنظام السياسي في كابول حديث الشارع، بما فيه الحديث عن قصص (بعضها مضخم) صورت وجعلت هذا النظام وحكومته في خانة اللصوص مقابل شعب يعيش نحو 56% من سكانه تحت خط الفقر. وقد أدى الفساد الظاهر والصارخ إلى نشوء طبقة من أصحاب السلطة والثروة. هؤلاء لم يتوانوا عن تشييد قصور فخمة على طراز القصور الأوروبية الملكية التي يعمل فيها المئات من الخدم والعمال، وبشكل يتنافى تمامًا مع ادعاءات من كانوا يسمون "القادة المجاهدين".
رابعاً: التنازع على المناصب بين القيادات التقليدية وصل إلى حد أن يعلن البعض أنه سيعلن القتال على الدولة، ما لم يمنح منصب مارشال أو وزارة في الحكومة أو رئاسة الجمهورية. لهذا، ظلت العلاقة بين أهل الحكم نفعية، وتقوم على أساس المصالح الشخصية، وليس على أساس الخدمة الوطنية.
خامساً: الفاصلة الكبيرة بين الدولة والنظام من جهة، والشعب من جهة ثانية، فالدولة لم تكن معروفة خارج العاصمة، في حين كانت الأخيرة منقسمة بين أغلبية محرومة ومهمشة ونخبة أهل الحكم. وقد بلغ الحال في السنوات الأخيرة أن يعيش مديرون عامون أو وكلاء وزارات أو ضباط من الدرجة الثانية في قصور فخمة، حتى إنَّهم يسلكون طرقاً خاصة، بحيث لا يراهم عامة الشعب.
سادساً: منذ كسر هيمنة "طالبان" قبل نحو 20 عاماً، لم تبادر أية حكومة أو قيادة في أفغانستان إلى معالجة الجروح في جسد الأمة الأفغانية، والتي ظلت تعاني لعقود من الحروب والنزاعات وعدم الاستقرار ومظاهر الموت المتعدد الأشكال والأسباب، وحاول الغربيون، البريطانيون والأميركيون، بطريقة ساذجة وغبية إحداث تغيير في نمط المجتمع الأفغاني، عبر جمع بعض الشباب وتسميتهم بـ"المجتمع المدني"، وأيضاً التشجيع على نزع الحجاب والممارسات الهامشية ونشر الثقافة الاستهلاكية التي لا تعالج هموم ومعاناة الشعب الذي يعاني الفقر والأمية والبطالة، وهو ما كان مادة دسمة لكي تراهن وتشتغل عليه "طالبان".
سابعاً: غياب الأمل في التغيير وتجذر حالة اليأس في المجتمع، إلى حد بات الناس يأملون حصول أي تغيير، ومن قبل أي طرف، بهدف تخليصهم من الوضع المزري، حيث مظاهر التخلف ولجوء الشباب إلى الهجرة. وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى موت مواطن أفغاني من بين كل 10 أشخاص يحاولون الهجرة من البلاد.
ثامناً: أمام ترهل هياكل الدولة وطبقية النخبة الحاكمة وانقسام الشعب بين فئة الحاكم الباذخ والمحكوم الفقير، كانت جماعة "طالبان" ترص الصّفوف وترسّخ ولاءها للزعيم الواحد والنظرية الشمولية، عبر زيادة تماسك صفوفها مذهبياً ودينياً وسياسياً وتنظيمياً.
تاسعاً: الجاهزية والاستعداد؛ ففيما تظهر "طالبان" المجالدة الصلابة والثبات في جبهات القتال ومواصلة الهجمات مع التدريب والتطوير المتواصلين، كانت نخبة السلطة، ممن كانوا يسمون بـ"المجاهدين"، تتراخى وتزداد ميوعة ورفاهية، وتغدو أكثر تمسكاً بمظاهر الحياة ومباهجها، إلى حد أن مواقع التواصل في أفغانستان كانت تتناقل صور وقصص الحياة المترفة والانحراف الديني والأخلاقي بين بعض عائلات قادة البلاد.
عاشراً: التمويل، إذ لم ينقطع التمويل عن حركة "طالبان" منذ أن أُقصيت من السلطة، بل تفيد تقارير بأنَّها ضاعفت مداخيلها، سواء من خلال ابتزاز دول مثل الهند وباكستان والحصول على الأموال منهما، أو عبر شبكة واسعة من الممولين العرب في كلّ من قطر والسعودية والإمارات، كانوا يؤمّنون الدعم للحركة التي لم تتوانَ عن الإتجار بالمخدرات. وفي الآونة الأخيرة، يؤكد مسؤولون أفغان أن "طالبان" كانت تحصل بشكل منتظم على أموال من الولايات المتحدة كان يحملها السفير زلماي خليل زاد الذي يودعها في حساب في مصرف في العاصمة القطرية الدوحة.
حادي عشر: في وقتٍ لم يتوقف الرئيس أشرف غني، واعتماداً على الثقل الأميركي في بلاده، عن مناصبة العداء لدول الجوار جميعها، ومن دون استثناء، كانت "طالبان"، وفي السنوات الأخيرة، تقيم علاقات بمستويات مختلفة مع دول الجوار، وخصوصاً باكستان وروسيا وإيران، إضافة إلى علاقات مع الهند وعدد من الدول العربية، كما أشارت تقارير استخبارية إلى أن لطالبان ممثلين يتحاورون مع الاتحاد الأوروبي وأستراليا.
ثاني عشر: مفاوضات الدوحة، إذ تشكل هذه المفاوضات مع الولايات المتحدة مفصلاً أساسياً في تاريخ حركة "طالبان" السياسي والعسكري. وتعد هذه المفاوضات لغزاً ستتكشف تفاصيله في مرحلة لاحقة، وأكدت أوساط دبلوماسية أنَّ تلك المحادثات واللقاءات وضعت الحجر الأساس لما حصل في 15 آب/أغسطس.
وكشفت مصادر أفغانية مسؤولة أنّ الطرفين، "طالبان" وأميركا، وبرعاية قطرية، توصَّلا منذ نحو عام مضى إلى تفاهم استراتيجي حول مستقبل العلاقة بينهما. يتمحور هذا التفاهم حول 3 نقاط، هي تأمين انسحاب شامل للقوات الأميركية والغربية من أفغانستان ومن دون قتال، وضمان المصالح السياسيّة والاقتصاديّة الأميركيّة في أفغانستان، وتأكيد والتزام الولايات المتحدة بأنها غير معنيّة بصيغة الحكم وشكله في أفغانستان بعد الانسحاب.
وأخيراً، يعتقد مراقبون ومتابعون أفغان أن "طالبان" نجحت في السنوات الأخيرة بإيصال رسالة إلى عموم المجتمع بأنها تغيرت وأعادت النظر في مناهجها. وقد أظهرت في الآونة الأخيرة قدراً كبيراً من الوطنية مقابل تفاخر الآخر بالعمالة. وفيما يندمج مجتمع "طالبان" مع بقية فئات الشعب، كان الآخر يزداد عزلة. وفي حين يتفشى الفقر، كانت "طالبان" تعيل عشرات آلاف الأسر، وخصوصاً تلك الواقعة تحت سيطرتها من حاضنتها المجتمعية.